مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الملاحة قصة احمد البدرى

2024-03-05 20:06:58 - 
الملاحة قصة احمد البدرى
أحمد البدري
منبر

أرض الملاحة لا تطرح إلا أشباحا، ولا يسكنها إلا المارقون لذ ا لا نسكنها، حتي أشجار الدوم التي تحتوتيها غير مثمرة، احتلها البوم ونعيقه  يتسيدها، فالخفافيش تتصارع ليلا على أطرافها وتخمل نهارا، والناجي منها  يغزو دروبنا الأمنة، تلك الدروب الضيقة منخفضة الأسقف فيصطدم بجدرانها السميكة وتلك الأسقف فيرتد قتيلا، وقد لطخت دماؤه حوائطنا...((هكذا يتلو الجد على مسامعنا وعينيه تتوجه صوب الملاحة) التي تطاولت مبانيها وسكانها يحملون سحن مختلفة عن شكلنا، فرجالها فارعو الطول ونساؤها عاريات الأجساد طليقات الشعر، يغوون صغارنا بعطاياهم وحفلاتهم الماجنة حتي أطلقنا عليها (نجع الغوازي)) - وهو يرتشف شاي العصاري ويدخن سيجارته اللف، كانت الرشفات وسحب الدخان مثقلة بالحسرة والندم وذكريات أليمة، ونحن نصوب إليه سهام الإتهام بالتخاذل وقلة الحيلة، وهو لا يعير نظراتنا اهتماما، ولا يشعرنا بأدنى مسؤولية لفعلته ، لكنه ينظر أسفل قدميه يخدش الأرض ممزقا أديمها ولا يخشى أنينها،  عصاه  المقوسة   تطعن باطن الأرض مخرجة أحشائها، كانت تلك الخطوط والخربشات  المتعرجة متشابكة دوما ولا تنبئ عن شيء نفهمه، لكنه يظل ينظر إلى الخدوش والحفر متشفيا في النتوءات الخارجة منها، ربما يحدثها بلغة نجهلها، كنا نتهامس وقد تملكت من بعضنا الدهشة ومن البعض الأخر اللا مبالاة لما يقوم به ويكرره كل يوم، ذرات التراب المذبوحة بحواف عصاه تعلن عصيانها ومقاومتها متشبثة ..حتى يقتطعها؛ فتهاجمنا بعشوائيتها وحجم جراحها متخذة إلي صدورنا سبيلا، فتسكنها عقابا لصمتنا وعجزنا أمام ما يفعله الجد، تبدأ صدرونا رحلات الصعود والهبوط في محاولات بائسة لطرد  الذرات الغازية ومنع جيوشها المتتالية؛ فيعلو صوت السعال وتنتقل عدواه للجميع يزداد سعالنا.. تزداد حشرجات الصدور أثر تلك الحرب الدائرة، وقد التصقت الأتربة بنسيج صدورنا الواهنة تطاردها إلى الخارج، تتسابق الأيادي تمسح الوجوه تزيح بقايا الأتربة النائم في العيون وتمسح سيول الدموع محاولة تحسين الرؤيا، وكلما ارتفعت الأيادي أو علا السعال ينظر إلينا الجد ساخرا لاعنا أمهاتنا ويسب أباءنا متهمنا بأننا ذكور دوم.. تعلو قهقهاتنا حتى ترتج أجسادنا معلنة عن رفضنا لما يقول، نتسرب من حوله نتركه وحيدا يبقر الأرض ..يزداد حنقه ..تزداد عصاه في تجريفها..تتناثر ذرات التراب حوله..تطمس ملامحه ..يسعل حتى يختفي صوته.

مساحة إعلانية