مساحة إعلانية
كلمات مضيئة في مقدّمة كتاب يفخر صاحبه بأنه من أبناء (كيمة أو كيميت)، وآخر يصف نفسه في عزة وشموخ بأنه (من ثمرات كيمة)، وكذلك صاحب السُلطة يقدم دليل صلاح أعماله بقوله: "عَملتُ على أن تُصبح كيمة بأهلها فوق رأس كل أرض." فقد كانت (كيمة) حضارة عظيمة ومدائن عامرة يعتز ويفتخر بها كل من ينتمي إليها، و(كيمة أو كيميت) هو اسم مصر عهد الدولة القديمة، ويعني الأرض السمراء والخمرية وذلك نسبة إلى أرضها السوداء وغرينها الخصب، وكانوا يلقّبون الإله (أوزير) بأنه (كيمي) بمعنى أسمر، ورغم تعدد أسماء الدولة المصرية القديمة إلا أن اسم (كيميت) هو الأقرب لقلب المصريين القدماء، واستمر استخدامه طوال العصور القديمة جميعها. وكانت بعض الأسماء ترمز إلى جزء من أرض مصر أو أحد أقاليمها فكانت (كيميت) ترمز إلى الأرض الخصبة على ضفتي النيل حيث قامت أعظم حضارة في عصرها، وذلك تميزا لها عن أرض الصحراء المترامية حولها، ويطلق عليها اسم (دِشرت) بمعنى الأرض الحمراء أو الصحراء، (لاحظ التشابه مع اللفظ الانجليزي (ديزيرت) بمعنى الصحراء). واسم (تاوي) بمعنى الأرضين وهو كناية عن مملكتي الشمال والجنوب أو الوجهين القبلي والبحري حاليا. واسم (إيدبوي) بمعنى الضفتين وهو كناية عن ضفتي النيل الشرقية والغربية، واسم (تامري) بمعنى الأرض المفلوحة والمحبوبة، أو أرض الغرين تعبيرًا عن أراضي مصر الخصبة الغنية بالطمي، واسم (تامحو) أي أرض الشمال وهي أرض الدلتا والوجه البحري حاليا، واسم (تاشمعو) أي أرض الجنوب وهي الصعيد والوجه القبلي حاليا. وأسماء أخرى عديدة ارتبطت بالمعابد والآلهة مثل (إدبوي حر) بمعني ضفتي الإله حورس، (إرت رع) أي عين الإله رع أو المحصنة برعايته وحمايته الدائمة، (باكت) أي المضيئة نسبة إلى شمسها الساطعة، وغيرها من الأسماء العديدة التي تصف جانبًا مميزا من جوانب ذلك البلد العظيم وتلك الحضارة الخالدة. ومن الأسماء التي امتدت منذ العصر القديم حتى عهدنا الحالي اسم (هيكوبتاح)، وكانت تكتب (ها_اك_بتاح) بمعنى أرض الإله بتاح، أو الأرض المحصنة بروح الإله بتاح، وكما ذكرنا في مقال سابق أن (بتاح) هو كبير الآلهة في مصر القديمة، هو الصانع الأول الذي أوجد نفسه بنفسه قبل كل شيء، وهو الذي خلق الدنيا بكلمة منه (نادى على الدنيا إلى الوجود بعدما رأى الخليقة في قلبه أثناء منامه، فتكلمها فكانت)، فهو الخالق الأعظم ويتشابه ذلك مع فكرة الخالق في المسيحية والاسلام. عندما فتح الإسكندر المقدوني مصر سنة 332 ق.م، وجد اليونانيون صعوبة في نطق لفظ (هيكوبتاح) فقاموا بالاستغناء عن الحرف الأول (ه أو ح) والحرف الأخير (ح) فأصبحت (إيكوبت) وقلبوا الكاف جيم ونطقوها (إيجوبت)، وكما هو الحال في أسماء الأعلام عندهم أضافوا حرف السين فأصبحت (إيجوبتس)، وهذا الابدال والاحلال وارد في اللغة اليونانية، فهم يقولون لأنطونيو أنطونيوس، ومارك ماركوس، وكذلك نطقوا (خوفو) كيوبس وسنوسرت سيزوستريس، ونطقوا (أمنحتب) أمنوفيس، وقد ورد لفظ (ايجوبتس) بمعنى مصر في ملحمة الأوديسا للشاعر الإغريقي (هوميروس)، ومن ذلك النطق اليوناني جاءت اشتقاقات الاسم في اللغات الأوربية مثل ( ايجيبت، ايجبتيي، ايجيبتن....)، ومنها أيضاء جاء لقب (أيجوبتي) بمعني المصري أي أهل مصر، ونطقها العرب بعد الفتح الإسلامي لمصر (أيقوبطي) ثم خُففت إلى (قبطي)، فكان لفظ قبطي هو دلالة على سكّان مصر جميعًا، وقد ورد في رسالة الرسول الكريم إلى المقوقس حاكم مصر في حينها، والتي حملها حاطب بن أبي بلتعة، فقد جاء فيها: (من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط)
تعدّدت الأسماء وبقى الوطن واحد، له حدود طبيعة عصية على التغير والتبديل منذ قديم الأزل، بقيت مصر (المدينة العامرة، موضع أبناء الإله رع)، وبقيت ايجيبت (الأرض المُحصّنة بروح الإله بتاح)، وبقيت كيميت (الخصبة الخمرية السمراء).
بقيت بهية المحروسة، الزهراء بنت المعز القاهرة، بقيت أرض الكنانة أم الدنيا.
نلتقي الأسبوع القادم مع هامش جديد من هوامش المحروسة.
