مساحة إعلانية
كان جدي رجلاً حكيماً، يعيش معنا هو وجدتي في أسرتنا المتواضعة، كنت أحب جدي كثيراً وكنت أحكي له عن دراستي وعن أحلامي التي لطالما وضعت لنفسي عوائق وأفكار تمنعني من الوصول إليها، وكنت أظن أنها أقوي مني ، وكان هو يحب الجلوس معي خاصة في إجازاتي، وكانت أيامنا لا تخلو من قصصه الجميلة وحكاياته التي يحكيها لي، وفي يوم جلست معه كعادتنا علي الشرفة ليسرد لي الحكايات والقصص التي لايمل منها الزمان، وكان مواجها لشرفتنا منزل قديم مهجور ذو نافذتين سوداوين، فسألت جدي : ماهذا المنزل الغريب ؟! فقال لي يوما ما ستعرف، ولم يحكي لي عنه، ومن ذلك الوقت وأنا خائف من هذا المنزل وكل ما ألمحه وسط سماء الليل أشعر وكأن هذا المنزل يحمل في جوفه أسرارا مخيفة، وذات أمسية كنت ألعب مع أصدقائي بكرتي المفضلة، فجاء جدي ليلعب معنا وثم مسك الكرة وألقي بها في المنزل المخيف ذاته الذي في كل مرة تراودني الشكوك تجاهه، لا أعرف للحظة شعرت أن جدي تعمد رمي الكرة داخل المنزل ، ولكن حين سألته لم يجيبني أيضا، من تلك اللحظة كنت أسأل نفسي، لماذا فعل جدي هذا؟! وماذا أفعل الآن؟! هل أدخل إلي هذا المنزل ؟! هل أذهب وأجلب هدية والدتي المتوفية؟! أمي لقد منحتني أجمل هدية والآن هي تائهة بين ظلام هذا المنزل الملعون، لابد أنه ألتهمها بين أسنانه المتوحشة، لا أستطيع أن أجلبها، سامحيني يا أمي أنا ضعيف، وفي يوم حزين عليْ توفي جدي وتركني بين هذه الحيرة ، وأخذت أيام حزين عليه لقد كان هو المقرب لي بعد أمي والآن فقدتهما هما الاثنان، وبعدها بأيام دخلت غرفته لأري إذا كان يحمل سر هذا المنزل ، لأنني كلما سألته كنت أشعر أنه يخبأ شيء عني، ولكني وجدت ورقه بخط يديه يقول لي فيها من أجلي وأجل والدتك أدخل هذا المنزل وأمحو ظلامه المتركز في عقلك، ، تراني مثل الأبله أشعر أنني أضخم الأمور، وواحد غيري لو كرته ضاعت بين منزل مجهول لتركها وذهب لشراء واحده غيرها علي الفور، لكني كنت أري فيه خوفي الذي لم يهزم بعد، لذلك دخلته نعم تشجعت ودخلته، دخلته وكنت أرجف مثل الذي يتعذب، كان المنزل غريبا وكبيرا، وكنت أتمني أن أتراجع، ولكني لم أفعل، والمفاجأة دخلت إلي غرفة مظلمة، وفتحت أنوارها كانت الغرفة جميلة مزينة فيها رسائل من والدتي وجدي وكل ما دخلت إلي غرفة وجدتها أجمل من التي قبلها، حتي دخلت إلي أجمل غرفة وأضأت أنوارها ووجدت فيها نوري، كرتي، ثقتي، راحتي ، وأهم ما وجدته فيها هو رسالة من جدي، يقول لي فيها: ، الآن قد وصلت وحتي إن كان متأخراً المهم أنك وصلت، والآن دعني أن أخبرك أن نفسك مثل هذه الكرة التي حررتها من هذه الظلمة للتو، فمثل ما أحاط بهذه الكرة الظلام كذلك نفسك أحاط بها الظلام، الأفكار، المخاوف والتوتر، ولن تتحرر نفسك من هذا الظلام إلا عندما تواجه مخاوفك وتوترك وأفكارك وتذهب لتخرجها منهم، وأريد أن أسألك سؤالاً كيف وجدت المنزل عندما محوت من مخيلتك ظلامه وحررت كرتك؟! أتمني أن تكون فهمتني يابني، حرر نفسك من قيودها التي تظنها أقوي منك و الحقيقة أنك أنت أقوي منها، وتذكر دائما أن المخاوف ليست كما تبدو لنا . وأخيراً الظلام ليس النهاية .