مساحة إعلانية
في كل موسم انتخابي، تتكرر نفس المشاهد، ونفس الأصوات، ونفس الحكايات القديمة التي مللنا سماعها. ما إن تُعلن الأحزاب عن قوائم مرشحيها، حتى يخرج علينا البعض ممن لم يحالفهم الحظ ببركان من الغضب والاتهامات الجاهزة، وكأن الوطن قد توقف على أسمائهم، وكأن الترشيح استحقاق أبدي لا يُسقطه الزمن ولا تُغيره الكفاءة. نراهم اليوم يملأون المجالس والصفحات والمنصات، يصبّون اللعنات على الأحزاب، ويتهمون منافسيهم بالتربيطات، وكأنهم ملائكة نزلوا من السماء لا يُخطئون ولا يُسألون عمّا يفعلون! لكن نقولها بالفم المليان: إذا كنتم تملكون ذرة من الشعبية، ومثقال حبة من القبول بين الناس، فانزلوا الميدان، وخوضوا المعركة الانتخابية بشرف ونزاهة، ودعوا الجماهير تحكم بينكم وبين من تزعمون أنهم أخذوا مكانكم. فالانتخابات لا تعرف المجاملة ولا التعاطف، بل تعرف من أحبّه الناس واختاروه بإرادتهم الحرة. إن كنتم كما تقولون أصحاب رصيد جماهيري وخدمات سابقة، فالميدان مفتوح للجميع، والفرصة متاحة أمام كل من يثق بنفسه وبجماهيره. أما أن تتحولوا إلى أبواق للاتهام والتشكيك، فذلك لا يزيدكم إلا بُعدًا عن الناس الذين سئموا من لغة المهاترات، وملّوا من مشاهد البكاء على الأطلال. العمل السياسي ليس منبرًا للبكاء، بل ميدانًا للعرق والجهد والمنافسة الشريفة. والكرسي النيابي ليس غاية في ذاته، بل وسيلة لخدمة الناس، ومن لا يرى في العمل العام سوى مقعدٍ ومصلحةٍ وشهرة، فالأفضل له أن يبتعد عن الطريق. نصيحتي لمن تملكهم الغضب: عودوا إلى رشدكم، ولا تضيّعوا أوقاتكم في اتهام هذا أو ذاك، فالناس لم تعد تنخدع بالشعارات ولا بالصور، بل تزن الرجال بمواقفهم، وتعرف من خدمها بصدق . انزلوا الميدان، ونافسوا بشرف، ودعوا صناديق الانتخابات تقول كلمتها، فإن كان لكم جمهور كما تدّعون، فستثبت الأيام صدقكم. وإن لم يكن، فتعلموا الدرس جيدًا بأن السياسة لا تعترف بالصوت العالي، بل بالعطاء الحقيقي. رحم الله من عرف قدر نفسه، وخاض معركته بشرف، واحترم خصومه قبل أن يطلب احترام الناس له.