مساحة إعلانية
❒لابد للشاعر أو المبدع من أن تظهر ثقافته في إبداعه
❒ المشجعون الأبرز في مسيرتي الباكرة أربعة أولهم ابن قريتنا
❒ هشام الجخ إلي الآن يتهرب من دفع الغرامة
❒ جائزة عبد الستار سليم من مالي الخاص
❒ مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين
❒ المشجعون الأبرز في مسيرتي الباكرة أربعة أولهم ابن قريتنا
حاورته :همت مصطفى
الدخول في حوار مع بعض الشخصيات ليس بالأمر الهين، فكيف بالدخول في حوار مع شخصية مرموقة مثقفة أدبية وعلمية وفنية ولها تاريخ كبير وبصمة واضحة في عالم الإبداع والعلم علي حد سواء .. إنه لعمل شاق جدًا، ولكنه ممتع جدًا، فالحوار مع الشاعر عبد الستار سليم اشبه بمن يلقي بنفسه في المحيط وهو لا يجيد السباحة.. استطاع الشاعر عبد الستار سليم أن يحدث أثرًا في الحركة الثقافية بتميزه وتفانيه وحبه للأدب والعلم، فلقد جعل لحياته مشروعًا بذل كل ما في وسعه لتحقيقه، وقد كان واصبح من المتربعين علي عرش العامية المصرية مع بزوغ شمس ابداعه الفصيح.. خلال الحوار التالي نبحر في اعماق الشاعر والباحث الكبير عبد الستار سليم، لنخرج اللألئ والدرر القابعة بداخله ونكشف عن الجانب غير المعلن في مسيرته الباذخة بالاسرار والحكايات..

● من الذي قام بتشجيعك عندما بدأت تقرض الشعر.؟
●● المشجعون الأبرز في مسيرتي الباكرة، أربعة، أولهم ابن قريتنا وهو أحد حفظة أشعار السيرة الهلالية واسمه - كما كان ينطقه أهل قريتنا - “ حسن أب بربري “ ( وفي شبابي الباكر، ما كنت أعرف أن هذا الذي يلقي به الرجل علي الناس في ساحتنا في القرية، هو يسمي شعرا، لأني لا أدري - وقتها - ما هو الشعر، وما كنت أعرف ما معني السيرة الهلالية - من أصله - )، وعندما لاحظ علىّ شغفي بما يقول، وحرصي الدّائب علي حضور لياليه - في ساحتنا - صار الرجل يشجعني - فقط - علي أن أردد وراءه ما يقول ) أي أنه لم يكن يعلّمني قول الشعر، بل علي حفظ ما يلقيه والثاني كان مدرس الخط في المدرسة الإلزامية ( وكان للخط معلم مختص، وحصة ضمن الجدول المدرسى، وكراسة مطبوعة، يتسلمها التلميذ )، وكان هذا المعلم مغتربا من إحدي قري طنطا، ومعه أسرته، ويسكن في أحد دور القرية.. في حصة الخط، كان أحيانا يكتب جملتين طويلتين، بجوار بعضهما - ويضيف بأن هذا بيت من ابيات الشعر -ليعلمنا إعادة كتابته بخط النسخ مرة، وبخط الرقعة مرة، فكان أول من لفت نظري إلي شكل كتابة البيت الشعرى، أو ما يسمونه بشطرتي البيت الشعري وأما الثالث، فكان مدرس اللغة العربية في المرحلة الإعدادية - الذي عرفت فيما بعد أنه كان شاعرا - وكان هذا الشاعر أول من تنبه إلي موهبتي الشعرية، فأخذني إلي حجرة مكتبة المدرسة، وأوعز إلي “ أمين المكتبة” الذي قادني إلي “ رفّ “ الكتب الأدبية، ودواوين الشعر.. وأما الذي أعتبره المشجع الرئيسي لى، في التعرف الأوسع علي مجال الشعر، فكان أحد أئمة المساجد، ممن درسوا في الأزهر الشريف - وكان يمتّ لي بصلة قرابة - فقد تعلمت علي يديه معني الميزان الشعرى، وما يميز الشعر عن النثر، كما أنه عرّفني علي الأديب المنفلوطي -الذي كان هو يحبه - وأيضا، أهدي إلىّ أحد كتبه، المسمّي بـ “ النظرات “

● كيف تلقت عائلتك موهبتك وكتابتك الشعر؟
●● هذا السؤال يذكرني بشاعر القبيلة في العصر الجاهلى.. ! أنا عشت الجزء الأكبر من حياتي داخل قريتى، أسكن الدار التي ولدت فيها - فلم أبتعد عنها إلا عندما التحقت بالدراسة الجامعية - في أسيوط -ولكن أريد أن أذكر أنه لم ينطبق عليّ ما كان ينطبق علي شاعر القبيلة، عندما يُعلن فيها عن ميلاد شاعر، كان الكل يحتفل به، فالشاعر كان يُعدّ- وقتئذ - مفخرة للقبيلة، فهو الذي ينافح بشعره في سبيلها، ويدافع عنها ضد شعراء القبائل الأخرى.. ولكنني في قريتى، لم أحاول أبدا أن أتقمص دور الشاعر، ولا حتي دور المثقف، ولقد اعتدت علي أنني كنت أعيش كما يعيش أهلي وناسي في القرية، وأرتدي من الثياب ما يرتدون،فكنت -ولا زلت - أرتدي الجلباب البلدى، والعمامة، (فلا أمشي حاسر الرأس كما يفعل أولاد المدارس)، وهو الزىّ الذي يرتديه كل أبناء القرية، مثلي مثل حارث الأرض وساقي الزرع، ومؤذن الجامع، وكنت أضع علي كتفي الملفحة أو الشال، ولدىّ عصًا أمسكها في يدي - وذلك استكمالا للمظهر - وأحيانا كنت أؤم المصلّين في المسجد الصغير الملحق بالمنضرة الخاصة بالعائلة، ( والمسجد هذا، يسمونه بـ “الزاوية “)، باعتباري حافظا للقرآن الكريم، في كُتّاب القرية، لذا لم يتنبّهوا مطلقا إلي أني الشاعر الذي يعرف مالا يعرفون، حتي عندما تُنشر صورتي في الصحف، كان هذا لا يلفت نظرهم، لسبب بسيط هو أن أهل القرية لا يتابعون مطالعة الصحف، ولذلك لم يكن هناك مجال لتلقي خبر كوني شاعرا، لأنه لم يُذَع خبر كوني شاعرا.. ولا أبالغ، إن قلت إن هذا صائر حتي وقتنا هذا، وبعد هذ المشوار الطويل، لم يلحظ عليّ أحد بوهيمية الشعراء، ولا تهويماتهم و“سَرَحانهم وشطحاتهم “، ولا سلوكياتهم التي يحبون دائما أن يشاهدهم الناس عليها

● بمن تأثرت من الشعراء الكبار؟
●● تأثرت من الأقدمين بشعر عنترة بن شداد، ومن العصر الحديث
بشعر بيرم التونسي
● في صغرك ماذا كنت تتمني أن تكون؟ وهل كنت تحلم أن تكون شاعراً وتصل لتلك المكانة التي وصلت إليها؟
● ● منذ صغري وأنا متعلق بقراءة القرآن الكريم، تلاوةً وتجويدًا، متأثرا، بأحد شيوخ الكتاتيب، هو الشيخ “ علي أبو الحمد “، شيخ الكتاب الذي كان يعلمنا قراءة القرآن، وكان أيضا يعلمنا الكتابة بأقلام الإردواز علي “ اللوح “. - القديم بتاع زمان - لذا كنت أتمني أن أكون خادمًا للقرآن الكريم ( أي شيخًا أزهريًا )، فهو المثال المتاح للاقتداء به - وقتها - ولم اكن أحلم بأن اكون شاعرًا، فأسماء الشعراء الذين تعرفت عليهم مبكرا، هم الشعراء الجاهليون، وهؤلاء - في نظرنا كانوا في مستوي بعيد المنال عمن هم في مثل سنى، من أبناء قري الصعيد، وأنا واحد منهم !
● هل أنت راضٍ عما وصلت إليه أم إن هناك أحلامًا لك لم تتحقق بعد؟
●● نعم انا راضٍ إلي حدٍّ ما، فمن عاش في ظروف مثل التي عشتها، وتحت وطأة إمكانات محدودة للغاية، في قرية نائية من قري “ الصعيد الجواني “، وفي زمان ومكان لم يكن لهما من التنوير نصيب. يُذكر، فإن ما وصلتُ إليه - علي الرغم من محدوديته، فكلنا يعلم أنه “ لا سَـقْـفَ للفن والإبداع “ - يُعتبر معجزة بكل المقاييس، إذ أن الكثيرين ممن رافقوني تساقطوا في الطريق، الواحد تِـلْـو الآخر، فقد كانت تلك الظروف أكبر وأقوي من قدرتهم علي الصمود والمقاومة.. لذلك فإنني أطمح في المزيد. من المثابرة والجهد، والمزيد من الاطلاع، ومن العلم والتحصيل

● ما الذي دفعك لكتابة فن الواو رغم كونك في الأساس شاعر فصحى؟
● ● أنا - وكل شعراء جيلي في صعيد مصر - تخرجت من مدرسة شعر الفصحى، ونماذجه التي كانت مقررة كمناهج إجبارية علينا في التعليم، ولكنني كنت - وما زلت - مسكونا بروعة وبهاء الفنون الشعبية، وعلي الأخص الفنون القولية الجنوبية، التي تربيت علي الاستماع إليها، لذلك، وعندما وجدت نفسي مؤهلا للانخراط في زمرة عُشّاق وحفظة. وقـوّالي هذه الفنون، لم أتردد لحظة واحدة، فكتبت الزجل، وكتبت شعر العامية، وكتبت الموّال.. وكتبت مربعات “ فن الواو “ - أول ما كتبتـه - كان من خلال تجربة مسرحية، بالاتفاق مع مخرج العرض المسرحى،. و. تم تلحين هذه المربعات، وتم غناؤها بمصاحبة آلة الربابة، ونالت التجربة إعجاب الناس، فتعلقوا بسماع هذا الفن، ومنذ ذلك الحين بدأ تعاملي الواسع مع “ فن الواو “
● كيف تري جوائز الشعر في مصر والوطن العربي وهل هي كافية لتكريم القامات الشعرية الكبيرة؟
● ● نظرًا لأن عدد جوائز الشعر أقل بكثير مما يحلم به الشعراء - علي مستوي العالم العربي - فإن الكثير من القامات الشعرية، سوف لن يصيبهم الدور، خصوصًا وأن هناك فصيل من الشعراء أنشط من غيرهم في أمر التقدم للجوائز، فهم يوقفون وقتهم علي هذا، وآخرون لا يجيدون هذه الآلية.. وهنا نشير إلي القصور البيّن، في المتابعات النقدية، لأسباب عديدة لذا فإن ميزان الامور يختل، وعليه فإن عدد الشعراء الذين لا تطالهم خدمة الجوائز الحالية، فهم أقل شهرة، بل هم ممن لا يعلم بهم أحد، في ظل نظامها الحالىّ، ولذا فإنني أقترح، بل أطالب بأن يتضاعف عدد هذه الجوائز ألف مرة علي الأقل، (والعالم العربي يستطيع أن يقوم بذلك، سواء عن طريق جهود مؤسسية، أو جهود أشخاص يتطوعون بحسب إمكاناتهم المادية والأدبية) أما فيما يخص الجوائز جوائز الشعر في هذه الآونة فإنني أري أنها : علي الرغم من سموّ غايتها، إلا أنها في كثير من الأحايين، تنحرف يمنة ويسرة - هنا أو هناك - لأغراض قد تبعد أو تقرب من الهدف الأساسي لرسالتها، فهناك من يصبغها بصبغة مهرجانية بحتة، وهناك من تختل موازينه في التقييم، لأسباب تخص القائمين علي أمر. الجائزة، ولأديبنا العالمي “ نجيب محفوظ “ رأي في هذا الشأن، مفاده أن آفة النقد تنحصر ف ( المجاملات الشخصية، والعداوات الشخصية، و الاستهتار والرغبة في الانتفاع )، ولذا فإن التوسع في عدد الجوائز قد يقوّض من هذه العيوب

● هل أدت مواقع التواصل الاجتماعي إلي ظهور شعراء جدد؟ وما هو تأثير تلك الموقع علي الحركة الثقافية؟
●● مواقع التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدّين، أتاحت الفرصة لكل من المبدع، والمتلقى، فالمبدع الذي لا يجد له موضع قدم في الصحف والمجلات والبث الاذاعي والبث التليفزيونى، أصبح يملك “ حائطا” ينشر عليه صحيفته، متعللا بالمقولة الشهيرة (شىء افضل من لا شئ)، وبالنسبة للمتلقى، صارت المادة المنشورة تجد طريقها إليه بسهولة ويسر
عن طريق هاتف في يده، ولكن نظرا لتعسر المتابعة النقدية للمادة المنشورة، فقد اختلط الغث بالسمين، وأيضا بالمجاملات الشخصية وعدم الفهم - من غير المتخصصين -لطبيعة فن الشعر وشروطه، صار ( كلّه عند العرب صابون).
● هل لك منهجية خاصة في النشر علي مواقع التواصل الاجتماعى؟
●● نظرًا لأن قرّاء مواقع التواصل الاجتماعي مختلفون، وثقافاتهم متباينة أشد التباين، لذا رأيت أن واجبى، بل كان لزاما عليّ، أن يكون ما أقدمه، يكون موضوعيّا يهمّ الناس حياتيا، أن يكون الأسلوب سلِسا، منزّها من التهويمات فيما لا يفيد، والبعد عن الإغراق في السوداوية واللامعقول .. هذا من حيث المضمون، اما من حيث الشكل، فيجب أن يكون خاليا من الأغلاط الكتابية، والاستعانة بتشكيل الكلمات وخصوصا في الشعر بلغتيه الفصحي والعامية - حتي تصل المادة المكتوبة إلي المتلقي سليمة وسهلة القراءة.

● ما هي أقرب قصيدة إلي قلبك؟
●● في الفصحي هناك قصيدة بعنوان “ الذوبان علي الورق “، وفي العامية هناك قصيدة بعنوان “ المستحيل “.
● في رأيك لماذا تراجع توزيع دواوين الشعر الآن؟
●● هناك سبب تجارى، وعدّة أسباب فنية، أما السبب التجارى، فيتمثل في ارتفاع سعر الكتاب، يضاف إلي ذلك سهولة الحصول علي المادة من خلال “ النت “
أما. الأسباب الفنية، فحدّث ولا حرج، منها تدنّي المستوي الفني للمادة المقدّمة -في غياب الحركة النقدية - فقد تُرك الحبل علي الغارب، فاختلط الحابل بالنابل، ومنها تعدد وسائل النشر، فاصبح النت مشاعا، كما أن عملية النشر أصبحت تجارة شبه رابحة، ودون تدقيق أو تمحيص، فكثرت دور النشر الخاصة منها والعامة، وخلت هذه الدور - بنوعيها - من الفاحصين، وغابت عبارة ( غير صالح للنشر )، وقامت دور النشر الخاصة بالنشر لمن لديه التكلفة، حتي ولو لم يكن لديه “ الشعر “
● هل القصة والرواية تمنح الشاعر التعبير عن نفسه أكثر من الشعر والقصائد؟
●● هذا غير صحيح، فدور القصة والرواية، دور تشريحي للمجتمع والحياة العامة،، بدليل أن القاص أو الروائى، لا يكتب أحاسيسه هو، ولكنه يخط علي الورق أحاسيس أبطاله في القصة والرواية، أما القصيدة، فالجزء الأكبر كان نتاجا من الشعر الغنائى، اي الشعر الوجداني الذي يعبر عن أحاسيس الشاعر الخاصة
● لماذا لم تتجه لكتابتهما رغم إنك كتبت في مختلف الأجناس الأدبية الأخرى؟
●● في شبابي الباكر كان لي العديد من التوجهات، رياضية وفنية وأدبية.. ومارست كتابة أجناس أدبية كثيرة، منها القصة القصيرة، والمسرحية، واستقر المطاف - ولأسباب يطول شرحها - علي الشعر
● هل من وجهه نظرك تعبر قصيدة العامية عن ما تعجز قصيدة الفصحي في التعبير عنه؟
●● لا أحد ينكر أن قصيدة العامية، لها دورها المحوري في الشعر، وهي نتاج طبيعي لخضوع الفصحي للهجات عدّة، تولدت تحت ظروف تاريخية وجغرافية، وهي لم تبتعد عن الفصحي بحال، وقصيدة العامية المصرية جاءت كتطور طبيعي لفن الزجل، الذي أدي - ولا زال يؤدي - دورا متناسقا مع لهجات - أو لغات -التخاطب اليومي لسكان الأماكن المختلفة في الوطن الواحد

● حصلت علي جائزة الدولة التشجيعية في شعر الفصحي فماذا تعني لك تلك الجائزة؟
●● الجائزة - وجائزة الدولة بوجه خاص - عادة ما تكون تتويجا لمشوار أدبى. عبر مرحلة ما ولكنها عندما تتأخر - وأحيانا تتأخر كثيرا جدا -حينئذ تفقد الكثير من رسالتها، كما تنطفئ - في نفس المقصود بالتكريم - جذوتها، ويذوي بريقها، وحينئذ تصبح بالنسبة له “ تحصيل حاصل “ وهذا ليس قدحا في القيمة الأدبية للجائزة، لأنه هناك الكثير والكثير من الظروف والملابسات، تتسبب في تأخر وصولها إلي مستحقيها، أو - حتي - عدم وصولها بالمرة
● السرقات الأدبية انتشرت بشكل كبير في الأونة الأخيرة ومن أشهرها كانت قضيتك التي رفعتها ضد هشام الجخ لسرقته العديد من مربعاتك والذي انتصر القضاء لك فيها بعد نظرها أمام ساحات المحاكم لعدة سنوات وغرمته خمسون ألف جنيه فماذا فعلت بقيمة هذا التعويض؟ وهل كان هو اللبنه التي بدأت بها جائزة عبد الستار سليم؟!
●● انتشار السرقات الأدبية بشكل كبير وتفشّي هذه الظاهرة، سببه المباشر هو الإعلام، إذ أن تسليط الضوء الإعلامي علي أسماء بعينها، قد يكون ذلك بأحقية، وقد يكون بغير أحقية، والسبب الآخر هو تقاعس النقاد عن العناية بأعمال المبدعين الحقيقيين، (لدرجة أن الكثير من النقاد يتجاهلون هذه الأعمال، وقد لا يعرفون - حتي - أسماء المبدعين أنفسهم )، أما وقد ذكرت قضية هشام الجخ، فقد يصدمك ويصدم السادة القراء، أن أُعلن هذا الخبر الصادم فأقول إن هشام الجخ، إلي الآن لم يدفع هذه الغرامة، فهو يتهرب من الدفع، كلما حاول المحامي - المكلف بهذه القضية - البحث عنه، فلا يجده، مع العلم بأن أماكن تواجده وسفرياته، وحساباته البنكية، من المفترض أنها معلومة لدي مكتب محاميه ولا أدري ما هو الموقف القانوني في مثل هذه الحالة، طالما أن القانون لا يبيح إلقاء القبض علي المحكوم عليه في قضايا التعويض هذه، وهأنذا أطرح الأمر علي المحامين الذين يهمهم الوقوف بجانب الحق والقانون، فمن يري مخرجا من هذا وأنا واثق ومتأكد أن لدي نقابة المحامين حلّاً.
أما جائزة عبد الستار سليم، فالإنفاق عليها هو من مال لا يمت للتعويض بصلة، اذ كيف يكون له صلة بتعويض لم يأت بعد أما هذا التعويض - عندما يأتي - فسوف يوجّه للأعمال الخيرية، كالإسهام في بناء مسجد، أو يذهب إلي مستشفى، أو إلي دار أيتام، إن شاء الله.
● إذاً حدثنا عن الجائزة من أين أتت لك الفكرة وكيف ومن أين تم تمويلها؟
●● كما قلت ذلك أكثر من مرة، علي وسائل الإعلام - أساسها وصية من المغفور لها الحاجة الوالدة - رحمها الله - هي لم توص بعمل جائزة، بل أوصت بأن ألا أبخل علي الناس، وأنه علىّ أن أجود ببعض ما أملك، كلما وجدت إلي ذلك سبيلا، فخطر لي أن أساهم ببعض ما أُجيد، فكانت (جائزة عبد الستار سليم في الشعر والنقد) بفضل الله وعونه.

● هل لجائزة عبد الستار سليم منهج خاص تنتهجه أم جائزة لتكريم الشعراء والنقاد الفائزين فقط؟
●● سبق الجائزة كثير من طرق التطوع، في مجال الأدب،فلا أذكر أنني تقاعست عن تلبية دعوة ما لإلقاء المحاضرات الأدبية والنقدية في نوادي الأدب، ومراكز الشباب، والأخذ بيد الناشئة في طريق الأدب، كما أنني أذكر انني دائما كنت أتبرع بأية مكافاة لصالح هذه الأماكن، وكذلك في وسائل الإعلام
فقد ترافقت أنا ومتبرع آخر، هو إسماعيل الشيشينى، المخرج التليفزيوني الكبير في “ قناة طيبة “ - تليفزيون القناة الثامنة بأسوان - قمنا بتقديم العديد من شعراء الجنوب، وإلقاء الضوء علي معظم “القوّالين “ للفنون الشعبية الموروثة، وذلك باستضافتهم، عبر العديد من البرامج التليفزيونية، وكنا نذهب إلي القري والنجوع، ومعنا “الكاميرا “ والمصورون، ونقوم بالتسجيل معهم في أماكنهم، وكنا لا نتقاضي أجرا، نعاني أشد المعاناة في وسائل الانتقال للوصول إلي قري الجنوب البعيدة، من ركوب النيل، إلي وسائل النقل المتواضعة جدا، منها - مثلا -ركوب الدواب، والتكتك، كل ذلك علي نفقتنا الخاصة -أقصد أنا والشيشيني المخرج - كل ذلك لنقدم فن الجنوب من خلال الجنوبيين والبسطاء الذين نسيهم الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.. كل هذا علي سبيل المثال لا الحصر.
● كيف تري الوسط الثقافي الأن، شعراً وسرداً ونقداً؟
●● الوسط الثقافي ينقصه الكثير والكثير من الرعاية من قِبل وزارة الثقافة من جهة، والمسئولين بالهيئة العامة لقصور الثقافة من جهة، والإعلام من جهة ثالثة، أما النقاد - وهم عمود الخيمة كما يقال - فلا أدري كيف يشاركون في الوقوف بجوار الأدب والأدباء، فبغيرهم لا ينصلح الشأن

● وراء كل عظيم امرأة، من المرأة التي وراء العظيم عبد الستار سليم؟ وما دورها معه؟
●● المرأة التي كانت ورائي هي أمى، فهي التي تولت تشكيل اللبنة الأولى، بالتربية. والنصح والإرشاد، فهي التي سقتني بكفّيها من منابع الحكمة، وخصّتني بعنايتها، ودلّتني علي طريق الخير والجمال، وعلّمتنني الأصول والعادات والتقاليد.، وكيفية معاملة الناس وحبهم، وحملت علي عاتقها هذه المهمة الصعبة، إلي أن صرت رجلا، وكانت بمثابة الأب والأم معا، وذلك في غياب الأب - رحمه الله - والذي رحل عن دنيانا- وعني وعنها - وأنا في عامي الأول.
● طريق النجاح محاط بالصعاب ما الصعاب التي واجهتك؟
●● الصعاب التي واجهتني كثيرة، أولها، كان حرماني من الذهاب والعيش في القاهرة - مصر المحروسة - بما فيها من المنابر الثقافية ووسائل التثقيف المختلفة، فعند حصولي علي شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، كنت ضمن العشرة الأوائل، وكان هناك نظام تعليمي بـ “مدارس الأورمان” بالقاهرة، خاص بجميع الأوائل من جميع المديريات التعليمة بالدولة المصرية، لكن لسبب لا أعرفه، لم يتم هذا الأمر في هذه السنة.
● من منطلق جملة “الشاعر ابن بيئته” ما هي خصوصية الأدباء وخصوصاً الشعراء من أبناء الصعيد؟
●● هذه مقولة لها نصيب كبير من الصحة، فالزمان والمكان والمناخ - اي الجغرافيا والتاريخ - كل ذلك يعمل علي تشكيل عقلية وخيال وموهبة ابن. هذه البيئة، وخصوصا المخزون الصّوَرِى، واللهجى، والسلوكى، والتحصيلي من الفنون القولية والحركية والاعتقادية، فمن خصوصيات الشعراء من أبناء الصعيد، عدم القدرة علي الانطلاق في التصور، و“شطحات الخيال “ - إذا جاز التعبير - فهم لا يتعلمون ذلك إلا بالدراسة والتحصيل، كما أنهم - وبفعل التربية الصارمة - هم يخجلون من الولوج في بعض الأغراض الشعرية، التي - في عُرفهم - قد يظنون أنها منافية للذوق العام،. فيما عدا ذلك فهم يتمتعون كغيرهم بالمواهب التي قد تكون فائقة أحيانا ولدينا امثلة كثيرة لمبدعين بارزين كُثر، في شتي المجالات، لكنهم حُرموا من بقعة الضوء والشهرة

● هل كان لك دوراً فعالاً في الحركة الثقافية في صعيد مصر وخصيصًا في محافظة قنا حيث ولدت وعشت فيها؟
●● أنا أعتبر نفسي ضمن من يتفانون في خدمة الصعيد، وخصوصا في المجالين اللذين اجدتهما، في مجال التدريس (فأنا معلم سابق لمادة الرياضيات وقدمت فيه الكثير لمن كانوا تلامذتي )، وفي مجال الثقافة، وآخر هذه الأدوار، كان في مسابقة (جائزة عبد الستار سليم في الشعر والنقد).
وهو الدور البارز لأبناء الحركة الثقافية في الصعيد، الذي تمّ تخصيصه لهم، والمتمثل في تخصيص فرع من الجائزة لفن الصعيد الأول ( فن الواو )، وكذلك فرع للتسابق علي نشر أربعة دواوين شعرية. فائزة بالأربعة مراكز الأولي في التسابق، وهو عدد موازٍ لعدد ما تطبعه وزارة الثقافة من خلال مسابقة الهيئة العامة لقصور الثقافة ) والبقية تأتي إن شاء الله
● ما هي السلبيات التي يتعرض لها شعراء الأقاليم وهل بالفعل هم مهمشون من قبل وزارة الثقافة أم هو تأثير من الأدباء في حق أنفسهم؟
●● هذا الوضع قديم، وأسبابه متعددة، منها البعد الكبير عن القاهرة - تلك العاصمة الزاخرة بشتي صنوف المعرفة والإبداع - والمحروم منها شعراء الأقاليم، ومنهم أهل الصعيد طبعا، وحتي بعد إنشاء كل من قصور الثقافة، والجامعات الإقليمية، لم يتحسن الوضع، ولم يتغير الحال، إلا قليلا، وذلك لقلة عدد النقاد الذين اتخذوا من القاهرة مكانا لهم، كما أن غياب النقاد عن الأقاليم، وعدم إيمان الأجيال الجديدة بدور الرواد من المبدعين، تسبب في تراجع الحركة الإبداعية بشكل ملموس

● متي كتبت أول قصيدة شعرية لك؟ وكانت فصحي أم عامية؟
●● كلنا، أقصد كل الشعراء تعلموا في مدرسة الفصحى، في المدرسة المتاحة، فمدرسة العامية ظهرت متأخرة. جدا، فهي كانت تطويرا لمدرسة الزجل التي سبقتها، وأنا حين تعلمت الشعر تعلمته في مدرسة الفصحي وكانت القصيدة الأولي فصحى، وأذكر أنني كنت وقتها في الصف الثالث الإعدادى، وكانت بعد محاولات عديدة عندما أجازها مدرس اللغة العربية لي
● متي تيقنت أن ما تكتبه هو شعرًا بالفعل؟ ومن وجهك لذلك؟
●● تيقنت من أنّ ما أكتب كان شعرا بالفعل، بعد فوز أشعاري والتي كانت لإحدي المسرحيات، التي كانت تدور حول شخصيات دينية، وكانت تنفذها احدي المؤسسات الدينية المرموقة، (وكان مشاركا فيها أحد الشعراء الذي كان يشارك في هذا المشروع سنويا، وتفوز أعماله، وكانت الشاعرة الكبيرة “ لورا الأسيوطي “ هي من تقوم بالتحكيم )، وتم تلحين أشعاري الفائزة، وفي ليلة الافتتاح - وعند توديع “بانفليت “. فعاليات الحفلة - فوجئ الجميع بشخص واسم شاعر جديد، الذي مازال طالبا بالفرقة الثالثة في كلية العلوم بجامعة أسيوط، ومما زاد من اندهاش الحضور، أن هذا الشاعر، كان يدرس في قسم الرياضيات، وليس اللغة العربية، وكانت “ لورا الأسيوطي “، هي من بشّرت ببزوغ شاعر موهوب - علي حدّ قولها آنذاك -
● هل توقعت يوماً أن تصل للمكانة الكبيرة التي وصلت إليها وأن تصبح علمًا في سماء الأدب؟
●● منذ صبايَ الباكر، كان نَهَمي وحبّي للقراءة في شتي مجالات العلوم، مما جعلني أتتلْمذ علي أيدي الكثير ممن أجد عندهم إضافة أو جديدا من الذين سبقونى، كما كنت حريصا جدا علي ألّا أغفل فضل الجلوس إليهم،والاستزادة من علمهم ومعرفتهم، ليقيني الراسخ، بأنه لا سقف للفن، ولا. حدّ للمعارف. كل ذلك كان يصرفني عن التفكير في أن أكون في مكانة كبيرة أو لا أكون، وكان في يقيني أن المبدع.، لا يصل إلي أي مكانة من فراغ، ولذا فإنني كنت قليل الإبداع، وهذا واضح من عدد ما أصدرت من كتب، فهو محدود جدا بالنسبة لطول مشواري الأدبى، وهذا ناتج من أنني كنت - ولا زلت - حريصا علي التجويد، وكنت أُخضع كل ما أُبدع، لصرامة النقد الذي تعلمته جيّدا، لذا فأنا الآن أتعجب - في عالم الإبداع - من البعض، الذين يكتبون أكثر بكثير مما يقرأون.
● دائمًا ما تُسأل عن رحلتك في جمع فن الواو؟ ولكنك لم تُسأل عن ما واجهته لجمع هذا الفن من صعوبات ومواقف لا تنسى، حدثنا عن تلك الصعوبات والمواقف؟
●● هذا الأمر - بالفعل - يحتاج إلي وقفة طويلة، فالبعض يظن أن “ فن الواو “ - هذا المشوار الطويل، والمضنى، فهذا البعض يري أن الأمر سهلا وبسيطا وميسورا، وهذه نظرة قاصرة، جعلت المنتوج الآني من هذا النوع من الشعر، لا يصل إلي ما كان مرادا منه، وذلك لأن الفن القولي الشعبى، يستلزم - بالضرورة - معايشة البيئة والناس الذين أبدعوا هذا الفن، لمعرفة ماذا يأكلون، وماذا يلبسون، وكيف يتحدثون، وما هي أسرار ودقائق اللغة اليومية التي يتخاطبون بها، فهل يظن الظانّون أنهم -لمجرّد أن يقلّدون الشكل - أنهم وصلوا إلي جودة أهل هذه الفنون، من أجل ذلك، أمضيت من عمري ما يقارب الأربعين عاما، في معايشة هذا الفن، ومعايشة أهله الذين يعيشون في القري والنجوع المتناثرة والمتباعدة في صعيدنا “الجُوّانى“، وعانيت ما عانيت من عدم وجود وسيلة للتنقل فيما بينها، وفي وسيلة للتسجيل، الخاص ليس بالأقوال فقط، ولكن أيضا باللهجات، وطريقة نطق الكلمات التي تختلف من نجع إلي نجع
● هل كان لك موقف محددا ورد مباشر علي من يروجون أن ابن عروس ليس مصرياً؟
●● بالقطع كان ذلك، وكان الأمر يتطلب دحض الحجة بالحجة، والرأي بالرأى، وكنت أعرف تماما، أن الأمر ليس خالصا لوجه الأدب والفن، ممن يروّج لهذا الرأى، بل كانت هناك أغراض خفية، يعلمها الله ( ويحاسب عليها)..
وكان الرد الواضح والبيّن، هو هذا الفن -الذي وصل إلينا عبر صدور الحفَظَة والمريدين منذ ما يقرب من خمسة قرون - كيف يكون بدون مبدع “ جنوبي “؟، مع العلم بأنه يحمل كل سمات الجنوب، من صرامة وعادات وتقاليد ولهجة، وحتي أسماء أماكن جنوبية؟ وهذا ما يدعو - حقّا - للعجب والدهشة..!

● هل شعر الواو استطاع أن يفرض نفسه علي الساحة الأدبية
وأن يكون له مُريدين؟ وهل هناك من الشعراء من أثبت نفسه في كتابة هذا اللون الشعرى؟ أم إن فن الواو اقتصر علي كتابه القدامي فقط؟
●● نعم استطاع، وليس علي الساحة الأدبية المصرية فقط، بل علي الساحة العربية، ولقد تمت استضافتي في الكثير من الدول العربية، مثل الجزائر وتونس وليبيا - في المغرب العربي - ومثل لبنان والسعودية وسلطنة عمان - في المشرق العربي - ولقد كانت تجربة التعرف علي هذا اللون من القول الشعبي مثيرة، مما جعله محبّبا عندهم، لدرجة أن بعض شعرائهم - الآن - أصبحوا يجرّبون كتابة هذا اللون من الفن القولي
● ماذا تمثل المرأة في حياة الشاعر عبد الستار سليم؟ ومن ملهمته في أشعاره المفعمة بالرومانسية والمشاعر المتدفقة؟
●● المرأة ضرورة وجودية في الحياة، وبدونها لا يستقيم الأمر للرجل، كما أنه بدون الرجل لا يستقيم الأمر للمرأة، ومن اللافت للنظر أن الرجل أوْلي للمرأة عناية خاصة، وخصوصا الشعراء، وشعرهم الذي من كثرة عنايته بالمرأة، أُطلق علي الجزء الأكبر منه اسم “ الشعرالغنائي “ - والشعر الغنائي المقصود به الشعر الذاتى، وليس الذي ينسحب - حاليا وبطريق الخطأ - علي شعر الأغنية، وعندما تذكر سيرة المرأة لشاعر مثلى، يتقافز الي ذهني اسم أمى، التي نشأت وتربيت وترعرعت في كنفها، فقد كانت هي الأم والأب، وذلك لأن مشيئة الله اقتضت أن يرحل عنّا والدي وأنا في عامي الأول.
● لا ينجح شخص بمفرده ولكن من الضروري أن تكون هناك عوامل وأشخاص ساعدوا بشكل أو بآخر في هذا، فما هي تلك العوامل، ومن تدين لهم بالفضل في حياتك؟
●● بالقطع، هذا قول صحيح دائما، فالشاعر – أو المبدع علي إطلاقه - هو ابن بيئته أولا وأخيرا، وحتي الموهبة التي تولد مع الإنسان، هي أيضا بنت بيئتها، كما أدين بالفضل،في حياتى، لكل من تعلمت منه شيئا ذا بال، حتي من أناس عاديين ولسوا بمبدعين في الفن، لكنهم كانوا مبدعين في أسلوب الحياة، كالكلام والحكمة والأخلاق والذوق.

● تدرجت في مناصب التربية والتعليم من مدرس إلي مدرس أول رياضيات، إلي موجه رياضيات إلي موجه أول، ثم وكيل إدارة تعليمية، ثم موجه عام للرياضيات بمحافظة قنا، ثم مدير إدارة تعليمية، ثم وكيل مديرية التربية والتعليم بقنا حتي خروجك إلي المعاش، قص علينا طريقة تعاملك مع طلابك وكيف كان شكل التواصل بينكم، وما هو الاختلاف الذي تراه بين التعليم في حينها والتعليم الأن؟
●● في البداية، أحمل لعملي في التربية والتعليم. كل الاحترام والود والحنين، وأذكر أن طريقة وأسلوب التعليم التي مارستهما، كانا مختلفين تماما، أحببت العملية التعليمية، فأحبني كل تلاميذي وزملائي ورؤسائى، بشكل غير مسبوق، فلم أوجّه لأحد منهم إساءة قط - هذا كان بفضل من الله وتوفيقه - أحببت مادة الرياضيات حبّا جمّا، من أجل ذلك فأنا - وإلي الآن - أطالع كل جديد فيها، وكنت أقوم بعمل محاضرات صباحية، للعناية بطلاب الثانوية العامة، وذلك في أثناء طابور الصباح، وقبل بداية اليوم الدراسى، وكنت عندما ألتقي أحد الطلّاب في فناء المدرسة في أثناء “ الفسحة “، أو حتي في الشارع، أسأله سؤالا في المادة، وكان ذلك رائعا جدا، وكانوا يعرفون عني ذلك، ولم أذكر أنني وبّخت طالبا علي تقصير، بل كنت أنتهز هذا التقصير لأعيد له تفسير بعض النقاط التي غابت عنه، أحيانا كنت أقوم بعرض حلول مختلفة للمسألة الواحدة، مما يحبب الطلاب في المادة، وساد هذا الحب، بيني وبين معلمي المادة عندما كنت “موجّهًا، وموجّها عامّا “ للرياضيات، حتي وأنا في أعلي منصب قيادى، كنت ذلك الودود، الذي لا يبخل بمعلوماته علي أحد.
● أثناء عملك في التربية والتعليم تمت إعارتك إلي ليبيا ثم إلي عمان حدثنا عن نشاطك الأدبي والعلمي في تلك الفترة وما تأثيرها عليك إبداعياً وإنسانياً وما هو وجه الإختلاف بين الأنشطة الثقافية هناك وهنا وكذلك وجه الاختلاف بين التربية والتعليم هناك وهنا؟
●● أستطيع أن أقول إنني كنت - وما زلت - ذلك الشخص الذي يتّسم بالهدوء و” طولة البال “ - كما يقال - ويحب المسالمة، والذي يتلاءم مع الناس بسهولة ويُسْر،
مكثت في ليبيا -كمعار من مصر - لمدة أربعة سنين - مدرّسا لمادة الرياضيات - ومكثت في عُمان - في إعارة ثانية - أربع سنوات - كموجّه لمادة الرياضيات - ومن خلال وسائل الإعلام، نشرت في “الورقى” منها الكثير من إبداعاتى، بالإضافة إلي مشاركاتي في برامج الإذاعة وبرامج التليفزيون، كما أنني التحقت بمعهد الموسيقي بمدينة بنغازي في ليبيا (معهد علي الشعاليّة، الذي كانت الدراسة فيه مسائية، وهوأول معهد موسيقي يُنشأ في ليبيا، بمدرسين مصريين وسوريين ) لمدة أربع سنوات - حيث مدة الإعارة عادة أربع سنوات، وقد يتم تمديدها - وفي المعهد، طلب مني أساتذة الموسيقي أن أساعد طلبة المعهد - المبتدئين - في قراءة النوتة الموسيقية، لأنني كنت علي دراية مسبقة بعلم الموسيقى.
● من يقرأ لك يلحظ استخدامك لبعض الكلمات والمصطلحات العلمية والرياضية في قصائدك فهل ذلك يرجع لتأثير دراستك عليك أم هو مقصود من حضرتك أن تدمج الشعر بالعلم؟
●● ملاحظة جيدة أشكرك عليها، لا بد للشاعر أو المبدع من أن تظهر ثقافته في إبداعه، وهذه سمة أسلوبية تستطيعين بها أن تشعري بتفرد صوت الشاعر، ودراستي الموسعة لمدة الرياضيات، ومن ورائها الاطلاع علي مناحي العلم المختلفة، والتجوال في دروب العلوم والمعرفة، كان يفرض نفسه أحيانا علي إبداعاتى.
● قرأت لحضرتك ديوان الفوازير العلمية وهو علي ما اعتقد أول ديوان شعري يعتمد علي تقديم اختراع علمي في شكل قصيدة شعرية دون الإفصاح عن الاختراع وعلي القارئ أن يحزّر ما هو، فكيف أتت لك تلك الفكرة وهل لاقت إقبالاً من القراء والشعراء حين طُرح الديوان؟
●● دائمًا كنت أتحدّي نفسى، ودائما كنت لا أهاب الخوض في شتي الأغراض الحياتية، ولا مانع أن أصوغها شعرا، أو نثرا، فقد جرّبت كتابة القصة، والمسرحية، والشعر بالفصحى، والشعر بالعامية وأزيدك من الشعر بيتا - كما يقال - لي ديوان شعر بالعامية، حاولت فيه أن أتحدث عن المخترعات العلمية لتقريبها للناشئة ، أسميته (فوازير علمية ) و قد قامت الهيئة المصرية العامة للكتاب ، بطبعه طبعة فاخرة .
● وما هو اللقب الذي تحب أن يذكرك به التاريخ؟
●● كلمتي التي دائما أرددها ، هي ، ألّا سقف للفن ولا للمعرفة، وأما اللقب الذي أحبه فهو. الشاعر والباحث عبد الستار سليم
الحوار نشر بالعدد السنوي بجريدة منبر التحرير الورقية
