مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الأدب العربي في دائرة النيران -2-)

2025-03-22 07:44 PM - 
ناصر كمال يكتب: صوت العقل (الأدب العربي في دائرة النيران -2-)
ناصر كمال -كاتب
منبر

في العراق، كانت الحرب والاحتلال مصدرًا رئيسيًا للإلهام الأدبي. في روايته الشهيرة “فرانكشتاين في بغداد” والتي حصلت علي جائزة البوكر العربية عام 2014م، ووصلت للمركز الثالث في جائزة البوكر العالمية، استطاع الكاتب أحمد سعداوي، وبأسلوب يميل للفانتازيا أن يعكس بشاعة الواقع العراقي في ظل الحرب من خلال شخصية مخلوق يدعي “الشسمة” لأنه “ليس جثة كاملة” كما يقول صانعه وهو رجل يدعي “هادي العتاك” من أشلاء ضحايا التفجيرات؛ لينتقم هذا المخلوق من كل من قتلوه. وفي عبثية واضحة يصبح صانعه هدفا للانتقام، وكأنه يعبر عن رغبة المواطن العربي في الانتقام من كل هؤلاء الذين تسببوا في تمزيق الأوطان وقتل البشر. كما أنه أراد أن يصور بهذا المخلوق دولة العراق ذاتها التي مزقت أوصالها الحرب. الرواية تقدم رؤية رمزية عن الهويات الضائعة في ظل الصراع، وتظهر كيف يمكن أن تتحول الوحشية إلي مخلوق بشري يحمل آلام المجتمع. هذا العمل يعكس ببراعة عبثية الحروب وأثرها العميق علي الإنسان العراقي. كما تعبر الرواية عن الفوضي التي خلفتها الحرب ثم خلفها المخلوق نفسه (الذي هو رمز للعراقي الممزق) وانتقامه بعبارات ذات دلالة واضحة فيقول “ لم يكن أحد بريئاً تماماً، كل فرد شارك بطريقة أو بأخري في الكارثة التي تعيشها المدينة.”
في سوريا، كان الصراع المستمر خلال العقد الأخير مصدرًا لعدد من الأعمال الأدبية التي تمثل شهادات حية عن المأساة السورية. يقدم لنا خالد خليفة روايتين هما “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” و”الموت عمل شاق” ليسلط الضوء علي تأثير الحرب علي المجتمع السوري. بسرد مؤلم وبلغة مكثفة وعاطفية، يجسد التحديات التي يواجهها الفرد السوري في ظل الحرب، ولاسيما علاقته بالأسرة والوطن. ففي كلا العملين نجد أزمة الهوية للأسرة والوطن والعشيرة حاضرة بشدة. في رواية “الموت عمل شاق” يحدثنا عن تلك الأزمة التي صنعها هذا الصراع فيقول:” في السنوات الأربع الأخيرة، أصبحت الهوية الشخصية كارثة حقيقية”. لقد أصبح الموت عمل شاق والخروج من المنزل عمل شاق والحياة بكل تفاصيلها عمل شاق، في ظل غياب الإحساس بالأمن وعبثية الحرب ذاتها بكل مفرداتها المؤلمة. من ناحية أخرى، تختفي معضلة الهوية عند الموت بقوله “القتلي يدفنون في مقابر جماعية دون التحقق من هواياتهم الشخصية”. إن العلاقات الأسرية في الروايتين لم تعد تخضع لأسس طبيعية بل تشكلها هواجس ملحة أتت بها الحرب ونتائجها المدمرة. لذلك تعتبر تلك الأعمال الأدبية ليس مجرد نصوص تاريخية توثق الأحداث الجارية، بل أصبحت أداة للتعبير عن التشظي الاجتماعي والنفسي الذي تعيشه سوريا في ظل الحروب والنزوح.

مساحة إعلانية