مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

وحيد الكيلانى يكتب: فن التجاهل: قوة العقل وسلام الروح

2024-12-13 12:32 PM - 
وحيد الكيلانى يكتب: فن التجاهل: قوة العقل وسلام الروح
وحيد محمد الكيلاني
منبر

فن التجاهل هو مهارة رفيعة لا يتقنها إلا من وصلوا إلى مراحل متقدمة من الوعي النفسي والعقلي. إنه ليس مجرد هروب من الواقع أو تصرف عابر، بل هو قرار واعٍ يضعك في مقعد القيادة لحياتك. إذ يمنحك القدرة على اختيار ما يستحق اهتمامك وطاقتك، وما يجب أن تدعه وراءك، دون ندم أو تراجع. ومن خلال هذه الحكمة، تجد نفسك أكثر قدرة على السير بثبات نحو أهدافك وطموحاتك، بعيدًا عن ضوضاء الحياة والمشوشات التي قد تشتتك.
الحياة في ضوء فن التجاهل
الحياة مليئة بالأصوات العالية: من انتقادات غير بناءة، وأحداث سلبية، وأشخاص يسعون لاستنزاف طاقتك. قد تجد نفسك محاطًا بالعديد من المواقف التي تجعلك تشعر بالإحباط أو الغضب. ولكن، هنا يظهر التجاهل كفن راقٍ يمنحك القدرة على التحكم بعقلك وعواطفك، بدلاً من أن تصبح أسيرًا للضغوط أو آراء الآخرين. إن التجاهل ليس هروبًا، بل هو استراتيجية عقلية وذهنية تمنحك القوة للتركيز على ما هو أهم في حياتك.
التجاهل ليس اللامبالاة
التجاهل لا يعني اللامبالاة أو تجاهل الواجبات، بل يعني التركيز على الأهم. إنه اختيار لتوجيه طاقتك نحو أهدافك وطموحاتك، والتخلي عن المعارك الصغيرة التي لا تضيف شيئًا إلى حياتك. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يكون تجاهل الإساءات الصغيرة هو الحل الأمثل للنضج العاطفي. في تلك اللحظات، يظهر تجاهل المواقف السلبية وكأنه خطوة نحو النضج الذاتي، كما أنه يعكس قوة إرادتك في مقاومة المؤثرات الخارجية. تجنب المشتتات، وتجاهل ما يستهلكك بلا جدوى هو أعظم درجات حب الذات.
التجاهل في الأديان السماوية
يعتبر فن التجاهل جزءًا من فلسفة الحياة التي تشدد عليها الأديان السماوية، وتعتبره وسيلة لتحقيق السلام الداخلي والسكينة. ففي الإسلام، يُحث المسلم على عدم الانجرار وراء التفاهات والفتن التي قد تشغل الإنسان عن الهدف الأسمى وهو العبادة والتقوى. يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
"وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا" (الفرقان: 63). وهذه الآية تعكس دعوة لتجاهل الاستفزازات والحديث غير المفيد، والتركيز على السلام الداخلي.
وفي المسيحية، حثّ يسوع المسيح على التسامح وعدم الرد على الإساءة بالإساءة، بل على العكس، دعانا إلى محبة الأعداء وتوجيه الطاقات نحو السلام والمحبة. فقد ورد في الكتاب المقدس:
"من ضربك على خدك الأيمن فحول له الآخر" (متى 5:39)، وهي دعوة لتجاهل الأذى وتحويل الانتباه إلى الخلق الجيد.
الفوائد العميقة لفن التجاهل
تجاهل المواقف السلبية والأشخاص الذين يحاولون تقليل من شأنك يمنحك الحرية الداخلية. فعندما تُنحي عنك كل ما يسبب لك التوتر والضغط النفسي، تفتح أمامك أبواب السلام الداخلي والتوازن. إنك بذلك تخلق مساحة لأشياء أكثر أهمية: للأهداف الكبيرة، للنجاح، وللرغبة في تحسين حياتك. كما أن التجاهل يعزز من قدرتك على مقاومة الإحباطات اليومية ويُحسن من قدرتك على اتخاذ قرارات هادئة ومستقلة. بدلاً من التفاعل المفرط مع كل موقف أو حديث، يصبح بإمكانك اختيار وقتك بعناية، وتوجيه طاقتك بشكل أكثر فاعلية.
كيف تتقن فن التجاهل؟
1. اعرف أولوياتك: معرفة ما هو مهم في حياتك يمكن أن يساعدك على تجاهل كل ما لا يستحق اهتمامك. حدد أهدافك، سواء كانت مهنية أو شخصية، وضع خطة لتحقيقها بعيدًا عن المشتتات.
2. تحكم في ردود أفعالك: تعلم أن تكون هادئًا في وجه المواقف المحبطة. اختر أن تظل في حالة توازن داخلي بدلاً من الانجراف وراء مشاعر الغضب أو القلق.
3. التسامح جزء من التجاهل: فن التجاهل لا يتوقف عند تجاهل المواقف السلبية فقط، بل يتطلب منك أن تتسامح مع الآخرين وتمنحهم المساحة للخطأ. هذا يُعتبر تجنبًا للآثار النفسية السلبية التي قد تُسببها الغضب المستمر.
4. ركز على الحاضر: من خلال الممارسة المستمرة لليقظة الذهنية (Mindfulness)، ستتمكن من تجاهل العوامل الخارجية التي تزعجك وتُفقدك تركيزك. اقبل ما هو واقع وابتعد عن التفكير في الماضي أو القلق من المستقبل.
في الختام
فن التجاهل ليس مجرد مهارة نفسية فحسب، بل هو جزء من فلسفة حياة عميقة تحثك على التركيز على ما هو أهم، والتخلي عن كل ما يشتت ذهنك أو يزعزع سلامك الداخلي. ليس فقط لأنه يعزز قوتك الشخصية، بل لأنه يحقق لك السلام الذي يتجاوز الظروف المحيطة. ومن خلال هذا الفن، يصبح الإنسان أكثر قدرة على مواجهة التحديات، وأكثر استعدادًا لتحقيق أهدافه.
الإسلام والمسيحية يشتركان في تعاليم تدعو إلى تجنب الفتن والضغوط النفسية والتوجه نحو العيش بسلام داخلي. عندما تتقن فن التجاهل، تجد نفسك أقرب إلى تحقيق أحلامك، وأبعد عن كل ما يثقل روحك ويشوش أفكارك.

مساحة إعلانية