مساحة إعلانية
قد يظن البعض أن الولايات المتحدة لن تقبل أبداً بأن يتولي تنظيم القاعدة حكم سوريا، خاصةً أنه نفس التنظيم الذي استهدفها في 11 سبتمبر. لكن الواقع يكشف أن المصالح تُعيد تشكيل التحالفات، وأن العداوات ليست أكثر من ورقة تُلقي في مهب الريح عندما تقتضي الظروف. بالأمس كان هذا التنظيم عدواً لدوداً، واليوم تُفتح أمامه الأبواب ليحكم، طالما أن بندقيته مصوّبة في الاتجاه المطلوب، وطالما أن الدم الذي يُراق ليس دماً يُحرّك الضمير العالمي!
اليوم، لم تعد ساحات “الجهاد” حيث يجب أن تكون، لم يعد العدو هو المحتل الذي يجتاح الأرض وينتهك المقدسات، بل أصبحت الساحات الحقيقية للقتال أزقة الفقراء، وأحياء المستضعفين، وأسواق الأبرياء. القاتل لم يعد يبحث عن تحرير أرض أو استعادة كرامة، بل عن سلطة بأي ثمن، حتي لو كان الثمن هو إغراق سوريا في بحر من الدماء. وإلا فكيف نُفسر المجازر التي ارتُكبت بحق سكان الساحل السوري، بينما يقف هؤلاء المتطرفون كالأصنام أمام الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة؟ كيف لمن يزعم البطولة أن يُريق دماء الأطفال بلا رحمة، بينما يشيح بوجهه عن العدو الحقيقي الذي يغتصب الأرض كل يوم؟
المعادلة لم تعد خفية: مواجهة إسرائيل معركة خاسرة، لكنها علي الأقل معركة شريفة، أما محاربة المدنيين فمعركة “مضمونة”، تُكسب المقاتلين سمعة زائفة، وتُرضي الأطراف التي تحرّك الخيوط من وراء الستار. ليس غريباً إذن أن تتحوّل بنادق هؤلاء إلي صدور الأبرياء، بينما تتواري عند حدود المواجهة الحقيقية. ليس مستغرباً أن تتحول الطائرات التي نجت من القصف الإسرائيلي إلي أدوات قتل، تمطر المدن السورية بالبراميل المتفجرة بدلاً من أن تكون درعاً في وجه الاحتلال
اليوم، يُقدَّم “أبو محمد الجولاني” في ثوب رجل الدولة، وتُفتح أمامه المنابر ليخاطب الناس كرئيس قادم، بينما تلطخ يداه بدماء السوريين. لكن الدول لا تُبني بحد السكين، ولا تُحكم بعقيدة الثأر، ولا تُدار بمنطق الغابة. الدولة تُحكم بالقانون، لا بالمجازر، بينما التنظيمات الإرهابية لا تعرف سوي لغة القتل والترويع
والمفارقة الأشد إيلاماً أننا بالأمس كنا نندب سقوط سلاح الجو السوري تحت ضربات إسرائيل، أما اليوم، فهناك من يري أن ذلك كان رحمةً، بعدما تحوّلت الطائرات الناجية إلي أدوات للإبادة الجماعية!
يا للمأساة، حين يصبح السلاح الذي كان يُفترض أن يحمي البلاد أداة لتمزيقها، وحين يصبح القاتل بطلاً، والمحتل صديقاً، والشرفاء مجرد ضحايا يُسحقون تحت عجلة المصالح الدولية!
إنها دورة الدم التي لا تتوقف، تُغيّر الأسماء، تتبدل الرايات، لكن الجريمة تبقي هي ذاتها، والمذابح تظل موسومة بوصمة الخيانة والتواطؤ !