مساحة إعلانية
ياسر القاضي
في القطار المتجه إلي الاقصر وفي تمام الساعة الثالثة عصرا، وفي العربة رقم ١ تخرج زفرة توجع وألم من أحد ركاب القطار ، هبة ماطرة بكل خير من جميع المتواجدين بالعربة ، أدوية تقدم تنوء بحملها حقائب المسافرين - عل المريض يجد فيها شفاء لمرضه - طبيبة في مقتبل عمرها تهرول مسرعة في اتجاه المريض، ورئيس قطار يفتح هاتفه ، ليطرق باب الإسعاف ، شاب يحمل بطاقة مدون بها - مهندس ميكانيكي – من الإسكندرية يعمل بإحدي محافظات الصعيد ، إشارة مرسلة إلي الإسعاف ، لتنتظر في محافظة المنيا، إلتف الجمع وكأن الأمر خاصة كل واحد منهم ، دموع الأمومة المطلقة تنساب من أعين السيدات اللواتي يشاهدن الموقف ، شباب يزاحم ليقدم كل منهم ما يستطيع من خدمات ، سكنت العربة وكأنها في غرفة العمليات ، يتصبب الشاب عرقا ، تلتحم الأيادي بعضها بعضا لتجفيف ذلك العرق، سؤال طاهر يخرج من قلوب رحيمة تولد من رحم المواقف الصعبة ، ماذا نصنع ؟ شرطي القطار يهرول يقف علي رأس الأمر يخرج ورقة وقلما ليسجل بيانات المريض ، ارتعاشة تبدو علي جسد المريض، تتطاير الأغطية من كل صوب بكراسي القطار لترسل الدفء للجسد المتصبب عرقا، شيخ عجوز لا يدري ماذا يصنع ! هرول إلي حمام العربة -توضأ - سكن في كرسييه أخرج مصحفا بدأ يقرأ في صوت مرتعد آيات من الذكر الحكيم ، قطار يمشي الهوينة ، وأنفاس أناس تستعر علها تدفع بعجلة القطار ، اقترب القطار من محطة الوصول ، التف الجمع ليقف علي رأس الشاب المريض ، همسات تتمتم بأدعية الشفاء ، نزل الجمع ليودع الشاب بعدما أسكنوه عربة الإسعاف ، وكل منهم عرض قدر مساهمته إن كان المريض في احتياج للمال ، ابتسم المريض برغم مرضه ابتسامة شكر ، وبقدر صدمة الموقف التي أخذتنا ، بقدر ما سعدت أنفسنا علي ملحمة المحبة التي فرضت نفسها ، نعم إنهم أبناء مصر الطيبين ،الخير في قلوبهم حتي وإن بدت علي وجوههم ملامح الوصب ، وإنها لفرصة أطرح من خلالها مقترحا علي وزارة النقل والمواصلات بالتعاون مع وزارة الصحة ، بتوفير حقيبة من الإسعافات الأولية في كل رحلة قطار، ويا حبذا لو تواجد طبيب ليقوم بعمل الاسعافات في الحالات الطارئة ، وذلك استكمالا لمنظومة التطوير بخدمات السكة الحديد ، ومن هذا المنطلق أيضا أقول: للذين يريدون هدم أواصر الخير بين أبناء الوطن بزرع فتيل الشر فيما بينهم ، اقول لهم : لن تجدوا إلا أبناء بررة يزرعون سنابل الخير ويحملون بين أيديهم غصون السلام من أجل رفعة هذا الوطن ، حقا : لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا ، ولادك بخير يا مصر.
hyasser10@yahoo.com