مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

د. أيمن الداكر يكتب: هوامش على دفتر المحروسة - المدينة العامرة

2023-11-20 01:26 PM - 
د. أيمن الداكر يكتب: هوامش على دفتر المحروسة - المدينة العامرة
د.ايمن الداكر
منبر

يقول العبرانيون (ايريس مصرايم) أي أرض مصر، ويقولون (يؤوري مصر) أي نيل مصر، وقد ورد اسم مصر في التوراة والأنجيل باشتقاقته المختلفة (مصر، مصري، مصرايم،...) في أكثر من 698 موضع، 27 مرة في العهد الجديد و 670 مرة في العهد القديم، وتنسب النصوص القديمة اسم مصر إلى (مصرايم) بن بيصر بن حام ابن سيدنا نوح عليه السلام، وقد ذكر أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) قائلا: (وقال قوم‏: سميت بمصرايم بن مركائيل بن دوابيل بن غرياب بن آدم وهذا هو مصر الأول وقيل‏: بل سميت بمصر الثاني وهو مصرايم بن نقراوش الجبار بن مصرايم الأول المقدم ذكره وقيل‏: سميت بعد الطوفان بمصر الثالث وهو مصر بن بيصر بن حام بن نوح وهو اسم أعجمي لا ينصرف)، وأرجح الأقوال أنها تُنسب إلى مصرايم بن بيصر بن حام، فهو أول من سكن مصر بعد الطوفان، وهبها له أبوه بيصر عن جده نوح الذي قسّم الأرض بين أبنائه، وذكر أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم في كتابه (فتوح مصر وأخبارها) عن عبد الله بن عباس أن نوحًا دعى لولد ولده (مصر بن بيصر بن حام) فقال: (اللهمّ إنه قد أجاب دعوتي، فبارك فيه وفى ذرّيّته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أمّ البلاد، وغوث العباد، التي نهرُها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخّر له ولولده الأرض، وذلّلها لهم، وقوّهم عليها). واسم مصر قديم جدًا وليس مستحدث كما يظن البعض، وقد ذكر الدكتور عبد العزيز صالح –أستاذ تاريخ مصر والشرق القديم، وعميد كلية الأثار الأسبق بجامعة القاهرة- في كتابه (حضارة مصر القديمة وآثارها) أن اسم مصر قد ورد في رسالة أمير كنعاني وجهها إلى فرعون مصر في الربع الثاني من القرن الرابع عشر قبل الميلاد قائلًا (إنه قد يضطر إزاء تهديد جيرانه له إلى إرسال أهله إلى (ماتو مِصري) أي إلى أرض مصر، و(ماتو) كلمة إكدية الأصل بمعنى أرض، وفي رسائل أخرى من نفس العصر باسم (مشري)، وفي نص (رأس الشمرة) شمال سوريا، وفي النصوص الأشورية في القرون التاسع والثامن والسابع قبل الميلاد بأكثر من صورة (مصري، مصر)، وفي النصوص البابلية باسم (مصرو) في القرن السادس قبل الميلاد. بل ورد أيضًا في النصوص الفرعونية بلفظ (مجر أو مشر) بمعنى المكنونة والمحصنة ونطقت فيما بعد (مصر)، ويقول الدكتور وسيم السيسي (عالم المصريات) أن مصر كلمة فرعونية مشتقة من لفظ (ما سي رع) أي موضع أبناء الإله رع، أو بيت أبناء إله الشمس.


وفي المعاجم اللغوية نجد معنى كلمة (مصر) هو (الكُورَةُ الكبيرةُ التي تقام فيها الدُّورُ والأَسواقُ والمدارسُ وغيرها من المرافق العَامة وهي أيضا الحاجز بين الشيئين أو بين الأرضين وهي الوعاء)، والكٌورَةُ هي المكان الكبير الذي تجتمع فيه القري مثل المدينة الكبيرة وما يتبعها من قري، لذلك وصف العرب مدينتي البصرة والكوفة ب (المصران) ويقال عن الخليفة عمر بن الخطاب أنه هو من (مصّر الأمصار)، أي الذي مدّن المُدن وعمّرها، وظن البعض أن مصر سُمّيت –عند العرب- بذلك الاسم بمعنى البلدة الكبيرة، لكن ذلك القول ضعيف وساذج فقد فتح العرب بلاد كثيرة (اسموها الأمصار) لكن لم تسمى إحداها بمصر غير مصرنا الحبيبة، ولا حرج إذا قولنا أن المعنى العربي لكلمة مصر مأخوذ من هذه البلدة العظيمة المسماة (مصر)، فأصبحت كل مدينة كبيرة وكأنها (مصر)، وقد ذكرها رب العزة في القرآن الكريم في خمس مواضع صريحة، وأشار إليها في أكثر من ستين موضعًا، وقد جاء وصفها في القرآن الكريم ليس بالمدينة العامرة فقط، بل بالمدائن الكبيرة ذات الحضارة العظيمة. 
الأسبوع القادم نلتقي مع هامش جديد من هوامش دفتر المحروسة.

مساحة إعلانية