مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

"دُكان الكلام" لصاحبه محمود رمضان الطهطاوي "خيانة إجبارية"

2025-10-25 21:24:14 - 
"دُكان الكلام" لصاحبه محمود رمضان الطهطاوي "خيانة إجبارية"
محمود رمضان الطهطاوي

مؤلم وموجع علي النفس فعل الخيانة لمن تحب، والأكثر ألماً ووجعا أن تجبرك الظروف علي الخيانة ، فتشعر بمرارة  لا تفارقك  وحزن دفين يتملكك تجاه من تعشق. أزعم بأنني عشت هذه اللحظة ومازال تأثيرها يسري في عروقي ،ويذكرني بفعلتي النكراء التي أرغمت عليها، ودفعتني كل الظروف إليها.
ولكن عزائي بأنني لست الوحيد الذي أقدمت علي هذه الفعلة النكراء، فدُكان الكلام عامر بتلك الخيانات المؤلمة التي دفعت أصحابها لهذا الفعل المؤلم والموجع .
يكفي أن تقلب في كتاب « معجم الأدباء « لـ « ياقوت الحموي «علي سبيل المثال لا الحصر ،لتقرأ الأعاجيب الموجعة ، والأمثلة العديدة لتلك الخيانات الإجبارية .
وفي عصرنا الحديث علي  سبيل المثال أيضا نجد أستاذنا عباس محمود العقاد فعلها أكثر من مرة مرغما ، ودفعته الظروف دفعًا لذلك .
لنتوقف عند خيانة «ابن حمدون» وقد أوردها ياقوت في معجمه وهو « الحسن بن محمد بن حمدون أبو سعد بن المعالي الكاتب « المولود « 1167- 1102م « ، وهو من أهل بغداد له كتاب يعرف بتذكرة ابن حمدون ، وكان عاشقا للكتب ، وقال عنه الحموي :» إنه كان من الأدباءِ العلماء الذين شاهدناهم، زكيَّ النفس، طاهرَ الأخلاق، عاليَ الهمَّة، حسَنَ الصورة، مليحَ الشَّيبة، طويلَ القامة، نظيفَ اللبسة، ظريف الشَّكل، وكان من المحبِّين للكتب واقتنائها، والمبالغين في تحصيلها وشرائها، وحصل له من أصولها المتقَنَة، وأمَّهاتها المعينة، ما لم يحصل لكثير أحد، ثمَّ تقاعد به الدَّهرُ وبطل عن العملِ، فرأيتُه يُخرجها ويبيعها وعيناه تَذرِفان بالدموع كالمفارِق لأهله الأعزَّاء، والمفجوع بأحبابه الأودَّاء، فقلت له: هوِّن عليك - أدام اللهُ أيامك - فإن الدهرَ ذو دُوَلٍ، وقد يسعف الزمان ويساعِد، وترجعُ دولة العزِّ وتعاود، فتستخلف ما هو أحسن منها وأَجْوَد، فقال: حسبك يا بني؛ هذه نتيجة خمسين سنةً من العمرِ أنفقتُها في تحصيلها، وهَبْ أن المالَ يتيسر، والأجَل يتأخَّر - وهيهات - فحينئذٍ لا أَحْصل من جمعِها بعد ذلك إلاَّ علي الفراق، الذي ليس بعده تلاقٍ «.
فأي وجع هذا من خيانة إجبارية يشقي بها العاشق، بعد أن تدفعه الظروف بقسوتها إلي فعلتها ؟!.

مساحة إعلانية