مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

شحاته زكريا يكتب : مصر.. بلد يكتب معادلة البقاء بمداد الإرادة

2025-09-02 13:49:15 - 
شحاته زكريا يكتب : مصر.. بلد يكتب معادلة البقاء بمداد الإرادة
شحاتة زكريا

في زمن تتغير فيه الخرائط بسرعة مذهلة وتسقط كيانات كبرى كأوراق الخريف وتتعثر دول لم تظن يوما أنها قابلة للانكسار تبقى مصر حالة استثنائية متفردة. فالوطن الذي حمل عبر آلاف السنين ذاكرة الحضارة وأودع في تاريخه دروس القوة والصمود ما زال يكتب معادلة البقاء بإرادة شعبه وإصراره على العبور إلى المستقبل.

البقاء في عالم اليوم ليس أمرا مضمونا ولا هو هدية تُمنح للشعوب ، بل هو معركة وعي وإدارة وقدرة على قراءة التحولات. لقد كشفت العقود الأخيرة أن الشعارات مهما علت لا تصمد أمام رياح الاقتصاد والسياسة وأن البقاء لم يعد رهينا فقط بالجغرافيا أو التاريخ ، بل بإرادة تصنع الفعل وتستبق الأحداث. من هنا تبدو التجربة المصرية نموذجا على أن الشعوب العريقة تعرف دائما كيف تحمي وجودها وتعيد صياغة دورها حين تضيق السبل.

من يتأمل مسار الدولة المصرية خلال السنوات الماضية يدرك أن معادلة البقاء لم تكن سهلة بل كانت محفوفة بالتحديات الداخلية والخارجية. الإرهاب ، الفوضى ، الأزمات الاقتصادية، الضغوط الإقليمية والدولية.. كلها كانت كفيلة بأن تضعف أي كيان آخر. لكن مصر آثرت أن تخوض معركتها بالوعي أولا ثم بالإرادة ثم بالعمل. وهذا ما يميزها: أنها لم تراهن على الحلول السريعة ولا على التنازلات بل على الصبر الاستراتيجي الذي يحول اللحظة الصعبة إلى فرصة جديدة.

معادلة البقاء المصرية تقوم على ركيزتين أساسيتين: الاستقرار والإصلاح. فالاستقرار الداخلي لم يكن مجرد شعار بل مشروع وطني استند إلى صلابة مؤسسات الدولة وإلى شراكة مجتمعية واعية. أما الإصلاح فقد تجسد في القرارات الاقتصادية الجريئة وفي المشروعات القومية العملاقة وفي إعادة رسم أولويات التنمية من أجل المستقبل لا من أجل اللحظة الراهنة فقط. قد يكون الطريق صعبا ومرهقا لكنه الطريق الوحيد الذي يضمن أن مصر ستظل واقفة على قدميها مهما اهتزت المنطقة من حولها.

إن سرّ معادلة البقاء أن مصر لم تترك مصيرها مرهونا للظروف أو لتقلبات الخارج. على العكس أدركت أن الاستقلال الحقيقي يبدأ من الداخل: من إرادة المواطن الذي يقرر أن يعمل من وعيه بأن التضحية اليوم تعني حياة أفضل غدا ومن ثقته أن ما يُبنى اليوم ليس لأنفسنا فقط بل لأجيال قادمة. هذه الروح هي التي حمت مصر من الانزلاق في هاوية الفوضى وجعلتها قادرة على أن تظل حجر الزاوية في المنطقة.

التاريخ يعلمنا أن الأمم التي تفقد إرادتها تفقد وجودها تدريجيا حتى لو امتلكت موارد وثروات. والعكس صحيح: أمة قد لا تملك الكثير من الإمكانات لكنها حين تُمسك بزمام إرادتها فإنها تصنع المعجزات. ومصر من هذا النوع: بلد لم يكن يومًا غنيًا بالموارد مثل غيره لكنه كان دائما غنيا بالوعي والإصرار. ولهذا لم تفقد معادلة البقاء عبر آلاف السنين وظلت قادرة على النهوض بعد كل كبوة.

اليوم ونحن نرى العالم يمر بموجات تضخم وأزمات طاقة وغذاء، وصراعات إقليمية، تبدو معادلة البقاء المصرية أكثر إلحاحا. فالاقتصاد العالمي يعيد رسم خرائط النفوذ والتحالفات السياسية تتغير بوتيرة سريعة ولم يعد هناك مكان للضعفاء. في هذا السياق يصبح بقاء مصر ليس مجرد مصلحة وطنية بل ضمانة إقليمية ودولية. فالدولة التي تتحكم في أحد أهم الممرات البحرية بالعالم وتملك ثقلا سكانيا وحضاريا هائلا هي بطبيعتها ركيزة للاستقرار الإقليمي ولا يمكن للعالم أن يتجاهل دورها.

لكن ما يمنح هذه المكانة قيمتها الحقيقية ليس الجغرافيا وحدها بل الإرادة التي تحرك هذه الجغرافيا. إن الإرادة المصرية هي التي حولت قناة السويس إلى شريان اقتصادي عالمي وهي التي أنشأت عاصمة إدارية جديدة في قلب الصحراء وهي التي تزرع الأمل في مشروع حياة كريمة يغير وجه الريف المصري. هذه المشاريع ليست مجرد أرقام أو إنجازات هندسية بل شواهد على معادلة بقاء تُكتب بالعرق والعمل والوعي.

المعادلة ليست سهلة لكنها واضحة: لا بقاء بلا وعي ولا استقرار بلا إصلاح ولا نهضة بلا تضحية. هذه الحقيقة ربما تبدو قاسية، لكنها أيضًا صمام أمان. لأن الشعوب التي تدركها وتلتزم بها تعرف أنها قادرة على مواجهة أي عاصفة. وهذا بالضبط ما يفعله المصريون اليوم: يكتبون قصتهم بمداد الإرادة لا بالحظ ولا بالمصادفات.

إن مصر لا تحاول فقط أن تحافظ على بقائها بل أن تصوغ نموذجا للمنطقة: كيف تستطيع دولة وسط محيط من الأزمات أن تظل واقفة، بل وأن تنهض؟ الإجابة تكمن في الإرادة. إرادة القيادة التي وضعت خطة طويلة الأمد، وإرادة الشعب الذي قبل التحدي، وإرادة وطن يعرف أن تاريخه يلزمه بالبقاء لا بالانسحاب.

وحين نضع كل هذه الملامح معا ندرك أن معادلة البقاء المصرية ليست معادلة رياضية جامدة، بل معادلة حياة تُكتب يوما بعد يوم، بعرق الناس، وبحكمة القرارات، وبإيمان عميق أن هذا الوطن يستحق أن يعيش لا أن يتراجع. ولهذا ستظل مصر رغم كل ما يواجهها بلدا يكتب معادلة البقاء بمداد الإرادة.

مساحة إعلانية