مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

صابر سكر يكتب:قانون الإيجارات الجديد.. تصحيح تاريخي أم عبء اجتماعي؟

2025-04-30 06:47 PM - 
صابر سكر يكتب:قانون الإيجارات الجديد.. تصحيح تاريخي أم عبء اجتماعي؟
صابر سكر
منبر

في خطوة تشريعية مثيرة للجدل، ناقش مجلس النواب مشروع قانون جديد يهدف إلى إنهاء العمل بعقود الإيجار القديمة خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، في محاولة لإصلاح الخلل التاريخي الذي خلّفته قوانين الإيجارات الاستثنائية لعقود مضت. وبينما يرى المؤيدون في المشروع "تصحيحًا تاريخيًا" يعيد التوازن إلى العلاقة بين المالك والمستأجر، يعتبره المعارضون تحميلًا جائرًا للمستأجرين دون أي تدخل فعلي من الدولة لتخفيف الأعباء.
تحول تشريعي جذري
ينص مشروع القانون المقترح على إلغاء الامتداد القانوني لعقود الإيجار القديمة، بحيث يُعاد تنظيم العلاقة الإيجارية وفق القواعد العامة، التي تكرّس مبدأ "العقد شريعة المتعاقدين" من حيث مدة الإيجار وقيمته. ويرى مؤيدو المشروع أن المحكمة الدستورية العليا كانت قد أبطلت العديد من صور الامتداد غير المحدود، ما يفتح الباب أمام المشرّع لإعادة تنظيم الملف بشكل أكثر عدالة، دون التقيد الحرفي بنصوص سابقة.
موقف المحكمة الدستورية... حدود الامتداد
المحكمة الدستورية العليا سبق أن أصدرت أحكامًا حاسمة في هذا الملف، كان أبرزها في عام 2002، حين قضت بعدم دستورية الامتداد القانوني لعقد الإيجار ليشمل أقارب المستأجر من الدرجة الأولى. وأكدت أن الامتداد لا يجوز أن يتعدى الجيل الشاغل للوحدة السكنية وقت صدور الحكم. هذه السوابق القضائية شكّلت أرضية خصبة للمشرّع الحالي لتبرير مشروعه الجديد.
إرث اشتراكي وكلفة مؤجلة
قانون الإيجارات القديم وُلد في ظل توجهات اشتراكية استثنائية، فرضت تثبيتًا تعسفيًا للقيم الإيجارية ومنحت امتدادًا قانونيًا شبه أبدي للعقود، مما أنتج تشوهًا هيكليًا في سوق العقارات، وحرم الملاك من حقوقهم المشروعة دون أن تتحمل الدولة أي أعباء. ويرى كثيرون أن القانون آنذاك فرض حماية فئوية على حساب فئة أخرى، فحوّل المالكين إلى متبرعين قسرًا بممتلكاتهم.
العدالة المعكوسة... من المستأجر إلى المالك
اليوم، ومع تآكل الطبقة المتوسطة وارتفاع أسعار العقارات إلى مستويات غير مسبوقة، يجد العديد من المستأجرين أنفسهم في مواجهة خطر الإخلاء دون بدائل واقعية. في المقابل، يؤكد أنصار المشروع أن آلاف الملاك تحوّلوا إلى فئة مهمشة بسبب حرمانهم من عوائد عادلة لعقاراتهم، وأن إعادة تصحيح العلاقة باتت ضرورة اقتصادية واجتماعية، لا خيارًا سياسيًا.
التجربة الفرنسية... نموذج للتوازن
يشير خبراء إلى التجربة الفرنسية بعد استقلال الجزائر، حين أقرّت باريس قانونًا استثنائيًا يمنح امتيازات للمستأجرين من المحاربين القدامى، لكنها في الوقت ذاته تحملت تكلفة هذه الحماية عبر دعم مباشر للملاك، وشراء العقارات بالسعر السوقي في حال رغبة المالك في البيع. تجربة حافظت على التوازن الاجتماعي دون الإضرار بأحد الطرفين، ولا تزال تُشاد بها حتى اليوم.
أين الدولة؟
رغم أن المشروع يستهدف تطبيق العدالة التعاقدية، إلا أن غياب دور الدولة في تأمين بدائل أو دعم مباشر يجعل من مشروع القانون خطوة ناقصة، وربما قاسية في تداعياتها الاجتماعية. فالدولة التي كانت طرفًا في فرض الحماية القانونية للمستأجرين، تقف اليوم على الحياد، وتنسحب من المشهد دون أن تقدم حلولًا توازي حجم التغيير.
إصلاح أم ترحيل للأزمة؟
القانون الجديد يفتح الباب لإصلاح تأخر كثيرًا، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات جوهرية حول العدالة الاجتماعية ومسؤولية الدولة تجاه فئات اعتادت على حماية قانونية لم تكن منصفة. فهل يكون هذا المشروع بداية لتصحيح طويل الأمد؟ أم مقدمة لأزمة سكنية جديدة تُنقل فيها المعاناة من الملاك إلى المستأجرين؟

مساحة إعلانية