مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

دراسة أسلوبية في قصيدة باب الوصول للشاعرة حنان شاهين

2025-10-24 04:07 AM - 
دراسة أسلوبية في قصيدة باب الوصول للشاعرة حنان شاهين
الشاعرة حنان شاهين
منبر

البحث عن المطلق بين الطفولة والإيمان .. دراسة أسلوبية في قصيدة باب الوصول للشاعرة حنان شاهين


من كتاب : في ظلال الشعر عماد سالم دراسات في شعر العامية المصرية


تقوم قصيدة باب الوصول للشاعرة حنان شاهين على بناء أسلوبي تتداخل فيه التجربة الروحية بالتجربة الإنسانية في سعي متصل نحو معرفة المطلق بوصفه جوهر الوجود ومصدر الطمأنينة فالقصيدة تبدأ من لحظة تيه حسية تمثلها الخداعات التي تتعرض لها الذات الشاعرة عبر الحواس والأبواب المغلقة والمرايا المضللة لتتجلى عبرها ثنائية الرؤية والعمى في وعي الشاعرة وهي الثنائية التي تشكل أحد محاور الأسلوب في القصيدة إذ تتحول الصورة الشعرية من وصف خارجي للمكان والحدث إلى كشف داخلي عن رحلة الوعي ذاته
في طريقي للوصول
كم مرة خدعتني الحواس
و منعني باب مقفول 
كم غول خرج م العتمة خوفني 
 كم مرة خدعتني المرايا 
خبطت على كم باب حكاية 
و تهت بين المتن و الهامش 
و بين التوهة و التوهة 
ألمح شعاع من نور 
و أسمع ندا هامس 
ما كانش يشبه جرس 
و لا كان بيشبه آدان 
و لا صوته كان إنسان 
يمكن هسيس المحار 
يمكن حفيف الشجر
يمكن صهيل الريح
 في غضبتها 
أنا كنت بك مؤمنة 
من أول القصة 
من قبل ما أتهجى الحروف
و أتعلم الأسماء 
من قبل ما أسمي
 البراح الأزرق سما 
من قبل ما أسميك أنا عرفتك 
 من قبل ما أحفظ أسماءك الحسنى أنا شوفتك  
شفتك خضار في الغيطان
شفتك فراش أبيض و ضي  شفتك كلام بتردده أمي في رقوتها
 شفتك قمر مكتمل 
و حاولت مرة ألمسك
 من فوق سطوح بيتنا 
كان سني ست سنين 
أول ما تاهت روحي في السكة
أول ما دق الخوف على الأبواب 
سيدنا في الكتاب قرٓاني أم الكتاب 
قال تحفظيها صم 
مش فاكرة ليه مرة
 علقني في الفلكة 
يومها ارتجفت 
من الألم و الخوف
و بكيت 
و طلعت فوق السطح 
أنده لك 
شفتك سحاب بيمر 
شفت السما و كأنها بتبعد يومها الفراش الأبيض ضل الطريق للضي 
ورجعت أجر الألم و الخوف 
 و شيء مبهم خلاني أحفظ صم
سورة الفلق و الضحى
 و الليل إذ أدبر 
 و الصبح إذ أسفر 
عن بهجة ضيعتها 
 عن قلب مشتاق لك 
مرت عليا السنين 
و اتهد بيتنا القديم 
و بنينا بيت عالي 
لكن مسافة خوف
منعتني أوصلك
تستخدم الشاعرة بنية التكرار تكرار (كم مرة خدعتني) و(كم باب) و(من قبل ما) لخلق إيقاع تأملي متدرج يعمق التجربة ويمنحها بعدا طقوسيا يعيد القارئ إلى دائرة الذاكرة الأولى فالقصيدة تعتمد على الذاكرة الطفولية بوصفها المنطلق الأسلوبي والمعرفي معا فالطفلة التي تخاف من الفلكة وتبكي وتحتمي بالسماء هي ذاتها المرأة التي تسعى لاحقا إلى استعادة العلاقة الأولى مع الكائن الغيبي الذي رأته خضارا وفراشا وضوءا وصوتا في آن واحد
المعجم اللغوي في النص يمزج بين المفرد الديني (سيدنا في الكتاب القرآن الأسماء الحسنى سورة الفلق) والمفرد الحسي اليومي (السطح البيت الغيطان المرايا المحار) وهذا التناوب بين المعجمي الديني والمعجمي الحسي يحقق ازدواجا أسلوبيا دالا إذ يتأسس النص على لغة الكشف والإشارة أكثر من لغة التقرير فكل لفظة دينية تتحول إلى دلالة وجدانية وكل صورة حسية تنفتح على معنى غيبي فالقصيدة ليست سردا لذكرى بل استرجاعا للدهشة الأولى
الإيقاع الداخلي ينبع من الانقطاع والاتصال بين الجمل الشعرية إذ تعتمد الشاعرة التقطيع النغمي القائم على الفعل القصير المتكرر مما يضفي على النص نبرة تلاوة خافتة قريبة من الإنشاد الصوفي فالأسلوب هنا يقوم على الشفافية الإيقاعية التي تخفي وراءها انفعالا وجوديا لا ينفجر بل يتسرب بهدوء في البنية الشعرية
تتجلى الذات الشاعرة في القصيدة بوصفها ذاتا مؤمنة لكنها في الوقت ذاته مترددة تبحث عن يقينها عبر التجربة لا عبر الموروث فالعلاقة بين الطفولة والإيمان تتحول إلى علاقة بين الخوف والمعرفة بين الألم والاكتشاف ومن ثم يصبح (باب الوصول) في النص رمزا مزدوجا هو باب إلى الله وباب إلى الذات الشاعرة في آن واحد
وتنتهي القصيدة إلى انكسار دلالي لا إلى يقين فحتى بعد مرور السنين وارتفاع البيت وبناء الحياة الجديدة تظل (مسافة الخوف) قائمة بين الشاعرة والمطلق وهذا الختام الأسلوبي يعيد القارئ إلى نقطة البدء ليغلق النص على دائرة بحث لا تنتهي حيث يتحول الأسلوب ذاته إلى رحلة مفتوحة بين الطفولة والإيمان وبين اللغة والسكوت
(تمثل قصيدة باب الوصول للشاعرة حنان شاهين نموذجا متقدما للخطاب الشعري الأنثوي في العامية المصرية المعاصرة إذ تنطلق من الذات بوصفها مركزا للرؤية والتجربة ومن اللغة بوصفها وسيلة للبحث عن المعنى لا لنقله فقط فالنص هنا ليس مجرد سرد وجداني بل رحلة داخلية تكشف تحولات الروح وهي تعبر من الطفولة إلى الوعي ومن الخوف إلى الإيمان ومن العتمة إلى النور)
(القصيدة تستعيد الموروث الشعبي والروحي المصري في بنية حديثة تتجاوز الحكاية إلى التأمل وتتخذ من الإيقاع الداخلي ومن المشهد التصويري أدوات للتعبير عن الوجد الأنثوي العميق القائم على التماس بين الخوف والحنين والإدراك فحنان شاهين لا تتحدث عن التجربة بل تعيشها داخل النص لتجعل من الشعر فعلا للكشف عن الذات واستحضار الذاكرة في آن واحد)
(وهكذا تفتح القصيدة أفقا جديدا لشعر العامية النسوي حيث تمتزج اللغة البسيطة بالرمز العميق ويتحول البوح الأنثوي إلى شكل من أشكال المعرفة الوجدانية التي تنحاز إلى الإنسان في هشاشته وضعفه وسعيه الدائم للوصول إلى المعنى وإلى الضوء 

مساحة إعلانية