مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

شحاته زكريا يكتب :الأمل المصرى لا ينكسر.. لأنه يصنع من عرق الناس وإصرارهم

2025-09-22 19:04:28 - 
شحاته زكريا يكتب :الأمل المصرى لا ينكسر.. لأنه يصنع من عرق الناس وإصرارهم
شحاتة زكريا
منبر

الأمل ليس شعارا يُرفع فى الخطب ، ولا جملة تردّد فى الأغنيات الوطنية بل هو طاقة حياة تتدفق من عمق التجربة المصرية الممتدة عبر آلاف السنين. هذه البلاد التى وُصفت دومًا بأنها "أم الدنيا"، لم تكن كذلك صدفة بل لأنها حملت فى قلبها سرّا لا ينكسر: إرادة الناس. قد تتغير الحكومات وقد تهب العواصف الإقليمية وقد يتقلب الاقتصاد العالمى لكن يظل العامل الحاسم هو ذلك العرق الذى يتصبب من جبين المصريين وذلك الإصرار الذى يجعلهم يقفون على أقدامهم من جديد كلما تعثرت الخطى.

من يتأمل مسيرة هذا الوطن فى العقد الأخير يدرك أن الأزمات لم تكن قليلة وأن الضغوط لم تكن عابرة. إقليم مشتعِل محيط ملىء بالصراعات اقتصاد عالمى يترنح بين أزمات متلاحقة وحروب جديدة لا تُدار بالبنادق فقط بل بالعملات والموارد والتكنولوجيا. وسط هذا المشهد المربك وقفت مصر صامدة بل قادرة على أن تُحقق مشروعات عملاقة وتُعيد رسم خريطتها التنموية وتمنح مواطنيها مسارات جديدة للأمل.

قصة الأمل المصرى ليست محصورة فى مشروعات المدن الجديدة ولا فى القضاء على العشوائيات ولا فى محاور الطرق العملاقة وحدها؛ مع أن كل هذه إنجازات تُدرَّس عالميا. لكنها قبل ذلك وبعده قصة الإنسان الذى يستيقظ كل صباح وهو يعرف أن الحياة ليست سهلة لكنه يصرّ على خوضها بكرامة. الفلاح الذى يزرع أرضه رغم ضغوط الطقس وارتفاع أسعار المستلزمات.. العامل الذى يقف أمام ماكينته وهو يدرك أن جهده هو سلاحه الوحيد ..الطالب الذى يحلم بمستقبل أفضل رغم صعوبة الظروف. هؤلاء هم الذين يصنعون الأمل الحقيقى وأي دولة عاقلة تدرك أن سر قوتها يبدأ من هنا: من الناس.

ولعل الفارق الجوهرى بين الأمل المصرى وأى أمل آخر أنه أمل عنيد. ليس رفاهية نفسية تُستهلك فى أوقات اليسر بل مقاومة أصيلة تتجلى وقت الشدة. حين يتعرض الوطن لاستهداف أو تُحاك ضده مؤامرات لإضعافه يكون الأمل هو السلاح الأول قبل السلاح العسكرى وقبل القرارات الاقتصادية. الأمل هو الذى يصنع الاصطفاف الداخلى وهو الذى يمنح الجبهة الداخلية حصانتها ضد الشائعات والحروب النفسية. ولأن المصريين جُبلوا على الصبر فإن أملهم ليس لحظة عابرة بل مسار ممتد.

لا شك أن المواطن يسأل: متى أشعر بنتائج كل ما يُقال عن الإصلاح؟ وهو سؤال مشروع يعكس التقاء الوعى بالمعاناة. لكن الإجابة لا تُقاس فقط بالأسعار أو بالمؤشرات المجردة. نعم الأرقام مهمة ومعدلات النمو وتراجع البطالة وزيادة الاحتياطى النقدى كلها شواهد ملموسة لكنها تظل قاصرة إن لم تتحول إلى إحساس يومى بالتحسن. هنا تأتى أهمية أن تترجم الدولة جهدها إلى واقع يلمسه المواطن فى تفاصيل حياته الصغيرة: فى تعليمه وصحته فى قدرته على مواجهة أعباء المعيشة فى ثقته أن الغد لن يكون أسوأ من اليوم.

والمؤكد أن الأمل لا يُصنع من طرف واحد. فالحكومة تبذل جهدا ضخما لكن على الإعلام أن يُترجم لغة الأرقام إلى قصص إنسانية مفهومة وعلى المواطن أن يمنح نفسه فرصة للنظر إلى ما تحقق بدلا من أن يحاصره الإحباط فقط. نحن فى معركة وعى لا تقل خطورة عن أى معركة عسكرية. وإذا كان العالم من حولنا يشهد اضطرابا غير مسبوق فإن صمود مصر ليس أمرا عابرا بل هو نتاج تلك الشراكة الصامتة بين الدولة وشعبها: شراكة فى الصبر، وفى الكفاح، وفى الإصرار على النجاة.

الطريق إلى المستقبل ليس مفروشا بالورود لكنه أيضا ليس مغلقا. مصر تملك رؤية اقتصادية تسعى لزيادة الصادرات وخفض الدين، ورفع النمو، وتحقيق قفزات فى الصناعة والسياحة والطاقة. وهى أهداف طموحة لكن ما يمنحها القدرة على التحقق ليس فقط السياسات المدروسة بل تلك الروح التى لا تُهزم. المصريون اعتادوا أن يلتقطوا الأمل حتى من بين الركام وأن يزرعوا وسط الصحراء زهرة حياة. وهذا هو الفارق الذى يجعل مصر مختلفة ويجعل مستقبلها برغم الصعاب أكثر إشراقا من حاضرها.

فى النهاية الأمل المصرى لا ينكسر لأنه ليس صناعة حكومية ولا قرارا فوقيا بل لأنه يصنع من عرق الناس وإصرارهم. هو ذلك الخيط الذى يربط الماضى بالحاضر ويمنح المستقبل ملامحه. هو تلك الطاقة الخفية التى تجعل كل مصرى مهما اشتدت عليه الظروف يقول بثقة: "بكره أحلى". وهذا وحده هو السلاح الذى لا تملكه إلا الأمم العظيمة.

مساحة إعلانية