مساحة إعلانية
ليست المرة الأولي التي نفتح فيها ملف نزوح الأطباء بشكل جماعي إلي الخارج ولن تكون الأخيرة إلي أن يتم تدارك هذه الظاهرة الكارثية ومعالجة أسبابها وتداعياتها، حيث عادت إلي ساحة النقاش بسبب صورة متداولة علي الفيس بوك لمجموعة من الأطباء مكتوب عليها أن دفعة ٢٠١٩ من خريجي كلية الطب بجامعة المنصورة غادروا البلاد جميعاً إلي بريطانيا ومازالوا يقيمون بها.
وبغض النظر عن مدي دقة هذه المعلومة لأن بوستات الفيس بوك لا تعد مصدرا موثقا للمعلومات، ولكن أرقام أخري تؤكد أن الأزمة بدأت منذ عام ٢٠١٦ وخلال هذا العام وحده سافر ١٠٤٤ من خريجي كليات الطب إلي الخارج بمعدل ٣ أطباء يومياً وفي العام التالي قفزت الأرقام لتصبح ٧ أطباء يومياً، وبلغت الأمور ذروتها في النصف الأول من عام ٢٠٢٢ حيث بلغ عدد الطيور البيضاء المهاجرة ١٥٩٥ من بداية العام حتي شهر مايو فقط بمعدل ١١ طبيب يومياً، بل وحتي في عام الكورونا ٢٠٢٠ لم يتوقف نزيف خيرة شباب مصر، حيث تدفق ما يقرب من ٣٠٠٠ طبيب من شرايين قلب الوطن إلي خارجه، بمعدل ٨ أطباء يومياً.
بالطبع سيخرج علينا من يهون خطورة الأمر ويؤكد حقيقة أن مصر ولادة وقادرة علي تعويض من يغادر ولكن السؤال الأهم هو لماذا يغادر هؤلاء الشباب المتفوقين، والأكثر أهمية هو هل تقتصر الأسباب علي ضعف المرتبات والبدلات وهي ظاهرة تعاني منها جميع فئات المجتمع بلا استثناء في ظل أزمات اقتصادية محلية وعالمية.
ولكن بالنسبة للأطباء لا يتوقف الأمر علي الدافع المالي رغم أهميته ولكن من الملاحظ وجود حالة من التحرش المجتمعي تصل إلي الاعتداء الجسدي واللفظي علي الطبيب وطاقم التمريض المعاون له، وامتدت في بعض الحالات إلي اقتحام المستشفيات وتكسير الأجهزة، ويرتبط هذا التحفز بحالة من الشحن الاعلامي ضد الأطباء التي تبرر أحياناً بارتكاب خطأ طبي كحالة فردية نادرة تحدث هنا أو هناك ويتم النفخ في النار وسكب البنزين عليها إعلاميا، بل وأحياناً يكون الاستهداف الاعلامي سواء من وسائل الإعلام المختلفة أو من السوشيال ميديا بلا مبرر لمجرد تداول خبر عن تدني نسب النجاح في الفرقة الأولي بإحدي كليات الطب ليتم المتاجرة بالخبر بشكل يعكس حالة من الحقد الفئوي الذي يوجه غالباً إلي نجوم الفن والمجتمع ولكن لكل نابه ومتفوق نصيب من هذا الحقد والاستهداف الذي ينعكس علي عدم وجود الأمان الوظيفي والمهني ليمارس الطبيب الشاب عمله محاصرا ما بين مخاوف من هذا الاستهداف من ناحية وتدني إمكانيات التدريب وممارسة العمل من ناحية أخرى، ناهيك عن التسلط وتعدد الجهات الرقابية التي تتعامل أحياناً بنظرية الطبيب متهم حتي تثبت براءته أو الطبيب المخطئ قاتل وقاتل عمد حتي يثبت العكس.
ومن جانبنا كصحفيين طالما طالبنا بتفعيل مبدأ ( النقابة وليس النيابة) بمعني أن لنا نقابة تحاسب المخطئ لأنه لا يوجد عمل بشري بلا أخطاء، وهو نفس ما يطالب به الأطباء في كل أزمة ولكن علي ما يبدو لم تفلح هذه المطالبات بدليل الأرقام التي تؤكد أن المعدل العالمي هو ٢٣ طبيب لكل ١٠ آلاف مواطن بينما وصل الأمر في مصر الولادة إلي أن يكون ٨ أطباء فقط لكل ١٠ آلاف مواطن أي ما يعادل ثلث المعدل العالمي، ولا تحتاج الأرقام إلي تعليق سوي عبارة سؤال صريح هو هل يستطيع أي مجتمع العيش بلا طبيب يعالج المرضي ويداوي الجراح، أم أن الأكفاء سوف يرحلون لما تقدمه لهم دول العالم من امتيازات واغراءات ولن يتبقي لنا إلا دفعات لم ينجح أحد.