مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

محمد دياب يكتب:حين يتحول العزاء إلي استعراض وفشخره

2025-02-17 06:11:08 - 
محمد دياب يكتب:حين يتحول العزاء إلي استعراض وفشخره
محمد دياب

لا تزال بعض العادات المترسّخة تضرب بجذورها في أرض التناقضات. شيخ يتقاضي مئات الآلاف في عزاء. وبذخ غير مبرر في المناسبات بينما علي الطرف الآخر هناك جوعي لا يجدون قوت يومهم وأرامل يسألن الناس الحاجات وأطفال يتشبثون بأحلامهم في طرقات لا ترحم
المشكلة ليست في الشيخ الذي يطلب أجراً مقابل وقته وعمله بل في أولئك الذين يسعون وراء المظاهر الخادعة ويعتبرون البذخ نوعاً من المكانة الاجتماعية. إنها “الفشخرة الكذابة” التي باتت سمة لبعض المجتمعات حيث تُنفق الأموال علي أمور لا تسمن ولا تغني من جوع بينما تُنسي الصدقات وتُدفن معاني التكافل في ركام الاستعراضات الفارغة.قال تعالى: “يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ”
في اشارة الي من يتعفف ويخفي حاجته يظنه البعض غنياً بينما هو في امس الحاجه الي العون  
ليس من العيب أن يحيا الإنسان في رغد ولا أن ينفق علي نفسه مما رزقه الله ولكن العيب كل العيب أن تتحول المظاهر إلي هوس والوجاهة إلي سباق محموم علي حساب من يبيتون علي الحرمان.
أي معني لمأتم يُبذر فيه المال كأن الموت يحتاج إلي بهرجة؟ وأي قيمة لإحتفال تُنثر فيه النقود بلا حساب بينما هناك من يسكن العتمة محروماً من أبسط مقومات الحياة؟
في المجتمعات الواعية يكون الإنفاق مسؤولية ويُنظر إلي المال كوسيلةٍ لا كغاية. فإن وُضِع في موضعه الصحيح كان بركة ونعمة وإن أُنفِق فيما لا ينفع أصبح عبئاً علي صاحبه قبل غيره. ما الجدوي من عزاء يُغدق عليه المال بينما الميت لا يحتاج إلا لدعوة صادقة؟ وأي معني لولائم فاخرة تُقام فقط لإثبات القدرة علي التبذير بينما هناك من لا يجد قوت يومه؟
إن المجتمعات لا تُقاس بما تملكه من ثروات بل بما تحمله من ضمير والكرامة الحقيقية ليست في حسابات البنوك ولا في عدد الأصفار علي الشيكات بل في فعل الخير دون انتظار تصفيق أو استحسان
ليت كل من يغرق في وهم الفشخرة الكاذبة يسأل نفسه: هل سيأخذ معه هذه المظاهر حين يُدفن تحت التراب؟ وهل سيذكره الناس بما أنفقه أم بما أعطاه لمن يحتاج؟ الحقيقة المؤلمة هي اننا نغرق في بحر من التفاهات ونغفل عن حقيقة أن الايام لاتحتفظ الا بالذكريات التي تحمل في طياتها العطاء والتضحيه وليس المال الزائل
المال في يد العاقل نعمة وفي يد السفيه نقمة وبين العطاء والتبذير خيط رفيع لا يراه إلا أصحاب القلوب المبصرة
وللحديث بقيه ان كان في العمر بقيه

مساحة إعلانية