مساحة إعلانية
في المقابر الفرعونية بالجيزة، وبالتحديد مقبرة النبيل آخت حتب، توجد على إحدى مصاطب المقبرة لوحة تحمل اسم (بسشيت)، وهو اسم امرأة مصرية عظيمة عاشت في زمن الأسرة الرابعة (2500 ق.م) معناه (المعطية)، هي أول امرأة في التاريخ تعمل كطبيبة نساء، وكان لقبها (السيدة عميدة أطباء النساء)، وقد سجل ذلك ابنها النبيل آخت حتب في لوحة خاصة بها على إحدى مصاطب مقبرته بالجيزة. ولا شك أن لقب (عميدة أطباء النساء) يحمل بين ثناياه دلائل تفوقها وتميزها في عملها، ويحمل أيضا إشارات ضمنية لوجود طبيبات أخريات في ذلك العهد المجيد. وفي تاريخ مصر الحديث نجد اسمين لامعين في تاريخ الطب المصري، الدكتورة هيلانة سيداروس (1904-1998) كأول طبيبة مصرية في العصر الحديث، والدكتورة توحيدة عبد الرحمن ( 1906-1974) كثاني طبيبة مصرية وأول طبيبة يتم تعينها في مستشفى حكومي. كانت هيلانة في بعثة لانجلترا لدراسة علم الرياضيات (1922)، لكنها وجدت مستوى الدراسة هناك ضعيف مقارنة بدراستها في القاهرة، فاصيبت بالاحباط وقررت أن تعود إلى مصر وسعت في ذلك، لكن الملحق الثقافي بالسفارة المصرية في لندن أقنعها بتحويل مسارها إلى دراسة الطب، وكانت هناك بعثة من جمعية (كتشنر) الخيرية تضم خمس طالبات مصريات لدراسة الطب في لندن، على أن تعدن بعد انتهاء الدراسة للعمل في مستشفى (كتشنر) في القاهرة. انتهت هيلانة من دراستها بتفوق وعادت إلى مصر سنة 1930 حاملة شهادة الطب والتوليد من الكلية الملكية البريطانية، وعملت في مستشفى كتشنر (شبرا العام) حتى انتهت الفترة الإلزامية (1935)، فقامت بافتتاح عيادتها الخاصة في حي باب اللوق –أول طبيبة مصرية تفتتح عيادة خاصة- وذلك بمساعدة رائد طب النساء والتوليد في مصر الدكتور نجيب محفوظ، وكانت تجرى عمليات التوليد والعمليات الجراحية في المستشفى القبطي، وهي أول طبيبة مصرية وعربية تحصل على درجة الدكتوراة في الطب.
كانت توحيدة عبد الرحمن ضمن بعثة (كتشنر) لدراسة الطب في لندن، وعادت إلى مصر سنة 1932 كثاني طبيبة مصرية، بعدما رفضت عرضًا بالجنسية البريطانية لتبقى هناك، أكملت تدريبها في مستشفى (كتشنر)، وأهداها والدها عيادة خاصة في شارع عدلي، لكنها رفضتها وتقدمت لوزارة المعارف ليتم تعينها في مستشفى (كتشنر – شبرا العام) كأول طبيبة مصرية يتم تعينها في مستشفى حكومي براتب 12 جنيه شهريًا. وأصبحت فيما بعد كبيرة طبيبات وزارة المعارف ومديرة الصحة المدرسية. لكن هناك عظيمة أخرى من عظيمات الطب في مصر قد سبقتهن جميعًا، بل سبقت كل نساء الدنيا، فلم يذكر التاريخ بين طيات صفحاته أن امرأة أخرى اشتغلت بالعلوم والكيمياء وكانت طبيبة تشخّص الأمراض وتحضّر لها الأدوية قبل (ميريت بتاح). ميريت بتاح -أي محبوبة الإله بتاح- هي الكيميائية والطبيبة المصرية التي عاشت في عصر الملك زوسر (الأسرة الثالثة 2700 ق.م)، وهي والدة أحد كبار الكهان في ذلك العصر، وجدت لها صورة في جبّانة ممفيس بالقرب من هرم سقارة، وقد تميزت وتفوقت في مجال الطب وعلوم الصيدلة والكيمياء حتى نالت لقب (رئيسة الأطباء) وهو يماثل لقب وزيرة الصحة حاليا، وتخليدًا لذكراها واعترافًا بتميزها وسبقها كأول امرأة عالمة في التاريخ تعمل بالعلوم والطب والكيمياء، أطلق الاتحاد الدولي للفلك أسمها (ميريت بتاح) على إحدى الفوهات الصدمية لكوكب الزهرة. ربما يكون وجود ملكات عظيمات منذ أكثر من خمسة آلاف سنة في مصر القديمة يرجع إلى ظرف سياسي أو عامل وراثي أجْرَى في عروقهن الدم الملكي، أو صفات جمالية ميزهن بها الخالق، لكن بالتأكيد وجود طبيبات وعالمات يعملن بالعلوم والكيماء ويتقلدن المناصب الرفيعة في ذلك الزمان الموغل في التاريخ، لهو أكبر دليل على عظم هذه الحضارة وتقدمها ورقيها، فعندما كانت نساء الدنيا سلعة تباع وتشتري ومتاع يتوارثه الابن عن أبيه، كانت نساء مصر طبيبات وقاضيات وملكات متوجات.

تعقيب.
• الاتحاد الدولي للفلك هو أحد أقسام المجلس الدولي للعلوم وهو المنظمة المسؤولة عن تسمية النجوم والكواكب والأجسام والظواهر الفضائية وتأسس عام 1919م.
• هناك سيدة أخري تدعي ميريت بتاح كانت زوجة رعمسيس رئيس مدينة طيبة القديم ووزير اخناتون غير ميريت بتاح الطبيبة والعالمة المصرية.
الأسبوع القادم نلتقي مع هامش جديد من هوامش دفتر المحرو