مساحة إعلانية
بعد أكثر من 5 قرون ، من محوها قسراً و عدوانا من خريطة الوجود المادى ، ما تزال الأندلس وأبناؤها قادرين على أسر العقول و تحريك الوجدان ، بقصصهم وأشعارهم ، بما جادت به علينا الأيام - مما نجا من الزوال - من رونق حضارتهم وعمرانهم..
ومن أعلام الأندلس
وهذارالشاعر هو يحيى بن الحكم البكرى ( نسبةً إلى قبيلة بكر بن وائل العربية الشهيرة ، والتى كانت تتمركز بالأساس فى شمال شرقى شبه الجزيرة العربية ، وشارك أبناؤها بقوة فى جيوش الفتوحات الاسلامية )
وكان يعرف أيضا بـ "يحيى بن الحكم الجيّانى " نسبةً إلى مدينة جِـيّان جنوبى الأندلس . . وقد حمل لقب "الغزال" لوسامته وظرافته ، وقالوا عنه إنه كان حتى فى اكتهاله وسيما ، كما كان فى صباه جميلا
هو شاعر الأندلس الذى أبهر الكثيرين ، و الذى لم يكن شاعرا ودبلوماسيا أندلسيا بارعا فحسْب ، إنما كان سجلًّا بشريا ، رافق دولة الإسلام فى الأندلس فى رحلتها منذ عصر مؤسسها عبد الرحمن الداخل (المتوفى عام 172هـ) إلى عصر حفيد حفيده محمد بن عبد الرحمن الأوسط(المتوفى عام 273هـ)
فقد وُلد "الغزال / يحيى بن الحكم " عام 156هـ على أرجح الروايات التاريخية ، وعاش ما يقارب 94 عاما حتى وفاته عام 250هـ
وقد نُفى يحيى " الغزال " من الأندلس لفترة ، ذهب فيها فى رحلة إلى بغداد ، وكان سبب ذلك ، هجاءه اللاذع ، و غيرته الشديدة من الفنان الشهير علىّ بن نافع المعروف باسم زرياب -والذى استقدمه عبد الرحمن الأوسط من البلاط العباسى إلى الأندلس -
وهناك فى العراق لم يكفّ يحيى الغزال عن عادته فى لفت الأنظار والإبهار ، فقد تصادف أن مرّ بأحد مجالس الشعر فى بغداد ، فوجدهم يستهزئون بالأندلس وشعرائها ، ويفخرون فى المقابل بشاعر العراق (ذائع الصيت " أبى نواس" ) ، فأراد الغزال إفحامهم ، وإفهامهم أن شعر الأندلس لا يقل جودة عن شعر الشرق ..
فاندسّ بين المترحّمين على (الحسن بن هانئ "أبى نواس" ) بعد موته ، وقال لهم : ما أروع ما جادت به قريحة أبى نواس فى قصيدته التى يقول فيها ( فلما أتيت الحان ناديت ربّه … فثاب خفيف الروح نحو ندائى) فأشاد المستمعون بجمال الأبيات ( فقد كان أبو نواس أمير القول فى هذا مضمار " مضمار الخمريات ") ، ففاجأهم " الغزال " بأن الأبيات التى تباروا فى امتداحها ، هى من أبياته هو ، وليست لأبى نواس ، وعرّفهم بنفسه ، فذُهلوا وأقروا بموهبته ..!
ومن ثم فضُل الأندلس بأسرها على الأدب ، لذا فهو شاعر الزمكان ، شاعر ذلك الأوان ، وذلك المكان ، وقد ثبت له من قوله ما يشهد بإبداعه، وحسن تصرفه فى المعانى وابتداعها ، إلا أن كتب التاريخ لم تنقل لنا كثيرا عن حياته المبكرة ، وعن كيف ارتقى سلّم الصعود السياسى والاجتماعى فى " قرطبة " حاضرة الأندلس والغرب آنذاك ، لكنهم نقلوا - لنا - براعته فى نظم الشعر الرائق ، سلس المعانى ، سهل الألفاظ ، والمفعم بالصور والتشبيهات والأوصاف المركّبة ، لا سيّما شعر الغزل ، الذى اتصف فيه بجرأة التعبير ، فهوالقائل ( أبَعد خمسين تقضّيتها … وافيةً تصبو إلى الربربِ)
وقد أبدع فى شعر المديح ، وأثبت أهل الشعر له السبق عن أضرابه من فطاحل الشعر فى المشرق الإسلامى ، كما أن له أبياتا رائعة فى شعر الحكمة ، حيث توهج نجم يحيى الغزال فى الكثير من المعانى والصور الشعرية ، فى عهد أمير الأندلس عبد الرحمن الأوسط ، والذى كان عصره من أبرز عصور النعيم المادى والبذخ فى تاريخ الأندلس ..!
