مساحة إعلانية
في أمر ليس بالمفاجئ على صعيد الصراعات الدولية، تم أمس الأربعاء تصفية يفجيني بريجوجين، قائد المجموعة القتالية المرتزقة الروسية فاجنر في حادث تحطم طائرة رفقة بعض معاونيه.
الاغتيال المتوقع لقائد فاجنر يرى مراقبون أن تأخر كثيرًا، إذ أنه كان هناك حاجة روسية شديدة للتخلص منه، بعدما خرج عن طوع روسيا وتحديدًا المخابرات الروسية "كي جي بي".

ووصلت الصدامات بين قائد فاجنر والقوات الروسية إلى طريق مسدود خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد ظهور هذه الخلافات للعلن.
وكانت بداية ظهور هذه الخلافات للعلن حينما خرج يفجيني بريجوجين، مهاجمًا القادة الروس ومتطاولًا عليهم وخاصة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو، ووصفهم بالحمقى الذين تسببوا في مقتل أعضاء شركته "فاجنر"، بعد تأخروا في إمداده بالسلاح والذخيرة.
هنا بدأ الصدام بين مرتزقة فاجنر والجيش الروسي، وتحولت دفة قتال فاجنر من القتال ضد أوكرانيا إلى القتال ضد روسيا وكانت فاجنر على أبواب موسكو لولا أن تدخل خلفاء روسيا وأصدقاء "بريجوجين" وأقنعوه بالتراجع، وبالفعل تراجع، ومن وقتها أصبحت تصفيته مسألة وقت لا أكثر.
بعد الخلاف الذي ظهر إلى العلن، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأعلن أن فاجنر قوات مارقة، ودعاهم إلى إلقاء السلاح والانضمام تحت أمرة الجيش الروسي، ومن هنا بدأ تفكك قوات فاجنر التي كانت سببًا مباشرًا في تخفيف ضغط الحرب في الكثير من المناطق التي قاتل فيها الجيش الروسي وتحديدًا في حربه الأخيرة والدائرة حاليًا في الأراضي الأوكرانية.
حدوث الفتنة بين قوات فاجنر والقيادة العسكرية الروسية، كانت جرحًا لم يكن ليلتئم أبدًا، وكل التعهدات التي حصل عليها قائد فاجنر بحصوله على الأمان من حلفاء موسكو الذين أقنعوه بالتراجع بعدما كان على أبواب موسكو لم تكن إلا جزء من خطة الخداع الاستراتيجي التي نفذتها موسكو للتخلص من قائد ميليشياتها السابقة، الذي لم يكن أمامها في التعامل معه سوى تصفيته، إذ أن مجرد محاكمته فهي مغامرة غير محمودة العواقب، فقائد فاجنر لديه مؤيدين وأتباع لم يكن ليسمحوا بالمساس به، ولذلك كان الغدر هو الحل الأمثل لموسكو.

وكانت روسيا قد أعلنت أن قوات فاجنر سلمت العديد من المعدات للجيش، كما سلمت آلاف الأطنان من الأسلحة والذخيرة للجيش الروسي، في الوقت الذي تتحرك فيه موسكو لوضع قوة المرتزقة المتمردة تحت سيطرتها، وقالت وزارة الدفاع الروسية إنها تلقت أكثر من 2000 قطعة من المعدات، بما في ذلك مئات الدبابات وأكثر من 2500 طن من الذخيرة.
وطبيعي أنه بعد أن وضعت روسيا سيطرتها على قوات فاجنر كان طبيعيًا أن تتجه إلى علية التصفية لتغلق هذا الملف، خاصة أن فاجنر هي اليد الطولى لموسكو في الكثير من البلاد الإفريقية، كما أن الرئيس الروسي بوتين يستعد بقوة لانتخابات الرئاسة في 2024، كما أن اغتيال قائد فاجنر رسالة واضحة من بوتين بأن عدم الولاء يساوي الموت".
عملية الاغتيال قادتها موسكو بحرفية، إذ سبق عملية الاغتيال لقائد فاجنر، تأكيدات عدة لموسكو بأنها لا تعرف مكانه، لا يشغلها سوى استمرار الحرب.
تصفية قائد فاجنر لم تكن بالأمر المفاجئ على الصعيد الدولي، إذ أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنه ليس متفاجئًا باغتيال بريجوجين.

المثير أن اغتيال قائد فاجنر، كان أشبه بالاغتيالات العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، إذ أن سيناريو تحطم الطائرة ليس جديدًا على الساحة الدولية، كما أن أحد أعضاء الكبتاجون السابقين قال إن طريقة مقتل بريجوجين هي الطريقة المفضلة لبوتين في التخلص من الخصوم، كما أن بوتين كان في حفل موسيقي أثناء حادث الاغتيال وساذج سياسيًا من يظن أن بوتين لم يكن على علم بالتنفيذ.
حادث الاغتيال أعاد التأكيد لحلفاء موسكو أن الدب الروسي ليس حليفًا وفيًا أبدًا وأن غدره يأتي في أي لحظة، وأنه لا يقبل أنصاف الحلول.
تبقى هناك عقبة لموسكو إذا سيطرت سيطرة كاملة على قوات فاجنر، وهي كيف ستضمن الولاء الكامل لقوات فاجنر بعدما أعلنت قيادة فاجنر مقتل زعيمها وإعلان الحداد عليها ونعته قائله: "حتى في الجحيم ستكون أفضل".
معضلة أخرى وهي: كيف ستسيطر موسكو على مناطق نفوذها في إفريقيا بعدما كانت فاجنر هي يدها في ذلك؟

قد تكون موسكو أعادت ترتيب أوراقها منذ الصدام الأخير بين قائد فاجنر والقوات العسكرية الروسية، لكن المفاجآت واردة.