مساحة إعلانية
هو أحد السواعد التي قاتلت وحاربت وانتصرت واستعادت الأرض، إن المشير محمد عبدالغني الجمسي، الرجل الذي كان رئيس عمليات القوات المسلحة في حرب الأركان، ثم رئيس الأركان أثناء المعركة، بعد إعفاء الفريق سعد الدين الشاذلي من منصبه.
كان الجمسي رجلًا عسكريًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم تستميله السياسة أبدًا، ورغم ذلك كان مفاوضا شرسا صارما لم يشفع دهاء الجنرال أهارون ياريف مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق والمكلف بالتفاوض معه فى الكيلو 101 (مفاوضات وقف إطلاق النار 73)؛ فى الحصول منه على أى فائدة تذكر بل كان يُعيد ياريف بكل صرامة إلى هدف التفاوض عند مراوغة الأخير له بتحويل الحديث إلى الناحية السياسية.
كان القادة الإسرائيليون يهابونه حيث قال عنه عيزرا وايزمان وزير الدفاع فى حكومة مناحم بيجين (1977) (أدركت أن الجنرال الجمسى رجل مثقف وموهوب ومنطوى على نفسه وعلمت أنه مصرى معتز بمصريته كثيرًا).. فيما وصفته جولدا مائير بالجنرال النحيف المخيف.
دمعت عين الجمسي عندما فوجئ بهينرى كيسنجر، وزير خارجية أمريكا حينما أخبره على مائدة المفاوضات فى يناير 74 بموافقة السادات على تخفيض حجم القوات المصرية على الضفة الشرقية للقناة لتصبح 7000 مقاتل و30 دبابة وعدد محدود من المدفعية، فانفعل الجمسى على كيسنجر قائلا له: (إنك تعطى لإسرائيل كل ما يضمن تأمين قواتها وتحرمنا من كل ما يضمن تأمين قواتنا وإنى لا أوافق على ذلك).. وترك غرفة الاجتماعات وعيناه تدمعان.. وعندما عاد لم يتحدث مطلقا رغم جهود كيسنجر فى إغراقه بالمديح والثناء.
وللجمسى مقولة يوضح بها ارتباط العمل السياسى بالعمل العسكرى، ورغم أنه أوردها فى مذكراته فى سياق تحليله لهزيمة 67 فإنها كانت تنطبق على ما حدث بينه وبين السادات أثناء مفاوضات السلام مع إسرائيل حيث قال: (إن الهدف السياسى الذى يؤثر أو يتأثر بالعمل العسكرى يجب ألا تحجبه القيادة السياسية عن القيادة العسكرية فى حدود السرية الواجبة، فمن المعروف أن الحرب هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى ومن ثم لا ينبغى حجب الهدف السياسى الذى كان فى ذهن القيادة السياسية عن رئيس أركان حرب القوات المسلحة وأجهزته المختصة حتى يتاح لهم فرصة التفكير والبحث المبكر عن تأثير القرار السياسى على العمل العسكرى، وهذا هو فن الاستراتيجية التى تربط السياسة بالعسكرية برباط وثيق ولا تقبل الانفصال بينهما).