مساحة إعلانية
تسنيم الأمير/ طهطا (10 سنوات )
استيقظت من النوم فإذا بي وحيده بالغرفة ويبدو أن الصباح قد جاء وتأخر الوقت ولم تيقظني امي لكي اذهب الى المدرسة كالعادة.. ولكن ما هذا الهدوء وكأنه لا يوجد أحد بالمنزل ؟! نهضت وفتحت النافذة فإذا بالشمس قد اشرقت وسطعت في ارجاء بلدتنا، ولكن لماذا لا يوجد أحد في الطريق؟ ولا يوجد حتى هناك أي نافذه مفتوحه في كل المنازل المحيطة، والهدوء والسكينة بكل مكان، لا أرى -حتى -طيورا تحلق، ولا توجد حيوانات أليفه بالشارع الذي دائماً أرى به العديد من القطط والكلاب، حتى الشجرة التي أمام المنزل التي استيقظ على صوت العصافير التي تملأها لا يوجد اي عصافير بها، كما أن أوراق الشجر جميعها ساكنه لا تتحرك رغم أن الطقس بارد جداً واشعر بالرياح التي تحرك خصلات شعري وتُطيّره ، إذا ماذا يحدث؟ يبدو كل شيء ساكناً حولي لا يتحرك شيء سواي أنا فقط .. بدأت أشعر بالخوف والتوتر وصرخت انادي على أمي بصوت عالي لكن صوتي لا يُسمع حتى أنا لا اسمعه، اصرخ بشده ولا أجد صوت يخرج من فمي، لا ادري أفقدت صوتي أم طرمت أذناي ؟.. هرولت إلى الباب بسرعه وفتحته واتجهت نحو غرفة امي واخذت اطرق باب غرفتها بقوة ، لكن لا صوت مطلقاً لدقات يَدي ، فتحت الباب فإذا بسرير امي مرتب وكأنها لم تنم الليلة بغرفتها ولا وجود لها بالغرفة أو بأي مكان داخل المنزل، ازداد ذهولي وكبر خوفي وبدأت دموعي تتساقط وأخذت اصرخ وانادي أمـي أمـي ولا صوت.. ولا وجود لشيء يوحي بالحياة مطلقاً.. أسرعت إلى خارج المنزل ، ابحث عن جيراننا بالشارع ولكن لا يوجد احد، اخذت اطرق الابواب وكما هو الحال لا صوت ولا احد يجيب ، قمت بفتح الكثير من ابواب المنازل فإذا بجميع المنازل مهدمه من الداخل ومهجورة ولا يوجد حياة بها .. قررت أن أذهب إلى بيت جدتي فهو على أول البلدة بالقرب من المسجد، وبالفعل ذهبت ولم ادر حتى كيف قطعت تلك المسافة سريعاً هكذا وكأن الرياح حملتني.. ولماذا منزل الجدة مفتوح، دخلت مسرعة فإذا بجدتي تجلس على الأريكة أمام الباب، اتجهت نحوها مباشرةً وأنا أصرخ جدتي الحمد لله انكِ هنا ، فإذا بها تجيب بصوت هادئ حنون، لا تخافي يا حبيبتي انا هنا من اجلك، فقد تركت الباب مفتوح لأني انتظر قدومك فلا تخافي وهدئي من روعك. سألتها في دهشة انتِ تسمعينني يا جدتي، ابتسمت جدتي وضمتني إليها وقالت نعم يا حبيبتي اسمعك جيداً ، وانتظرك منذ الصباح الباكر فليطمئن قلبك ، فجدتك بجوارك تحرسك .. سألتها وأنا التقط انفاسي بصعوبة عن ما يحدث وإين أمي؟ وأين اهل البلدة؟ كيف غادروا؟ ولماذا نحن الاثنين فقط في كل البلدة ؟ قالت جدتي : لم يغادروا يا حبيبتي بل نحن الاثنين اللتان غادرنا وتركناهم فاستعدي لأننا ذاهبتان إلى مكان جميل، وحياة أخرى كلها سعادة وفرح.. هناك عند والدك فهو ينتظرونا بالورود والزهور الجميلة في قصره الذي حصل عليه منذ بضعة أيام.. سنذهب أنا وأنت، وربما تلحق بنا امك قريباً فلا تخافي، وكوني سعيدة وفخورة بكونك ستلتقين والدك .. تساءلت مجددا في حيره .. كيف ذلك يا جدتي؟ إن ابي قد استشهد بنيران عدونا وهو يدافع عن هويتنا وعن وطننا وعن مقدساتنا .. ابي طالته نيران العدو الغادرة وهو يهتف نحن فداك يا اقصى، أمام القدس .. أنسيتي يا جدتي؟ قالت جدتي : لا لم انس يا حبيبتي هو بالفعل يا بنيتي قد استشهد ولكنه لم يمت .. هو حي يرزق في جنات النعيم عند رب العالمين.. ونحن الآن سنلحق به شهداء.. وفجأة استيقظت من نومي وانا اصرخ جدتي وكانت هذه آخر كلمه انطقها قبل أن يُنسف البيت بأحد قذائف العدو في غزة ، كما قصف العدو العديد من المنازل الأخرى والتي منها منزل جدتي ولم يتبقى من عائلتنا سوى أمي وحيده بعد أن فقدت أبي منذ أيام والآن افارقها أنا ابنتها الوحيدة لتفقدني أنا وجدتي أيضاً .. وها أنا أرى جدتي تأخذ بيدي وابي أمامي يلوح لي بذراعيه والنور يخرج من وجهه ويبدوا عليه السعادة ويقف محاطاً بالزهور الجميلة كما قالت جدتي وارى القصور خلفه تُضيء انواراً لم أرها من قبل، ولم أر مثل هذا الجمال في حياتي، ولم أسمع بتلك الحياة التي أراها .. يبدو أنها حياة حقيقية وليست مزيفه .. حياة لم يخطر على قلبي يوماً اني سأعيشها .. آه لو علمت امي ما أرى من جمال وبهجه للحقت بنا على الفور ، وربما تلحق بنا قريباً كما قالت جدتي لنجتمع هنا معاً ونعيش في سعادة ابديه بعيداً عن وحشة الدنيا وظلم العباد ..