مساحة إعلانية
طارق عمران
رواية " سكتة قلبية " لمحمد أبو الدهب ، رواية نفسية من الطراز الأول ، جنح فيها الكتاب إلي إستخدام تقنية شديدة التعقيد من الناحية النفسية ، وحاكم من خلالها الذات المقهورة ، والتلذذ بآلام الماضي وجراحه الساكنة بداخله والتي لم تبرح مكانها طوال سنوات طويلة ، عاني من خلالها سكتات قلبيه متكررة ، والتي لازمته طوال سنوات حبه القديم الجديد " لفايدة " والذى لم يستطيع أن ينفك من أسر قيوده وأغلاله علي مدار سنوات طويلة ، هذا الأسر الذي جاء علي غير رغبته الشخصية ، فوقع مكبلا بأغلاله ، من خلال ذاته المقهورة والمستسلمة تارة جبرا وتارة اختيارا ، لكنه في النهاية إستسلام لواقع مرير ، حيث الصراع الدائر مع " مغاورى " زميل العمل والمنافس الغريم الذى يتصارع معه من أجل حبه الوحيد " لفايدة " واحتدام هذا الصراع بعد زواج " مغاورى " من " فايدة "
ظل الكتاب من خلال بطل قصته أسيرا لهذا الحب ، ورفضة أن يخضع للأمر الواقع بعد زواج " فايدة " من " مغاورى "
ولأننا أمام ذات مقهورة ظلت سنوات طويلة تعاني من هذا القهر النفسي ، لجأ " محمد أبو الدهب " إلي استخدام ألفاظا ومفردات يندر إستعمالها في السرد الأدبي ، خاصة أن بطل الرواية كما وصفة الكاتب ينتمي إلي إحدى قرى مركز بنها التابعة لإقليم القليوبية ، وهذا المجتمع الريفي يميل إلي التدين والتحفظ والالتزام والتمسك بالعادات والمعتقدات والمعارف الشعبية ، لكننا عندما نري مواضع استخدام هذه الألفاظ الخادشة للحياء ، والتي لا يقبل ترديدها في الحياة العامة في الحوار اليومي ، إنما هي قد جاءت علي لسان الراوي في الرواية الذي هو البطل المقهور ، والذى لم يجد وسيلة يخرج بها اعتمل بنفسه سوى هذا التوصيف والذي أفصح عنه في مواضع عدة علي فرضية أن الراوي هو ذاته بطل الرواية هو كاتبها نفسه ، ولأن كاتبنا عمد إلي هذه النوعية من الكتابة وهي " أدب الذات المقهورة " كان صادقا مع ذاته ومع نفسه ومع شخصية بطل الرواية ،
أشار " محمد أبو الدهب " تصريحا وتلميحا أن بطل روايته رجل سكرى ، وربما تحت تأثير هذا الشراب كان هو المبرر والدافع لخروج مثل هذه المفردات والألفاظ ، كما أنه أشار إلي أن بطل الرواية هو مؤلف يكتب الروايات ، لهذا كان دائما للتخيل لأشياء ربما حدثت أم لم تحدث لبطلة الرواية " فايدة " وهو خيال مريض بلا شك وهي حالة مرضية يعاني منها الكثير من الأشخاص ،
رأينا بطل الرواية وهو لا يعبأ بقدسية الموت وجلال المشهد ، وهو في طريقة للمقابر بالقاهرة لدفن منافسه وغريمة التقليدى "مغاورى " لسنوات عديدة في حبهم " لفايدة" ولم يتورع ولم يتعظ لوفاة " مغاورى " بالسكتة القلبية ، وكيف أنه لا يعبأ بمشهد الموت ويجد لذاته المقهورة المبرر لهذه الأفعال الغريبة والنادرة الحدوث في واقعنا المعاش بهذه الكيفية ، هو يرى من خلال هذه الأفعال متنفسا لذاته المقهورة المكلومة والتي لم تستطيع الخروج من أسر هذا الحب " لفايدة " والذي يطبق علي صدرة لسنوات طويلة ، هي مدة زواج " فايدة " من " مغاوري " والذى يعرفه بطل روايتة بالسنين والشهور كما ذكرها "خمس عشرة سنة إلا سبعة أشهر " هي إشارة صريحة من " محمد أبو الدهب " إلي مدي قسوة زواج " مغاوري "من " فايدة " ودلالة الأرقام شديدة التأثير علي نفسية بطل الرواية ، حيث أنه مازال أثيرا لهذا الحب وواقعا تحت سطوته ، وكيف ظل ممتعضا إلي حد البغض الشديد من "مغاوري " وكل من يشبهه ، فلا يوجد حدا فاصلا بين موت " مغاوري " بالسكتة القلبية وشماتته في موته ، حتي أنه لا يهتم بمراسم الدفن ، ولا يحترم حزن " فايدة " علي "مغاورى " وموته بالسكتة القلبية ،
نرى أنه يرفض داخل نفسه كيف " لمغاورى " أن يكتب هو الأخر رواية ، وكأنه يرى في كتابة " مغاوري " للرواية كأنه منافسا له في الرواية ، هو يرى في ذلك تحديا له ، ومن "مغاورى " بالنسبة له منافسا فى حبه "لفايدة " هو يكتب الرواية ويخشى ان يرى "مغاورى" أى تلميحات يبحث عنها تؤكد حبه "لفايدة"
لم يخجل كاتبنا من ذكر كل الموبقات التي يفعلها بطل روايته ، هو دائم السكر في بارات القاهرة في نهاية كل أسبوع . يحكي لنا عن الصراع الدائر منذ دخول " فايدة " أول مرة للعمل في قسم الشئون الإدارية ،ثم يواصل التلذذ بالألم نتيجة القهر النفسي حين لم يتورع في وصفه "لفايدة" ويقول " البنت القروية الساذجة صاحبة الكفين المفلطحتين المقشفتين والشفايف الغليظة والوجه الأسمر " أشياء جميعها تتناقض مع مقاييس الجمال الأنثوى المتعارف عليه ، لكنه وقع أسيرا مغرما بها ، ولا يستطيع الفكاك من أسر هذا الحب ، ويواصل اعترافاته الغريبة لكنها هي الواقع الذى نحياه جميعا خلف الأبواب المغلقة ، أفعال نفعلها جميعا لكن لا يستطيع الكثير منا المجاهرة بها في العلن ، لكن "محمد أبو الدهب " من خلال بطل قصته الذى يمثله في الواقع ، كان أكثر اتساقا مع نفسه ، لقد تناول هذه القضية بصراحة شديدة أكثر من المعتاد عليه فى تناول الكتاب لمثل هذه الموضوعات ، كل هذه الأفعال تروي من خلال شخصية البطل الذى وصفه لنا في بداية روايته ، وقدمه لنا من خلال أفعاله وتصرفاته الغريبة ، وبهذا فإن كل فعل قد يصدر منه يكون فعلا مقبولا . لقد أمعن كاتبنا في فضح المستور و المسكوت عنه ، حين يعترف بممارسة الجنس مع "اعتدال" ولا يتواني عن ذكر ذلك تصريحا وليس تلميحا ، بل أنه يصف تلك الليلة وصفا دقيقا ، حتى انه ليتذكر ذلك في مشهد الجنازة ، دون ان يخجل من ذلك فذاته المقهورة المفعمة بمرارة الغيرة والمترعة بحبه "لفايدة" يصل كاتبنا إلى قمة الشعور القهرى حين يصف وهو أمام المقابر ، " كيف لقضيبه أن يتدغدغ وهو يتذكر " فايدة " وهي معه في النيابة الإدارية ، حين لمست يده كفها حتي أفرغ مابداخله .