مساحة إعلانية
حين تُنطقُ الحجارةُ مجدًا في يومٍ يشبهُ الحلم، وفي رحاب أرض الجيزة التي اختزلتْ في صخورها أسرارَ الآلاف السبع الماضية، ينهضُ صرحٌ يُعيدُ للزمنِ شراعَه. تحت سماء الأول من نوفمبر ٢٠٢٥، لن تفتتح مصرُ متحفًا فحسب، بل سَتُطلِقُ قِطْعَةً جديدةً من روحها إلى العالم. إنه المتحفُ المصري الكبير، حيث تُمسكُ يدُ الحاضر بمقبضِ الماضي، لتدير مفتاحَ المستقبل.
تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، يتحول هذا الحلمُ الأسطوري إلى حقيقةٍ تلمسُها الأبصار، لتشهدَ الإنسانيةُ أن مصر، أمُّ الحضارات، ما زالت تُرضعُ التاريخَ من معينها الذي لا ينضب.
مشهد الافتتاح:
سيمفونية الملوك والرؤساء كأنما الأقدارُ تدّبرُ لقاءً غير مسبوق، حيث يحضرُ ٧٩ وفدًا رسميًا من كل فجّ عميق، ليشهدوا ميلادَ هذا المعلم الخالد. بين هؤلاء، يقفُ ٣٩ ملكًا وأميرًا ورئيس دولة وحكومة، كالنجومِ حول بدرها، في مشهدٍ يعيد إلى الأذهان مواكبَ الفراعنة العظام. من بلجيكا إلى البحرين، ومن إسبانيا إلى سلطنة عمان، ومن الدنمارك إلى السعودية، تتهادى الوفودُ كالأساطيلِ القادمةِ لتحيةِ مهدِ الحضارة.
إنه اعترافٌ من العالمِ أجمع بأن مصرَ ليست مكانًا على الخريطة، بل هي فكرةٌ ساطعة في ضمير الوجود. المتحف الكبير: لوحة فسيفساء تروي حضارة أمة هذا الصرحُ العملاق، الذي تبلغ مساحته خمسمائة ألف متر مربع، ليس حجرًا فوق حجر، بل هو قصيدةٌ مكتوبةٍ بالرخام والزجاج. إنه أكبر متحف في العالم مكرسٌ لحضارةٍ واحدة، يحوي بين جنباته أكثر من مئة ألف قطعة أثرية، كأنما كل قطعةٍ منها حرفٌ في ملحمة الخلود.
إنه بيتٌ للحكاية المصرية، ترويها الأصنامُ والتماثيل، والنقوشُ والبرديات. في التصميم: حوار أبدي مع الأهرامات بُني المتحف ليكون جسرًا بين عبقريتين: عبقريّة الماضي السحيق وعبقرية الحاضر المتألق. واجهته المثلثية، المستوحاة من نظرية رياضية للتقسيم اللانهائي، تحاكي الأهرامات في لغتها الهندسية الخالدة.
أما درجه العظيم، فكأنه موكبٌ كهنوتي يصعدُ بالزائر من عالمِ المشاهدة إلى عالمِ التجلي، حيث تصطفُ تماثيل الملوك والملكات كحرسٍ شرفٍ للتاريخ، لتنتهي بنافذة بانورامية تطلُّ على الأهرامات، في حوارٍ بصريٍّ يختزلُ سبعة آلاف عام. كنوز توت عنخ آمون:
لقاء الملوك عبر العصور ها هو الملك الطفل توت عنخ آمون يعودُ إلى مسرح الأحداث، ولكنْ هذه المرة في بيتٍ يليقُ بعظمته. لأول مرةٍ منذ اكتشاف مقبرته، تُجمع كنوزه الخمسة آلاف قطعة في مكانٍ واحد: من الملابس التي لامست جسده، إلى المجوهرات التي زينت صدره، والأسلحة التي حمته، والمركبات التي حملته. وتتوج هذه الكنوزَ تحفةُ القناع الذهبي، الذي يزن أحد عشر كيلوغرامًا، كأنما هو شمسٌ صغيرةٌ تسرقُ من ضياء الفراعنة.
لطالما استقبل توت عنخ آمون في مقره القديم زعماء العالم، من ديغول إلى إليزابيث، ومن ديانا إلى زيمين. واليوم، في مقره الجديد، يستعد لاستقبال ملوك العصر الحديث، ولكن في إطارٍ يليقُ بحضارةٍ علمت العالم معنى العظمة.
رؤية السيسي:
إرادة تصنع المعجزات تبلورت فكرة المتحف في تسعينيات القرن الماضي، ووضع حجر الأساس عام ٢٠٠٢، لكن المشروع واجه عواصفَ متلاطمة: أزمات مالية، واضطرابات سياسية، وربيع عربي متقلب، ثم جائحة عالمية طاحنة. لكن الإرادة السياسية للرئيس السيسي كانت كالسفينة التي تشقُّ الأمواج العاتية. بتكليف منه، تشكلت اللجان، ووُفرت الموارد، وتحول الحلم إلى واقع ملموس.
كان يتابع التحضيرات بنفسه، مؤكدًا على ضرورة تنظيم حفل افتتاح "يليق بمكانة مصر"، وكأنما كان ينحتُ بإرادته تمثالًا جديدًا لأبي الهول. الاقتصاد والسياحة:
دورة حياة جديدة بتكلفة بلغت ١.٢ مليار دولار، ساهمت فيها اليابان شريكًا مخلصًا، يُتوقع أن يستقطب المتحف خمسة ملايين زائر سنويًا، مما سيعطي دفعة قوية للسياحة المصرية. لقد استقبلت مصر بالفعل ١٥ مليون سائح خلال الأشهر التسعة الأولى من ٢٠٢٥، وحققت إيرادات بلغت ١٢.٥ مليار دولار. المتحف ليس فقط صرحًا ثقافيًا، بل هو محرك اقتصادي سيُنعش مجالات البناء والنقل والخدمات، وسيخلق حوله مجتمعًا جديدًا من المطاعم والمراكز الحرفية والفنادق.
استعادة التراث:
نداء الأجداد المتحف الجديد ليس فقط بيتًا للآثار، بل هو منصة لإطلاق صرخة المطالبة باستعادة آثار مصر المسلوبة. يطالب علماء مصريات بارزون، وعلى رأسهم الدكتور زاهي حواس، بإعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني، وزودياك معبد دندرة من متحف اللوفر، والتمثال النصفي لنفرتيتي من برلين.
يقول حواس: "نحتاج أن تعود هذه القطع كبادرة طيبة، كهدية، تمامًا كما منحت مصر العالم العديد من الهدايا". مصر تعيد كتابة سفر الخلود الافتتاح المهيب للمتحف المصري الكبير هو إعلانٌ للعالم بأن مصر قد استعادت بوصلة تاريخها.
تحت قيادة الرئيس السيسي، انتصرت الإرادة المصرية على كل التحديات، لتقدم للعالم متحفًا هو أقرب إلى المعجزة. إنها هدية مصر للإنسانية، وشاهدٌ على أن أرض الكنانة ما زالت تنجب المعجزات. اليوم، بينما يقف ملوك مصر القدماء جنبًا إلى جنب مع زعماء العالم المعاصر، تكتب مصر فصلًا جديدًا من مجدها الخالد، وتثبت للعالم أنها أم الدنيا وقد الدنيا، كما وعد الرئيس السيسي.