مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

أنت من يختار حظك .. نظرية علمية جديدة بقلم: الإعلامي خالد سالم

2025-11-04 04:19 PM - 
أنت من يختار حظك .. نظرية علمية جديدة بقلم: الإعلامي خالد سالم
خالد سالم
منبر

الحظ… ليس عشوائيًا كما نعتقد

لطالما اعتقد الناس أن الحظ مجرد مصادفة عابرة لا يمكن التنبؤ بها. لكن الأبحاث الحديثة تكشف وجهًا آخر لهذا المفهوم: الحظ ليس أمرًا غامضًا أو لعبة قدر، بل يمكن أن يكون نتيجة مباشرة لطريقة تفكيرنا وتركيز وعينا.

في عصر تتسارع فيه الاكتشافات العلمية، بدأ الباحثون في مجالات الفيزياء الكمية وعلم الأعصاب يكشفون أسرارًا مذهلة عن العلاقة بين العقل والواقع. وما كان يُعتبر خرافة أو تفكيرًا إيجابيًا ساذجًا، بات اليوم موضوعًا للدراسات المعمقة في أعرق الجامعات العالمية.

تجربة فيزيائية قلبت المفهوم

في عام 2019، أجرى فريق من الفيزيائيين في جامعة أكسفورد تجربة دقيقة على سلوك الإلكترونات، ولاحظوا ظاهرة مدهشة: الجسيمات لا تتصرف بنفس الطريقة دائمًا، بل يتغير سلوكها حسب التوقعات الذهنية للمراقب. هذه النتيجة أعادت تأكيد فرضية فيزيائية قديمة مفادها أن مجرد التوقع يغيّر مجرى الأحداث.

هذا الاكتشاف لم يكن معزولًا، بل جاء ليؤكد سلسلة من التجارب الممتدة على مدى عقود، تشير جميعها إلى أن الوعي البشري له دور أكبر بكثير مما كنا نتصور في تشكيل الواقع المحيط بنا. إنها ليست فلسفة روحانية، بل حقائق تُقاس في المختبرات بأدق الأجهزة العلمية.

 تأثير المراقب… عندما يوجه العقل الواقع

يطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم «تأثير ترابط المراقب»، وتعني أن وعي الإنسان نفسه يمكن أن يؤثر على النتائج من حوله. فعندما يؤمن شخص ما يقينًا بأنه سيحالفه الحظ، يبدأ دماغه تلقائيًا بتصفية الواقع من الضوضاء، ويركّز على الفرص التي قد يتجاهلها الآخرون.

الأمر لا يتعلق بالسحر، بل بآلية عصبية دقيقة: الانتباه الموجّه يخلق مسارًا مختلفًا من الاحتمالات. فالدماغ البشري يعالج ملايين المعلومات في كل ثانية، لكنه يسمح فقط لجزء ضئيل منها بالوصول إلى الوعي. والمعيار الذي يحدد ما يصل وما لا يصل؟ إنه التوقع والإيمان الداخلي.

عندما تؤمن بأنك محظوظ، فأنت في الواقع تبرمج نظام التصفية الذهني لديك ليلتقط الإشارات الإيجابية، والفرص المتاحة، والاحتمالات المواتية. بينما الشخص المتشائم يبرمج دماغه ليرى العوائق والمخاطر والإخفاقات المحتملة.

 كيف يصبح "الحظ" فرصة ملموسة

دراسات أُجريت في جامعة زيورخ أظهرت أن الأشخاص الذين يؤمنون بحظهم يحققون نتائج ملموسة أكثر من غيرهم. فهم يعثرون على المال في الشارع بنسبة أعلى، ويحصلون على عروض عمل بشكل أسرع، ويغلقون صفقات بثلاثة أضعاف السرعة العادية.

السبب بسيط: عقولهم لا تغفل الإشارات الدقيقة التي يراها غيرهم تفاصيل عابرة. إنهم يلاحظون الورقة النقدية على الرصيف، ويبتسمون للشخص المناسب في اللحظة المناسبة، ويشعرون بالفرصة قبل أن تتبلور بشكل واضح.

في إحدى التجارب الشهيرة، طُلب من مجموعة من المشاركين أن يقرأوا صحيفة ويعدّوا عدد الصور فيها. نصف المشاركين كانوا يصفون أنفسهم بأنهم محظوظون، والنصف الآخر بأنهم سيئو الحظ. في منتصف الصحيفة، كان هناك إعلان بخط عريض يقول: "توقف عن العد، هناك 43 صورة في هذه الصحيفة."

معظم "المحظوظين" لاحظوا الإعلان وتوقفوا، بينما فات معظم "سيئي الحظ" رؤيته وواصلوا العد. الفرق لم يكن في الحظ، بل في درجة الانفتاح والانتباه للفرص غير المتوقعة.

 الوعي… والتأثير على العشوائية

الأكثر إثارة للدهشة أن تجارب أُجريت باستخدام نماذج فيزيائية كمّية أظهرت أن "النية" البشرية يمكن أن تؤثر حتى على الأرقام العشوائية. فعندما طُلب من المشاركين أن "يستشعروا" نتيجة معينة، تجاوزت النتائج الاحتمالات الإحصائية المتوقعة. أي أن الوعي نفسه تدخّل في عمليات يُفترض أنها عشوائية تمامًا.

هذه النتائج، رغم كونها محل جدل علمي مستمر، تفتح آفاقًا جديدة لفهم العلاقة بين الذهن والمادة. فإذا كان الوعي قادرًا على التأثير في أنظمة فيزيائية معقدة، فما بالك بتأثيره على قراراتنا اليومية، وتفاعلاتنا الاجتماعية، واختياراتنا الحياتية؟

إن ما نسميه "حظًا" قد يكون في حقيقته تراكمًا لآلاف القرارات الصغيرة، والانتباهات الدقيقة، والتوقعات الإيجابية التي تشكل مسار حياتنا بطريقة لا ندركها بوعي.

النتيجة الكبرى: أنت من يوجه الاحتمالات

العالم من حولك لا يقدّم نتيجة واحدة، بل عشرات المسارات المحتملة في كل لحظة. وتركيزك الذهني هو الذي يرجّح كفّة أحد هذه المسارات لتتحول إلى واقع تعيشه.

الحظ ليس هبة من القدر، بل مهارة ذهنية قوامها الإيمان، والتركيز، والانتباه الواعي. إنه فن يمكن تعلمه وتطويره، تمامًا كأي مهارة أخرى. كلما تدربت على توجيه انتباهك نحو الإيجابي، وتوقعت الخير، وآمنت بقدرتك على خلق الفرص، كلما أصبح "الحظ" رفيقًا دائمًا لك.

في عالم الاحتمالات اللانهائية، أنت من يمسك بدفة القيادة. كل فكرة تفكر فيها، وكل توقع تحمله، وكل قرار تتخذه، يساهم في رسم الخريطة التي ستسير عليها حياتك.

 خلاصة

التوقع الإيجابي ليس تفكيرًا ساذجًا، بل أداة تؤثر في مسار الأحداث.
 العلم يثبت اليوم ما كان الحكماء يعرفونه منذ قرون: ما تؤمن به يصبح حقيقتك.
الانتباه الموجّه يكشف فرصًا لا يراها الآخرون.
 في كل لحظة، هناك عشرات الفرص الخفية، لكن فقط العقل المنفتح والمتيقظ هو من يلتقطها.

الوعي يمكن أن يتداخل حتى مع العمليات العشوائية.
 حدود تأثير العقل على المادة أوسع بكثير مما كنا نتخيل، والأبحاث تكشف كل يوم عن أبعاد جديدة لهذا التأثير.

الحظ، في جوهره، احتمال مائل لصالح من يؤمن به.
 أنت لست ضحية للظروف، بل شريك فاعل في خلق واقعك. والخطوة الأولى تبدأ من تغيير طريقة نظرك إلى نفسك وإلى العالم من حولك.
فهل أنت مستعد لأن تصبح صانع حظك بدلًا من منتظره؟

مساحة إعلانية