مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

راحل في زوايا السنين

2023-06-19 16:39:17 - 
راحل في زوايا السنين
وفاء ابو السعود اديبة

في ليلة مقمرة  ،، سمع دقات طبول صارخة ، تُزلزل ارجاء المكان وتُزلزل معها قلوب الحاضرين  والسامعين من علو صوتها وضخامته ، تساءل ماهذه الصرخات والاصوات التي تعلو هذا المكان  ،، هرول إلى حيث تعلو تلك الاصوات ،  اخذ يخطو خطوات  حتي استطاع ان يحدد اتجاهاتها .اقترب من المكان ولكنه لم يستطيع  ان يفتح عينيه من ضباب الدخان الذي يملأ المكان  و نور الليزر الذي  يتراقص يمينا ويسارا وفي كل الاتجاهات  . نظر من بعيد وجد قاعة ضخمة البنيان متسعة الاركان ،، تتزين بالورود في كل مكان  ، تسقط من اسقفها ثرايا ضخمه في حضور  جمع كبير من الناس ينقسمون قسمين وفي الوسط ساحه  يتجمع فيها الفتيات والشبان وكل منهم منهمك بسماع الاغاني الصاخبة ويقومون بترديدها وسط رقصات جنونية ،، نظر لنفسه نظرة خاطفه وجد ثيابه الرثة يكسوها التراب ، من شيب شعره وحتى قدمية ،،وظل لحظات في حيرة  من امره أيدخل هذا المكان ام يتراجع  وينصرف من حيث جاء ؟ ولكن شيئا ما دعاه للدخول ، ، استجمع شتاته واخذ ينفض التراب وقرر الدخول نظر في وجوه الحاضرين وجد اناس تقفز الفرحة من قلوبهم الي وجوههم  واعينهم ترسم  بها ابتسامات صادقه  بأهدابها ،، ابتسامات تختال وتزين وتعلو جباههم  وترسم السعادة علي وشوشهم  
ونظر لآخرين وجد وجوه تعلوها ابتسامات زائفه تخفي وراها  حقد دفين ولكنه يظهر في قسماتهم  نظر للشباب وجدهم يلهون اشد اللهو ويستمعون لأغاني لا يستطيع هو ان يحدد كلماتها و كل منهم يحفظها عن ظهر قلب ،، ووجد الفتيات  كل منهما ترتدي افخم الثياب  وتقف في خيلاء  ،، كل منهم قد رسمت لنفسها لوحة فنيه في احلي  صورها وكأنهم يتبارون من ايهم تكون افضل من الأخرى 

بدا يدفق النظر، علي مرمى البصر وجد سيده تجلس بعيدا تلبس ثيابا سوداء يحمل وجهها علامات الفرح وتمتلئ عيونها بالدموع وهناك حزن دفين يسكن  قلبها تتجمع في عينها دموع الفرح والحزن الصادقة سارع اليها  وقلبه يقفز بين الشوق والحنين لها  ،، ها هي  زوجتي وشريكة حياتي وام اولادي  اقترب منها مترقبا لرد فعلها حينما تراه ،  وقف امامها ينتظر ان ترتمي بين احضانه ولكنها لم تفعل ،، تساءل حائرا  لماذا يجتمع اذن الفرح والحزن في نفسها ؟؟  قاده احساسه نحو الشباب ونظراته لاحد منهم ،، نظر مليا ليجد ان من يحمله الشباب فوق اكتافهم هو ابنه الاكبر،،  تهلل وجهه  فرحاً وارتعد قلبه لرؤيته فكم كان مشتاق لهذا اللقاء،، اخذ يقترب منه شيئا فشيء يود ان يحتضنه وسط هذا الجمع  ولكن ابنه لم يعيره اي اهتمام .  توقف قليلا في ذهول متسائلا لماذا تنكرني زوجتي ،، ولماذا يتجاهلني ولدي ،، ؟ جلس علي اقرب كرسي ليستجمع قواه ،، نعم انه حفل زفاف ابني ،،   فكم عشت  عمرا كاملا انتظارا  لهذا اليوم ،، وكم  تمنيت ان ألبسه بيدي بدلة عرسه و ان اكون أول الحاضرين بجانبه نظر حوله في حيرة  يتذكر ولده في  طفولته وكيف كان يبكي  من اجله حينما كان مريضا ، يتذكر حينما حرم نفسه من متاع الدنيا  ليوفر له كل احتياجاته ، حينما قضاها سنوات عجاف ليؤمن له ولإخوته مستقبله ، حينما تحمل آلام  مرضه وهو في الغربة وحيدا ليعيش اولاده  في رغد وسخاء ، تذكر حينما كان يتحمل ضغوط العمل ،، ويقضيها ليالي ساهرا بين طرقات الدول  ، حينما كان يتخذ من الطريق جانبا ليغفو بعض الدقائق، حينما يغلبه النعاس ولا يقوي جسده علي تحمل المزيد  من المشقة حتى   يستطيع بها تكملة مسيرته في العمل  وإذا بالمغني  ينادي علي والد العريس ويهديه الأغنية التاليه ،،  جلس ينظر حوله أنا ابو العريس !! وينتظر ان يناديه ابنه، أو زوجته   ولكن اي منهم لم يفعل ذلك ، أراد هو ان يتحدث ويقول أنا ابو العريس ولكنه لم  يستطع الرد علي هذا الذي يناديه 

شرد بذهنه في حيرة وتساؤلات ليس لها عدد ولكنه لم يجد لتساؤلاته أي اجابه،  
وإذا بالمغني ينادي عليه للمرة الثانية أين ابو العريس ؟؟ فلم يرد أحد ولا يستطيع هو كذلك الرد ولكنه أكمل وصلات غنائه في فرحه ومتابعه ودندنه من الحاضرين 
وبعد قليل ذهب العريس والعروس خارج القاعة ليجد اشهي وافخم المأكولات يتم نثرها علي كافه الطاولات في بذخ منقطع النظير  ،، وجد احد اهم اعدائه  يجلس علي احدى الطاولات  يلتهم المأكولات ، تساءل في حزن كيف لأولادي ان يدعو هذا الذي عاداني دهرا كاملا أليس كان من الاجدر لو تجاهلوه اجبارا لخاطري 
شرد بذهنه مره اخري متذكرا حينما كان يشعر بالمرض ويضن علي نفسه بالذهاب إلي الطبيب او ان يشتري الدواء ليوفر كل ما لديه من نقود ويرسل له مصروفات الجامعة وحينما كان يجري فيها بكل قوته مصارعا لتلك الحياة ومن فيها ليذهب بهم الي اعلي المستويات المعيشية صده ما رأي وتمني لو لم ير، ومرت ثواني علي قلبه ولكنها بثقل الجبال كيف لأولادي ان يتناسوا وجودي  وانا لم اغادرهم الا منذ اربعة اشهر فقط ،، أهان عليهم فراقي لهذا الحد وكيف تحولت الحياة من بعدي ،، وكيف اصبح العدو صديقا ،، وكيف هان عليهم  شقي عمري ولماذا كل هذا السفه والتبذير ؟؟  لقد كنت اهون الناس عليهم بعد سنوات طوال امضيتها في قهر و تعب ومشقه لأوفر لهم كل اساليب الحياة والرفاهية ورغد العيش ،، آه لو كنت اعلم بانهم قد تجاوزوا وجودي بينهم  بهذه السرعة وتناسوا  ؟؟ ما قضيتها في تعب وشقاء وقف مطأطأ راسه وجبهته تتصب عرقاً، وصوته يرتعد ناظرا لسنوات عمره التي قضاها،، اياما وليالي طوال وعمرا مديدا  قضاها يزرع ويروي  ليحصد غيرة  متحدثا مع نفسه فكم ارهقتني  الدنيا تعباً وعناءا وكم ارهقتها  صمودا وتحدي ضاقت نفسه ، فتولي عنهم واستدار عازفا عما رآه  وقرر الرحيل بغير عودة  ،، عاد من حيث أتي بقلب مكلوم وروح متعبه وراح يرقد  قانعا بمكانه ومكانته ،معرضا عن تلك الدنيا التي كشفت عن وجهها القبيح له وراحت تتلألأ في عيون وقلوب الآخرين هدأت نفسه وارتاحت روحه لدي خالقها .

مساحة إعلانية