مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الكبيرعبد الستار سليم يكتب: الشاعر الأندلسي يحيي بن الحكم الذي هجا زرياب

2025-05-24 03:55 AM - 
الشاعر الكبيرعبد الستار سليم يكتب: الشاعر الأندلسي يحيي بن الحكم الذي هجا زرياب
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

بعد أكثر من 5 قرون ، من محوها  قسراً و عدوانا من خريطة الوجود المادى ، ما تزال الأندلس وأبناؤها   قادرين على أسر العقول  و تحريك الوجدان ، بقصصهم  وأشعارهم ، بما جادت  به علينا الأيام  - مما نجا  من الزوال  - من رونق حضارتهم وعمرانهم..
  ومن أعلام الأندلس  
وهذارالشاعر  هو  يحيى بن الحكم  البكرى ( نسبةً إلى قبيلة بكر بن وائل  العربية الشهيرة ، والتى كانت تتمركز بالأساس فى  شمال شرقى شبه الجزيرة العربية ، وشارك أبناؤها  بقوة فى جيوش الفتوحات الاسلامية )
وكان يعرف أيضا بـ "يحيى بن الحكم الجيّانى " نسبةً إلى  مدينة جِـيّان جنوبى الأندلس  . . وقد حمل لقب "الغزال"  لوسامته وظرافته ، وقالوا عنه إنه كان حتى فى اكتهاله  وسيما ، كما كان فى صباه جميلا 
  هو شاعر الأندلس  الذى أبهر الكثيرين ، و الذى لم يكن شاعرا ودبلوماسيا أندلسيا بارعا  فحسْب ،  إنما   كان  سجلًّا بشريا ، رافق دولة الإسلام فى الأندلس  فى رحلتها منذ عصر مؤسسها  عبد الرحمن الداخل (المتوفى عام 172هـ) إلى عصر حفيد حفيده  محمد بن عبد الرحمن الأوسط(المتوفى عام 273هـ)
فقد وُلد "الغزال  / يحيى بن الحكم " عام 156هـ  على أرجح الروايات  التاريخية ، وعاش ما يقارب 94 عاما  حتى وفاته عام  250هـ
وقد نُفى  يحيى " الغزال " من الأندلس لفترة ، ذهب فيها فى رحلة إلى  بغداد ، وكان سبب ذلك ،  هجاءه  اللاذع  ، و غيرته  الشديدة  من الفنان الشهير  علىّ بن نافع المعروف باسم زرياب -والذى استقدمه عبد الرحمن الأوسط من البلاط العباسى  إلى الأندلس  - 
وهناك فى العراق  لم يكفّ يحيى الغزال  عن عادته فى لفت الأنظار والإبهار ، فقد تصادف أن مرّ  بأحد مجالس  الشعر فى بغداد ، فوجدهم يستهزئون  بالأندلس وشعرائها ، ويفخرون فى المقابل بشاعر العراق (ذائع الصيت " أبى نواس" ) ، فأراد الغزال إفحامهم ، وإفهامهم أن شعر الأندلس لا يقل جودة  عن شعر الشرق ..
 فاندسّ  بين المترحّمين على (الحسن بن هانئ  "أبى نواس"  ) بعد موته ، وقال لهم : ما أروع  ما جادت  به قريحة أبى  نواس  فى قصيدته  التى  يقول فيها ( فلما أتيت الحان  ناديت ربّه … فثاب خفيف الروح نحو ندائى) فأشاد المستمعون بجمال الأبيات ( فقد كان أبو نواس أمير القول فى هذا مضمار  " مضمار الخمريات ") ، ففاجأهم " الغزال " بأن الأبيات التى تباروا   فى امتداحها ، هى من أبياته هو ، وليست لأبى نواس ، وعرّفهم بنفسه ، فذُهلوا وأقروا بموهبته ..! 
ومن ثم فضُل  الأندلس بأسرها  على الأدب ، لذا فهو شاعر الزمكان ، شاعر ذلك  الأوان ، وذلك المكان ، وقد ثبت له من قوله  ما يشهد  بإبداعه، وحسن تصرفه فى المعانى  وابتداعها ، إلا أن كتب التاريخ لم تنقل لنا كثيرا  عن حياته المبكرة ، وعن كيف ارتقى سلّم الصعود السياسى  والاجتماعى فى " قرطبة " حاضرة الأندلس والغرب آنذاك ، لكنهم نقلوا - لنا - براعته فى نظم الشعر الرائق ، سلس المعانى ، سهل الألفاظ ، والمفعم بالصور  والتشبيهات والأوصاف المركّبة ،  لا سيّما شعر الغزل ، الذى اتصف فيه  بجرأة التعبير ، فهوالقائل ( أبَعد خمسين تقضّيتها … وافيةً تصبو إلى الربربِ) 
وقد أبدع فى شعر المديح ، وأثبت أهل الشعر له السبق  عن أضرابه من فطاحل  الشعر فى المشرق  الإسلامى ، كما أن له أبياتا  رائعة فى شعر الحكمة ، حيث توهج  نجم يحيى الغزال فى  الكثير من  المعانى والصور الشعرية ، فى عهد أمير الأندلس  عبد الرحمن الأوسط ، والذى كان عصره  من أبرز  عصور النعيم  المادى والبذخ  فى تاريخ الأندلس  ..! 

مساحة إعلانية