مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

أحمد عبده طرابيك يكتب : تحديات تاكايتشي وحكومتها في قيادة اليابان

2025-10-10 14:37:51 -  تحديث:  2025-10-10 14:41:26 - 
أحمد عبده طرابيك  يكتب : تحديات تاكايتشي وحكومتها في قيادة اليابان
أحمد عبده طرابيك

     اختار الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، ساناي تاكايشي رئيسة للحزب، الأمر الذي يمهد الطريق أمامها لتصبح أول امرأة تتولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ اليابان. وقد جاء اختيار تاكيتشي رئيسة للحزب الليبرالي الديمقراطي، لاعتقاد أعضاء الحزب بأنها بأنها أنسب شخصية للتعامل مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذا التوقيت الحساس الذي يشهد توترًا بين ترامب وبين كافة دول العالم، فقد أعربت تاكايتشي عن تحفّظات بشأن اتفاق التجارة الأمريكي- الياباني، وأكدت على أن إعادة التفاوض حول الاتفاقية ليست مستبعدة، وأن طوكيو ملتزمة باستثمارات تبلغ 550 مليار دولار. 
      توصف تاكايتشي، البالغة من العمر أربعة وستون عامًا، بتوجهاتها المحافظة المتشددة، فقد عارضت تشريعًا يسمح للنساء المتزوجات بالاحتفاظ بأسمائهن قبل الزواج، معتبرة أنه يُقوّض التقاليد اليابانية العريقة. كما أنها ترفض زواج المثليين. كما تدعو لتوسيع خدمات المستشفيات المتعلقة بصحة المرأة، والاعتراف بشكل أكبر بالعاملين في دعم الأُسر، وتحسين خيارات الرعاية لكبار السن في المجتمع الياباني.
      ارتبطت تاكيتشي بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي. فقد دعت تاكايتشي إلى تبني موقف متشدد تجاه الصين، ولها مواقف مرنة مع تايوان الأمر الذي من شأنه أن يثير حفيظة بكين. كما أنها تؤيد تعديل الدستور السلمي لليابان، خاصة المادة التاسعة التي تقيد حق البلاد في شن الحروب. وقد أثارت زياراتها السابقة لضريح ياسوكوني المثير للجدل، الذي يكرّم قتلى الحروب اليابانيين بمن فيهم مجرمو الحروب، انتقادات شديدة من قبل الصين وكوريا الجنوبية اللتين تعتبران الموقع رمزًا لعدوان طوكيو في زمن الحرب. ولكن يتوقع أن تتبع تاكايتشي سياسة حذرة في التعبير عن مواقفها، خصوصًا في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وإذا كانت مواقفها تجاه الصين وكوريا معروفة جيدًا، لكنها تدرك أيضًا ضرورة الحفاظ على علاقات جيدة مع هذه الدول، وخاصة مع الولايات المتحدة، لأن لكل منها تأثيرًا كبيرًا على وجهات الصادرات اليابانية الرئيسية. ولكن رغم كل ذلك فستظل توجهات تاكايتشي القومية قوية إلى حد ما. 
     ولدت ساناي تاكايتشي في محافظة نارا عام 1961، وكان والدها موظفًا في شركة، ووالدتها ضابطة شرطة. ولم تكن السياسة جزءًا من نشأتها أو محيطها العائلي. وعملت لفترة ما عازفة درامز متحمسة لموسيقى الهيفي ميتال، كما عملت لفترة قصيرة كمقدمة برامج تلفزيونية قبل دخولها عالم السياسة في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، خلال ذروة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة واليابان. ومن أجل فهم النظرة الأمريكية لليابان، عملت في مكتب النائبة الديمقراطية باتريشيا شرودر، المعروفة بانتقاداتها الحادة لليابان. وقد لاحظت أن الأمريكيين يخلطون كثيرًا بين اللغات والمأكولات اليابانية والصينية والكورية، وأن اليابان تُعامل كأنها كتلة واحدة مع الصين وكوريا الجنوبية. وقالت ما لم تتمكن اليابان من الدفاع عن نفسها، فسيظل مصيرها دائمًا تحت رحمة الرأي الأمريكي السطحي. 
     شغلت تاكايتشي مناصب حكومية عديدة، منها وزيرة الأمن الاقتصادي، ووزيرة الدولة للتجارة والصناعة، وحققت رقماً قياسيًا في مدة توليها منصب وزيرة الشؤون الداخلية والاتصالات. وأرادت بعد ذلك خوض مغامرة قيادة الحزب، فخاضت لأول مرة سباق رئاسة الحزب عام 2021، لكنها خسرت أمام فوميو كيشيدا. ثم أعادت المحاولة عام 2024، وتصدرت الجولة الأولى من التصويت، لكنها خسرت في النهاية أمام شيغيرو إيشيبا. وفي عام 2025، وفي محاولتها الثالثة حققت النجاح التي سعت إليه منذ سنوات، وهو ما يمهّد لها الطريق لتصبح أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان. 
     ما زال أما تاكيتشي مهمة اقناع حزب واحد على الأقل من أحزاب المعارضة في البرلمان الياباني لدعم حزبها في تشكيل حكومة برئاستها وذلك بعد أن فقد الحزب الليبرالي الديمقراطي أغلبيته في مجلسي البرلمان خلال عامي 2024، 2025، ليضطر إلى الحكم كأقلية. ولذلك فعندما ينعقد البرلمان في 15 أكتوبر، يمكن نظريًا لأحزاب المعارضة عرقلة تثبيت تاكايتشي في منصبها كرئيسة للحكومة، وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفًا. فأحزاب المعارضة ترى أن انضمامها إلى إئتلاف مع الحزب الحاكم قد يمنحها نفوذًا أكبر، لكنه قد ينفّر الناخبين الساخطين على الحزب الليبرالي الديمقراطي. وعلى الرغم من أن تلك المشكلة لن لتكون كبيرة مقارنة بحجم التحديات التي ستواجهها حكومة تاكايتشي، إلا أنها لا تخلو من التعقيدات خاصة بعد أن أبلغ زعيم حزب كوميه الياباني زعيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي أن حزبه سينسحب من الائتلاف الحاكم بعد شراكة امتدت لأكثر من 25 عامًا. 
     وإذا تأكد تولى تاكيتشي رئاسة الوزراء في اليابان فسيكون أمامها تحديات كبيرة، يأتي في مقدمتها الضغود الاقتصادية الناتجة عن أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، وإدارة العلاقات الأمنية والتجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إضافة إلى معالجة المخاوف الداخلية بشأن تزايد أعداد الأجانب المقيمين أو الزائرين لليابان. 
      تشير توجهات ساناي تاكايتشي وعلاقتها برئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، إلى أن الزعيمة الجديدة المحتملة لليابان، قد تعيد إحياء نهج "آبينوميكس"، الاستراتيجية الاقتصادية التي تبناها رئيس الوزراء الأسبق شينزو آبي، والتي ارتكزت على سياسات نقدية ميسّرة، وإنفاق مالي واسع، وإصلاحات هيكلية. خاصة وأنها قد انتقدت في السابق خطط بنك اليابان المركزي لرفع أسعار الفائدة، في وقت أكد فيه محافظ البنك كازو أويدا أن تحديد أسعار الفائدة سيتم "دون أي تصورات مسبقة"، وهذا ما يعد سياسات مغايرة لسياسات سلفها رئيس الوزراء السابق إيشيبا شيغيرو. ولكن هذا لا يعني أن تاكايتشي سوف تتمكن من كبح التضخم، باتباعها سياسات آبينوميكس السابقة، وهو ما يعني ضعفًا حادًا في قيمة الين، وزيادة في الإنفاق الحكومي، وبالتالي تضخمًا أعلى. 
      تأمل الرئيسة الجديدة للحزب الحاكم في اليابان ساناي تاكايتشي، في حال توليها رئاسة الحكومة المقبلة إلى تمرير تشريع في البرلمان لخفض ضريبة البنزين وإعداد ميزانية تكميلية، ولذلك لتمكينها من اصدار أمرًا بإعداد حزمة من الخطوات لتخفيف الأثر الاقتصادي لارتفاع تكاليف المعيشة وتخفيف المعاناة عن المواطنين حتى لا تؤثر تلك الأعباء الاقتصادية سلبًا على الاستهلاك وأرباح الشركات الأمر الذي من شأنه إلحاق الضرر بالاقتصاد الياباني. 


الكاتب باحث في الشئون الآسيوية  

مساحة إعلانية