مساحة إعلانية
كتب- سيد طنطاوي
الرجال الأشداء هم القادرون على الصبر، مرارًا وتكرارًا، يتجرعون المصائب لكنهم يبدون صبرًا وتحملًا لا تذمرًا أو اعتراضًا، وأول هؤلاء وإمامهم وائل الدحدوح الصحفي الفلسطيني، ومراسل قناة الجزيرة بقطاع غزة.
الدحدوح أصبح أحد المستهدفين من الاحتلال الإسرائيلي بشكل شخصي، إذ يرى الكيان الصهيوني فيه خطرًا عليهم، لأنهم من أشد المؤمنين بعدالة قضيته وبحقه في أرضه، وبالإضافة إلى ذلك يجد دينًا عليه لأرضه وأهله أن يصل صوتهم إلى كل العالم عبر عمله مراسلًا لقناة الجزيرة.
وكان الدحدوح خير سفيرًا لقومه، إذ أنه في كل الاستهدافات التي تعرض لها من الكيان الصهيوني، بقى صامدًا وأكثر ثباتًا مع المحن، إذ لم يتزعزع إيمانه بالقضية وبحقه قيد أنملة.
بعد الكثير من المضايقات التي تعرض لها الدحدوح على يد الاحتلال، تعرض لإحدى المصائب الكبيرة في حياته، حينما استهدف جيش الاحتلال أقاربه واغتال زوجته وابنه وابنته يوم 25 أكتوبر الماضي.

وبعد هذه الحادثة الجسيمة ظل قويًا وصابرًا وأدى عمله ولم ينقطع يومًا عن هذا الدور الذي أداه بقلبه وعقله معًا.
أدى واجبه وهو كان أشد المشتاقين لرؤية أبنائه في وضعٍ هانئ، إذ قال في إحدى حواراته الصحفية: "دور الأب مفقود في مهنتنا، فعندما يحتاجك أولادك يفقدونك، وهذا شيء مؤلم جدا".
وفي 15 ديسمبر الماضي، أصيب مراسل الجزيرة وائل الدحدوح في غارة جوية على مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة.
وبثت الجزيرة شريط فيديو للدحدوح وهو يتلقى العلاج في المستشفى بسبب جروح في ذراعه اليمنى وبطنه بينما كان يصرخ من الألم، كما أاصيب معه المصور سامر أبو دقة.

وجاءت الطامة الأخيرة، باستشهاد حمزة نجل الصحفى الفلسطينى وائل الدحدوح فى قصف إسرائيلي استهدف صحفيين غرب خان يونس جنوبى قطاع غزة.

وفي آخر تدوينة لحمزة على منصة "إكس" كانت لوالده قال فيها: "إنك الصابر المحتسب يا أبي، فلا تيأس من الشفاء ولا تقنط من رحمة الله وكن على يقين أن الله سيجزيك خيرًا لما صبرت"، والتى نشرها مع صورة لوالده وائل الدحدوح مرتديًا سترة الصحفيين الواقية من الرصاص بينما يقف وسط الركام والأتربة المتصاعدة من مكان أصيب بالقصف الإسرائيلي.

يشار إلى أن الدحدوح قضى 7 سنوات بالسجون الإسرائيلية، وبعد خروجه منها استكمل دراسته الجامعية بالجامعة الإسلامية في غزة، وتخرج فيها عام 1998 بدرجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام.
ورشح مجلس أمناء جوائز الصحافة المصرية الصحفى الفلسطينى وائل الدحدوح للحصول على جائزة "حرية الصحافة"، التى تقدمها النقابة هذا العام كرمز لصمود الصحفيين الفلسطينيين، وصمودهم فى وجه العدوان الصهيونى الغاشم، وآلة حربه الوحشية.
يأتى الترشيح تكريمًا لشهداء الصحافة الفلسطينية، الذين دفعوا حياتهم ثمنًا لنقل الحقيقة، وفضح جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطينى، الذين فضحوا بصمودهم الرواية الصهيونية الزائفة، وأكاذيب الإعلام الغربى، وانتصروا للحقيقة.
وكذلك تقديرًا لتضحية الدحدوح الشخصية، ودوره المهنى، بعد أن ضرب مثلًا فى التضحية من أجل نقل الحقيقة، وبعد أن دفع ثمن إخلاصه لمهنته، ومهنيته باستهداف زوجته، واثنين من أبنائه، وحفيده ارتقوا شهداء، لكنه أصر على أداء دوره المهنى، ومواصلة عمله الصحفى بعدها، وهو ما كرره ليؤسس عنوانًا جديدًا للصمود الفلسطينى باستهدافه بشكل مباشر هو وزميله الشهيد سامر أبو دقة، ليعود مرة أخرى كالعنقاء مواصلًا نقله للحقيقة والانتصار للقضية الفلسطينية بعد ساعات قليلة من إصابته.