مساحة إعلانية
غزة تُباد. لبنان يُذبح. سوريا تتفتت. اليمن يُقصف. والعرب؟ واقفون علي هامش المجزرة، يتابعون الدم وهو يُصفّي كما يتابعون مباراة، بلا غضب، بلا موقف، بلا رجولة سياسية.
هذه ليست نكسة، ولا مجرد مرحلة. هذا انقراض أخلاقي لأمة بأكملها.
أمة كانت تهزّ الأرض يوماً بصيحة “القدس عربية”، أصبحت اليوم تهمس بخجل: “نحن ندين بشدة”.
أي شدة هذه؟ وقد تحوّلت بياناتكم إلي نُكت، و”قلقكم العميق” إلي مادة ساخرة علي الشاشات؟!
عروش تتمايل فوق دماء الأطفال. أنظمة تتعامل مع القضية الفلسطينية كأنها عبء تاريخي يجب التخلص منه، لا كجراح مفتوحة في قلب الأمة.
زعماء ينتظرون الضوء الأخضر من الخارج ليتحركوا، وكأن الشهداء ليسوا من لحمنا ودمنا، وكأن العار لم يعد يجرحهم.
من يطبع اليوم، سيتآمر غداً. ومن يصمت اليوم، سيبرر القتل غداً.
السكوت علي جريمة هو شراكة كاملة فيها، ومَن ارتدي ثوب الحياد في زمن الذبح، ما هو إلا جلاد بأدوات أنيقة.
أما الشعوب؟
فقد نامت أو أُجبرت علي النوم. صواريخ تُطلق، أطفال يُدفنون أحياء، والمساجد تُقصف، والبعض لا يزال يتجادل علي تويتر: من بدأ أولاً؟ من المُلام؟
يا هذا، حين يُقصف طفل، لا تسأل عن الخلفيات. اسأل عن شرفك.
لكن... وسط هذا الحريق، تظل مصر واقفة
فتحت معابرها حين أغلقت الأبواب، احتضنت الجرحي حين تنكّر لهم القريب، ورفضت الوقوف علي طاولة التطبيع، رغم كل ما يُعرض عليها.
مصر اختارت أن تكون في خندق الكرامة، لا في خندق الصفقات. وهذا يكفي ليُقال: لا زال في العرب قلب ينبض.
اسمعها جيداً، أيها العربي الذي يختبئ خلف صمته:
الحياد خيانة. التردد تواطؤ. الصمت جبن. والمهادنة في زمن المذبحة خزي أبدي.
الكلمة موقف، والسكوت في هذا الزمن لا يُغفر.
إذا لم يكن صوتك مع الحق، فاعلم أنك أداة في يد الظلم!
في هذا الزمن، إما أن تكون مقاوماً حقيقياً، أو مجرد طين تحت أقدام الخيانة.
التاريخ سيكتب عنك، فهل ستكون بطلاً في ذاكرة الأحرار، أم ستبقي ذكري العار في صفحات الذاكرة؟
لقد انتهي زمن الانتظار، وحان وقت الحساب. إما أن ترفع رأسك عالياً، أو تُدفن في ركام الصمت الذي صنعته.
أما إذا فرضت علينا الحرب، فنحن في مصر سنجعلها مثل صلاة العصر، لا سنة لها ولا وتر.