مساحة إعلانية
يسجن نفسه في داره ليقرأ ويكتب
الدنيا لم تكن في صفاء و العقل لم يحكم التاريخ كان "ديورانت" مؤلف كتاب (قصة الحضارة) في السابعة والعشرين من عمره عندما قرر أن يحقق حلمه الكبير في تأليف هذا الكتاب وشرع في القراءة والاستعداد لإصدار هذه الموسوعة الضخمة. وكان قبل ذلك بعام واحد قد أصدر أجمل وأروع كتبه "قصة الفلسفة" وقد باع من هذا الكتاب أكثر من ستة ملايين نسخة في أمريكا وحدها وكان هذا الكتاب هو المظلة الواقية الذهبية التي عاش بها وتحتها سنوات طويلة..
وفي ظل هذا الكتاب الذي باع كل صفحة منه بألوف الدولارات, عكف المؤرخ الأمريكي الفرنسي الكندي المولد "ول ديورانت" على تحقيق الحلم الكبير "قصة الحضارة".
لقد صدر 1961 الجزء الأول من المجلد السابع لهذا السجل الضخم. وكان عنوانه: بدأ عصر العقل
والجزء الثاني سنة 1963 بعنوان "عصر لويس الرابع عشر"
والجزء الثالث صدر سنة 1965 بعنوان "عصر فولتير"
ويعتقد المؤرخ "ول ديورانت" أنه بهذا الجزء يكون قد حقق حلمه الكبير, فيكون قد بلغ الثمانين من عمره. وهي السن التي لا يقوي بعدها على أن يدفع "قصته" إلى ما بعد عصر نابليون.
وقد ترجمت معظم مؤلفاته إلى العربية فترجم الدكتور فؤاد الأهواني "مباهج الفلسفة" في مجلدين. وترجم محمد بدران معظم أجزاء "قصة الحضارة".
وقد تفرغ المؤرخ "ديورانت" تماماً للبحث العلمي فلزم البيت في حالة "سجن إرادي".. فهو يصحو في السادسة ويقرأ ويكتب في السابعة حتى الظهر ويتناول غداءه ويستريح ساعة ويعود إلى العمل حتى العاشرة مساء.. سبعة أيام في الأسبوع..
وهو يقرأ لكل مجلد صدر أكثر من 500 كتاب ويسجل مذكراته وملاحظاته في ألوف الصفحات ويختصرها إلى بعض مئات, ثم يعيد كتابتها ثلاث مرات قبل نشرها. وهو نباتي لا يأكل كل ما هو حي, ولذلك فصحته سليمة ومزاجه معتدل, على حد قوله.
وإذا كان فيكتور هوجو شاعر فرنسا له شعار هو: اكتب سطراً كل يوم.. فشعار "ديورانت" هو: ألف كلمة أنيقة على ورق أبيض لامع وبقلم جاف, كل يوم!
أما النتيجة التي انتهى إليها "ديورانت" من قراءته لألوف الكتب, واستعراضه لكل أحداث التاريخ فهي : إن الدنيا لم تكن في صفاء, وإن العقل لم يحكم التاريخ وإنما التاريخ يتدفق في قوالب نظرية, ثم يعود فيهدمها ويسخر من أفكارنا وعقائدنا.. ولا أمل في تغييره ولا حكمة في أن نفعل ذلك!