مساحة إعلانية
يجتهد بعض المثقفين في تحريك المشهد الثقافي الراكد ودفع عجلته إلى الأمام بجلسات أدبية وثقافية في بيوتهم العامرة، تذكرنا بالصالونات الأدبية التي تركت بصمات خلدت فترة عظيمة من تاريخ الأدب العربي ، مثل صالون العقاد وصالون مي زيادة.. وغيرهما؛ عرفتْ أسماء كبيرة كالرافعي والعقاد والزيات وطه حسين ..
ومن بين المثقفين الذين أعتز بصداقتهم وأفتخر بإسهاماتهم النوعية ذات البعد البنائي للفرد والمجتمع، أستاذنا بختي بنعلية الذي يفاجئنا في كل مرة بدعوة لفيف من كتاب ومثقفي المدينة، يشعل بذلك شمعة في الظلام دون ضجيج غير مبال بالمرجفين ونجواهم.
كنت أحد المدعوين لإحدى جلساته المثمرة، على شرف الشاعر الكبير طلال سعود الجزائري من مدينة (القرنيني) غير البعيدة عن مدينتنا المضيافة (حاسي بحبح)، عرفته شاعرا على طريق الكبار، قويّ العبارة عميق المعنى، رافعا بكبرياء رأسَه مع عمود الشِّعر متمسكا به أصالة وبعدا ثقافيا وهو ابن البادية العربية، تستهويه بيوت الشَّعر. وما شدني كثيرا في شعره رسالته العظيمة التي يحملها لأمته العربية والإسلامية مدافعا عنها وباكيا لما آلت إليه حالها، ضعيفة ومقهورة ومسحوقة تحت أقدام الغرب المهمين على خيراتها؛ كان لفلسطين الحبيبة ولغزة الجريحة تحديدا أثر شديد على نفسه المتوقدة غيظا؛ ففي كل بيت من قصائده نار تغيظ الكفار والمنافقين وتبكي كل ذي قلب نابض بالإنسانية.
أهم نقطة سجلتها في هذا اللقاء هي دعوة هذا الشاعر الذي لم تسلط عليه أضواء الإعلام؛ فكان أستاذنا بختي بنعلية سباقا للتعريف به وتقديمه للقارئ العربي والاحتفاء به في بيته العامر بالحب والرحمة والعرفان، وإنه لعمل لا يقوم به إلا من قدّر الرجال وثمّن أعمالهم واحتفظ بها في سجل الخالدين تقرأها الأجيال.
كان لقناة " قناة سراج التعليمية الثقافية للشباب والطفولة " لصاحبها الأستاذ عيسى جعرون دور كبير في تقديم هذا الضوء المستتر خلف الغيوم الكثيفة يلتهمه النسيان أو التناسي؛ اقتسم ضوءه معي شعراء وكتاب وأكاديميون استمعوا إليه وأنصتوا؛ فتنفسوا أدبا راقيا قرَأنا مثله بين الكتب والمجلات في الأيام الخوالي.