مساحة إعلانية
عامر علي إبراهيم (تونس) (منصة بلا حدود الأدبية )
هو فارس من فرسان الصحافة، وأديب قدير يقود قاطرة التجديد في الحقل الأدبي العربي المعاصر؛ الروائي والأديب/ محمود قنديل غنيّ عن التعريف و (أشهر من نار على علم)، يشهد له زخم إنتاجه وتنوّعه ورفعته الفكريّة بمكانته قبل رأي أيّ قارئ أو ناقد. رجل من فئة من يكتب ما يستحقّ القراءة ويناصر كلّ ما يستحقّ الكتابة. ولا عزاء للمقصّرين أمثالي في فعل الاطلاع المستمرّ على ما يتركه قلمه من أثر أنيق إلّا الإسراع بتدارك ما فاتهم من خير كثير والانغماس بذهن متحفّز في النهل من أرفع الأطباق الفكريّة العذبة المذاق والمنكّهة بما يدفع الجهاز الهرموني ليهرع إلى إنتاج إنزيم تكسير الكسل. يحفّز وينشّط به عضلات الفكر فيخرجها من دائرة الخمول إلى دائرة الديناميكيّة. ضروري فعل تنشيط ميكانيزم التفحّص و التفكيك وإعادة النمذجة حتّى نقاوم ما ترسّب في طريقنا من المعوقات و نمنع ما قد ينبني من معوقات أخرى.. أديب يفكّر خارج الصندوق، اختار أن يكتب لقرّاء لا يبحثون عن التسلية وإنّما للباحثين عن أدب مطوّر لا يتورّع عن هدم ما تهالك من أسس للمعبد القديم وتشييد محراب دافئ تحت الشمس تقام فيه صلوات الحرف المتمرّد وعشّاقه من الأتباع والمريدين (العتبة) الردّ. ... و لمّا كان لكلّ البيوت أبوابًا يطرقها السّاعي متأنّسا بنورها، يسلّم على أهلها ثمّ يدلف من عتباتها إلى دواخلها. وعتبة القصّة أو عنوانها، منه يستنشق القارئ عبير أطباقها الفكريّة فيدلف متذوّقا، باحثا مُنَقِّبا عمّا نثره الكاتب من طرح ظاهر على محاملها أو آخر واراه مشفّرا ينتظر متّقد الذهن يفكّ ألغازه. و الأغلب على الظنّ أنّ غاية التشفير فنيّة في جانب و أمنيّة في آخر يعتمدها صاحب المتن ليزيده مناعة ترفعه عن صغارة العابثين و المتسلّطين ومن لا يذهبون مذهب العقل الخلّاق . هؤلاء حسبهم ظاهر المتن أمّا المتنبّهين الذين يضيفون للابداع إبداعا إضافيّا فيتلقفون الباقة الذهنيّة من منتجها بكرا، يخلّصونها من حُجّابها و يتحلّقون حولها يفكّكون مراميها، فهي بطبعها مخصّصة لذوي الأذهان الراقية. كاتبنا اختار عنوان القصّة مختصرا وأورده لفظا يتيما مشبعا بالغموض... غموض يُصعق ذهن القارئ بدفقة من الأسئلة الذاتيّة المنشأ تحيله إلى الغوص في معجم الدلالات. تتواتر الأسئلة متوالدة من أرحام بعضها.. من أرسل هذا الردّ؟، على ماذا يردّ مرسله؟، ما طبيعته ؟، ما السؤال أو الطلب الذي سبقه ؟، ثم ما الذي سيفرزه هذا الردّ؟... بتشويق رمى الكاتب بالقارئ أمام أبواب الحيرة منذ أولى عتبات نصّه. و أرى الاختيار يهدف لتجاوز فكرة العنوان كإشارة لمحتوى النصّ إلى جعله دافعا ديناميكيا يحرّك لدى القارئ الرغبة في الإطلاع على يخفيه المتن. و من اطلع على خصائص فكر محمود قنديل الإبداعي يفهم انحيازه إلى التجديد و تجاوز النمط التقليدي و كهنته ومعابده . فهو يخفي رغبته في ترك بصمة أدبيّة خاصّة لا تشبه بصمات الآخرين سينوبسيس القصّة و العتبات الداخليّة ورد البناء القصّي كنمذجة لخطاب داخلي بصوت صامت يتوجّه فيه السّارد لشخصيّة غائبة. يستحضرها في خياله بعد أن بلغت في واقعها نقطة اللاعودة ( الشخصيّة البطلة) في لحظة فارقة، أظنّها لحظة فراقها الحياة. الرّاوي الفعلي (صاحب القصّة) فوّض سارده ليفتتح خطاب السّرد كسارد عليم معتمدا (تبئيرا في درجة الصفر أو ما يعبّر عنه بالرؤية من الخلف) قام خلاله و بترتيب منطقي بالتعرّض لمجموعة من المشاهد الحيّة (حركة / تفاعل ) لمختلف شخصيّات القصّة : ساعي البريد (مرّ/ وقف/ طرق)، الأم (نواح) ، المخاطبة( تسيرين/ تضعين/ تحملين )، صِبية المدينة(ارتابوا/ أشاعوا) ، العيون ( تشيّع خطاك) و في وسط هذه الفصول يرمي مشهدا استدراكيا مهمّا عاد فيه بالزمن وبالأحداث إلى الخلف مستعينا بلعبة (الفلاش باك ) ليستحضر حدثا مفصليّا داخل الحدث الروائي الأصلي كقفزة على الخط السردي الأفقي لصنع تركيز داخل التركيز و تقديم تبرير لعقد أخرى لاحقة. هذا الحدث قلب مجرى حياة البطلة التي يفردها السّارد بالخطاب كليّةً.. حدث موجع تمثّل في رحيل زوجها ورحيل نقاط القوّة (شريك/ رفيق / أنيس) و النتيجة نشأة اضطراب نفسيّتها تولّدت عنه عادة غريبة (السير كلّ ليلة خلسة) جلبت لها سوء ظنّ العيون ..الإشارة تصلح كدلالة على محيط يعاني التقيّحات السلوكيّة ومن عدم النضج الذي جعل الهمز و اللمز شريعة و دستور حياة ... عتبة داخليّة أخرى تجبر المتابع على متابعة منحى جديد للسرد لمّا حوّل الرّاوي سارده من سارد عليم إلى سارد مشارك بتغيير الصيغة الصرفيّة لأفعال اعتمدها للتواصل الخيالي مع الشخصيّة الحاضرة بالغياب كقوله : ( كنتُ أعرف قدرك، أثقُ في نصاعتك، أخشَى عليك، راقبتُكِ، شاهدتُكِ تضعين، اعترضتُكِ، نزعتُه، أصابَنيِ، كذَّبتُ، أقرأُ ) هذا التغيير اللّغوي حوّل طبيعة التبئير.