مساحة إعلانية
آية الباز
تحتلني امـرأة غيـري، لـم أتعرف عليهـا يومـاً، ولا قابلتها ذات صدفــة! امرأة غريبة الملامح، مألوفة الحركة داخلي، وكأن أعضائي علي علاقة بها ! تتجوّل فيّ بدون ضوابط ولا رادع، ولا يوجـد في شراييني مطبـات تعرقــل حركتها ممــا يسبب لي التذمــر، تثيـر شهيتي للقصـاص منهـا، كل مـا أعلمـه أنهـــا تتحكم بي وبمشاعري، تهـم بالوقـوف فأتحـرك للأمـام، تبكي هي فتفيض دمـوعي، تتـألـم جوعا فتزقزق عصافيـر بطني، تفتعل المشكلات مع الجارات، فيأتين للشجار معي تذهب للسوق فأجد التراب علي عباءتي السوداء! الشُحنة الكهربيـة علي ملابسي جذبت كلام الباعــة الجائلين، فـرأيت علي عبـاءتي ملتصقة أسعار البصل والثوم والليمــون، وجدتُ حُمـرة الطماطـم في خــدّي وبيدي باقــة نعنــاع أنعش بها خلايـا مخي المعطلة عن العمل منذ حصاد النعناع في العام الماضي، امــرأة بداخلي تتناحر مع نفسها، تتنهد فترتفع حرارة الجــو عن المعـدل المعتــاد ، تحزن فتبكي الغيمــات، تتذمر وبداخلها بركان يفور، فتضرب الصواعق الرعديــة أعمــدة النــور في الشــارع، امــرأة لم تأخـذ ردة فعل مطلقاً، كانت دائما إسفنجة تمتص المشـاعــر والأدويــة وحبــات المطر المتساقطة علي زجاج سيارة متسخة، لها رئة تستنشق بها نسيـم الفجر ، آذان ترهف السمع لأصوات العصافير على الشجــر، وشفــاه تسحب بها دخــان سيجارة نامت بدلال بين أصابع مدخن ! امرأة لها من القوة ما يجعلها تصبُغ شفتيها بلون قرمزي، وترتدي الأصفر الفاقــع كاشفةً عن صدرها وشعرها في مأتم شاب أصابته سيارة هرب سائقها ، امرأة بـاردة جداً، لم تذهب لمكـان إلا وغطتــه الثلــوج، برودها يصنع الثلوج على قمم الجبـال ، يكاد النـاس ـ من فرط بـرود أعصابها وعدم اكتراثها ـ يتزلجون على جليدها! تحتلني ... تستيقظ مبكرا ، ولكنها في كل مـرة تفتح عينيهــا فتري الظـلام الدامس فتظن أن الفجر لم يأتِ بعد ، فتكمّل نومها الذى يطول لسنوات !
آخر مرة قيل لها: كم عمرك؟
قالت: لا أدري!
عندمــا نامت بالأمس، كانت فى العشرين من عمرهــا، الآن يقولــون : لقــد بلغتِ الثالثة والأربعين ، يتعلق بذيل ثوبها أطفال يقولون : ماما !
يصرخ بداخلها صوت: كيف ولم يمسسني بشر؟
تسألها مرآتها: فيم أنفقت كل هذا العمر؟
امرأة في الظـلام تقسم ألا يوجـد فجـر، وفي الشـروق تقسم ألا يوجـد غروب، وفي كل خطواتها تتعثر ، تلك هى المرأة التى أحملها علي كتفيّ ، امرأة تشبهني، تسير بي إلي كل الأماكن، نزور المقابر معا، وصالات عرض الأفلام ، ونجري علي رمل البحــر الساخن ظهـراً ، ونتشارك نفس الجسد معا، وفي الليــل تلقي عليّ كل اللوم وأنني من أخذتُ بيدها لتمارس عهر الشوارع! أنا حبيسة الجدران من ثلاث سنوات،.. أنا التي لم تر خيط الشمس منذ وُلدتْ. بداخلي امـرأة ضلّت السعي ، لم تتوقف عن ابهاري وإثارة دهشتي في تملقّها مني وفرض سطوتها عليّ ، بداخلي امرأة ترص الأسئلة رصّاً علي أرفف الذاكرة ، كما ترص التوابــل والبهــارات في مطبخهـا، ترش علي كل ســؤال بهـاراتهـا وتوابلها لتعطي له نكهة خاصة. امرأة جيدة في ولادة الأسئلة، عاقر فى خلق الإجابات! امرأة تُعبئ الحيرة في قناني، وتجبرني علي خضها، غير آبهة بمخلفات الانفجار!
امرأة متقلبة المزاج كأيام الخريف، إنها لا تُشبه أحدا، امرأة صامتة هادئة كأعماق المحيط ، ثائـرة حائرة كمهـرة فقدت وليدها، طفلة في ثوب امرأة ألهتها الحياة عن لهو الفتيات، امرأة مزقتها العـادات، تموت علي صدرها كلمــة عيب، وتسلم بكلمة حرام، امرأة سريعة الاشتعال، تحترق من الحب، من القُرب، من البعـد، تشتعل من الغياب، لذا لا مكان يحتويها سوي ثلاجة الموتي! بداخلي امرأة تدفع أيامها الثقيلة ثمناً لساعــة واحــدة صافيـة من الكدر، خالية من التأنيب أو التفكيـر أو الحيرة والتيه، أظن أنها ولدت لأم ثرثـارة.. احتفظَتْ لنفسها دون ذريتها بحق الكـلام، فكنت أنــا حفيدتها ، صمـاء خرسـاء ! بداخلي امرأة فقدت أّذرعها في المطبخ، في كل مـرة يجوع فيها أطفالها ، تطعمهم جزءاً منهــا، حتي صـارت مبتـورة الأيــدي ... لم يكن بوسعي وصف المــرأة التي تحتلنى ، فقلت عنها: أنــــا .