مساحة إعلانية
لقرون طويلة إعتاد الإنسان أن يفسر الظواهر الناتجة عن التغيرات المناخية بإعتبارها ظواهر طبيعية، واستمر ذلك حتى العقد الأخير من القرن العشرين، حيث لم تكن هناك قناعة بمدى الارتباط بين ظواهر التغير فى المناخ كالارتفاع فى معدل درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار من جانب والأنشطة البشرية والتى نتج عنها غازات سببت تغير فى مكونات الغلاف الجوى لكوكب الأرض من جانب آخر، ولكن الأدلة التى أظهرتها تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أكدت على أن الأنشطة البشرية تسهم بدرجة كبيرة فى حدوث التغيرات المناخية، وأن المؤثر الرئيسى فى هذه التغيرات يتمثل فيما يسمى بظاهرة الاحتباس الحرارى الناتجة عن التراكم السريع للغازات الدفيئة منذ بداية عصر الصناعة.
وفى شهر سبتمبر من عام 2015 وقف الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى أمام منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة ليحذر الدول الغنية والمتقدمة من نتائج التوسع فى استخدام المحروقات من أجل أنشطة الصناعة والتجارة، موضحًا أن الدول الفقيرة تسهم بنصيب قليل من هذه الأنشطة ولكنها تدفع الفاتورة الأكبر، لأنها لا تمتلك القدرة على التعامل مع تداعيات التغيرات المناخية، وليس لديها الإمكانيات لتعالج وتواجه تأثيراتها السلبية على حياة الناس.
وعلى ذكر التأثير المباشر على حياة الناس، فيما يتعلق بمصر تحديدًا خرجت علينا مؤخرًا المتحدثة الإعلامية لهيئة الأرصاد الجوية لتؤكد أن الصيف الحالى يشهد موجات غير مسبوقة من إرتفاع درجات الحرارة تتجاوز المعدلات القياسية المتعارف عليها، ومع مطلع شهر أغسطس الماضي قالت إنه سيشهد أجواء من الحر والرطوبة لم تعرفها مصر على مدار تاريخها، وهى أمور باتت ملموسة بشكل واضح، ومع إنتهاء اغسطس جاء سبتمبر حاملاً أعاصير وعواصف جعلت التساؤلات تتحول إلى مخاوف من نوعية كيف سيكون شكل شتاء ٢٠٢٤ في مصر ومنطقة شمال افريقيا التى شهدت مؤخراً الظواهر الطبيعية العنيفة.
وفى هذا السياق أشارت العديد من الدراسات إلى التداعيات السلبية المحتملة للتغيرات المناخية على كافة الموارد والقطاعات الاقتصادية كموارد المياه والأراضى الصالحة للزراعة والأراضى الساحلية والغابات والتجمعات السكانية وقطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والصحة.
وتأتى هذه التأثيرات نتيجة للعديد من المتغيرات المناخية أهمها تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وارتفاع منسوب سطح البحر وتناقص الغطاء الجليدى وحدوث الكوارث المناخية المتطرفة كالفيضانات والجفاف والأعاصير.
وفيما يتعلق بحياة الناس ويؤثر على غذائهم بشكل مباشر، تعتبر الزراعة من القطاعات الأكثر تعرضا لخطورة التغير المناخى، فالقطاع الزراعى هو الأكثر تأثرا بظواهر التغيرات المناخية من تغير درجات الحرارة ومعدلات وأماكن هطول الأمطار وما قد يصحبها من جفاف أو فيضانات، بالإضافة إلى زيادة معدلات التصحر وتأثير ارتفاع منسوب سطح البحر على تآكل الأراضى الزراعية وارتفاع درجات الملوحة بها، ومن هنا تأتى العلاقة بين التغيرات المناخية والأمن الغذائى والتأثيرات المتلاحقة على تأمين حق الإنسان فى الغذاء، إذ أشار التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى خطر انعدام الأمن الغذائى وانهيار النظم الغذائية خصوصا للسكان الأكثر فقرا نتيجة لعوامل مناخية كالجفاف والفيضانات وارتفاع درجات الحرارة وتقلبات هطول الأمطار، ومن المحتمل أن تتأثر جميع أوجه الأمن الغذائى بتلك التداعيات المحتملة لتغير المناخ.
وفيما يتعلق بمصر التى درسنا أن موقعها الجغرافي يمنحها مناخ معتدل ومتميز، جاءت الدراسات الحديثة لتكشف أن قضية التغيرات المناخية تعد بالنسبة لمصر أكثر تعقيدا، حيث تقع مصر فى المنطقة القاحلة وشبه القاحلة من العالم، والتي قد أفاد التقرير التقييمى الخامس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أنها الأكثر عرضة لتغير المناخ، ومن ثم تصنف مصر حالياً بأنها واحدة من خمس دول على مستوى العالم هى أكثر الدول المحتمل تعرضها للآثار السلبية للتغيرات المناخية، وذلك بالرغم من أن انبعاثات مصر من غازات الاحتباس الحرارى المسببة للتغير المناخى لا تمثل سوى 0.71% فقط من إجمالى انبعاثات العالم لعام 2019، وهو ما يؤكد على الفكرة التى طرحها " السيسى" أمام الأمم المتحدة حول تحمل الفقراء فاتورة ما يرتكبه الأغنياء من جرائم تلويث البيئة وتغيير المناخ.
ولأننا فى مصر نؤمن بالمثل الشعبى الشهير" عض قلبى ولا تعض رغيفى"، يشكل التغير المناخى تحديا هاما جديدا يضاف إلى التحديات الراهنة.
وعلى خلفية ذلك يؤكد الخبراء أنه مثلما جاء الصيف شديد الحرارة بشكل غير مسبوق يتوقع أن يكون شتاء ٢٠٢٤ قارس البرد بل وستشهد مصر ظواهر مناخية متطرفة تصل إلى حد السيول والأعاصير بسبب الاحتباس الحراري وذوبان الجليد، ناهيك عن سيناريو مناخى يحمل نهار حار أو دافئ وليل قارس البرد، على غير المعتاد في مصر خاصةً مع اختفاء فصلي الربيع والخريف وبقاء الشتاء القارس والصيف القاتل، ويمتد تأثير هذه الظواهر المناخية العنيفة على حياة الناس متمثلاً في تراجع الإنتاجية الزراعية، الموارد المائية، التأثير المتوقع لارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الساحلية، وارتفاع معدلات التصحر،
أما الحلول فتدور في فلك توسيع رقعة المساحات الخضراء والاهتمام بمشروعات الصوب الزراعية واستصلاح الأراضي وتحلية المياة، وهو ما تتجه إليه الدولة المصرية وتحققه حالياً ومنذ فترة تحرز في هذا الاتجاه خطوات سريعة وقوية.