مساحة إعلانية
* صفقات السلاح لم تعد وحدها على رأس القائمة وأسباب إلغاء قرار بايدن بشأن اليمن.
* الخلايجة يتطلعون إلى الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات الأمريكية.
* إيران تنتظر المزيد من المساومات وتركيا لها نصيب من تورتة إعادة إعمار غزة ومصر تتمسك بحل الدولتين.
كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو أول رئيس للبيت الأبيض يستهل فترة ولايته الأولى بزيارة المملكة العربية السعودية، مخالفاً ما اعتاد عليه سابقوه من بدء فترات حكمهم بزيارة بريطانيا أو كندا أو المكسيك، ولكن لأنه مختلف عن الجميع فقد استهل فترة ولايته الأولى بزيارة السعودية ثم استهل الثانية بإطلاق تصريحات عدائية استفزت كلا من كندا والمكسيك ولم يبد اهتماماً بالمملكة المتحدة حليفة بلاده التاريخية، وكان ينتوى تكرار زيارة السعودية لتكون أولى محطاته الخارجية لولا وفاة بابا الفاتيكان التى اضطرته إلى أن تكون أولى زياراته لتشييع جنازة البابا فرنسيس، ولكنه استهل فترة رئاسته الثانية بالحديث عن المملكة السعودية بجرأة تتسق مع طبيعته العفيجية من ناحية ومع إبداء رغبته في إنقاذ اقتصاد بلاده المترنح من ناحية أخرى، حيث تواصل هاتفياً مع الأمير محمد بن سلمان ولى العهد السعودي مطلع العام الجاري - في يناير ٢٠٢٥- وخلال الاتصال أكد له بن سلمان أن السعودية تعتزم استثمار نحو ٦٠٠ مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية على مدار ٤ سنوات، وإذا بترامب يعلن بكل جرأة أن هذا الرقم لا يكفي وأنه يريد تريليون دولار ويتطلع إلى مزيد من الصفقات المتعلقة بالمعدات العسكرية.
ولأن الشعارات البراقة والقرارات العنترية لا تصنع اقتصادا فقد رفع ترامب منذ اليوم الأول شعار ( أمريكا أولا) واتخذ قرارات اقتصادية اعتقد أنها في مصلحة تشجيع التصنيع المحلى لبلاده تتمثل في فرض رسوم جمركية كبيرة على الواردات إلى السوق الامريكي، وهو ما أربك حركة التجارة العالمية وافقد العالم الثقة في الاقتصاد الأمريكي.
وعلى صعيد صفقات السلاح أتخذ ترامب خطوة توقيع اتفاقية مع جماعة الحوثيين في اليمن تقضى بعدم تحرشهم بالسفن الأمريكية حال مرورها بقناة السويس، ثم أطلق تصريحات استفزت الجانب المصري حول أحقية تلك سفن بلاده في المرور بالقناة دون دفع رسوم وهو تصريح أثار سخرية الجميع، وأكد الخبراء والمحللون أنه كلام لا يستحق الرد عليه.
وعلى ذكر الأوضاع في اليمن وأزمة جماعة الحوثيين مع السعودية، كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن عام ٢٠٢١، ينص على إيقاف بيع الأسلحة الهجومية للرياض، على خلفية مخاوف بشأن الهجمات التي تشنها المملكة على اليمن، ولكن عاد بايدن واستأنف صفقات السلاح ليس فقط لأن الحرب في اليمن قد انتهت، ولكن لأن واشنطن تحتاج دعم الرياض لموقف أمريكا الداعم لإسرائيل وكذلك تحتاج أموال البترودولار في إعادة إعمار غزة لأن أى معركة لابد أن تنتهي على مائدة المفاوضات ثم يتقاسم الجميع كعكة إعادة الإعمار، التى تتطلع إليها أيضاً إيران الداعم الأول للحوثيين في اليمن ولحركة حماس الفلسطينية في القطاع، كما تتطلع تركيا أيضاً للفوز بنصيب لم يخفيه ( ترامب) حين أدلى بتصريحات هنأ فيها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على ما أسماه ( الحصول على سوريا) التى تركتها لهم إيران حين تخلت عن بشار الأسد وتركت نظامه يسقط، ومازالت طهران تنتظر المقابل.
ولعل ترامب نفسه لا يعلم أن ممالك ودول النفط لم تعد تهتم كثيراً بصفقات السلاح ولا الاستثمارات البترولية، ولكنها تتطلع إلى بناء قدرتها من الذكاء الاصطناعي والحصول على التكنولوجيا الأمريكية المعروفة بتكنولوجيا أشباه الموصلات المتطورة، لأنها تتجه إلى تنويع الاقتصاد وعدم الاكتفاء بالنفط كما تتطلع إلى إقامة علاقات متوازنة مع جميع الأقطاب الإقليمية والدولية بما فيها إيران وروسيا والصين وغيرها، وبالتالي لم تعد تخشى إيران ولا تنتظر السلاح الأمريكى كمصدر وحيد للتسليح.
وفي هذا السياق يتوقع الخبراء أن تجذب أمريكا استثمارات خليجية صخمة في مجالات التكنولوجيا المتطورة، ومن ثم استبق ترامب الزيارة بأن ألغى قراراً آخر كان قد اتخذه بايدن بوضع قيود على تصدير الرقائق الإلكترونية الأمريكية إلى ١٢٠ دولة من بينها دول الخليج التى تحتاج إلى هذه الرقائق لبناء قدرتها في مجال الذكاء الاصطناعي، وتهتم بالوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية.
وإذا كانت العلاقات الاقتصادية بين أمريكا ودول الخليج تتعلق باستثمارات متبادلة ما بين اثرياء النفط من ناحية ومستثمرى وول ستريت ووادى السيلكون من ناحية أخرى، فإن التفاهمات السياسية ليست ببعيدة عن الجانب الاقتصادي لأنه في الوقت الذي تتمسك فيه الدول العربية وفي القلب منها مصر والسعودية بتسوية القضية الفلسطينية بما يضمن حق عودة أهالى غزة إلى أراضيهم بعد وقف إطلاق النار ثم البدء في إعادة الإعمار، يحتاج ترامب إلى أن يقدم لحليفه وصديقه بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية صيغة تسوية تتسق مع متطلبات الداخل الإسرائيلي وتحقق إنهاء للحرب بشكل يتفادى تصاعد الانتقادات والاتهامات الموجهة إلى حكومة نتنياهو على الأصعدة الإسرائيلية والإقليمية والدولية، ففى الوقت الذى تتمسك فيه مصر بحل الدولتين لا يجرؤ نتنياهو على تقديم هذا الطرح إلى الشارع الإسرائيلي الغاضب من سياساته والذي يتوعده شخصياً بالاقالة والمحاكمة، ومن ثم تدور المفاوضات حول إيجاد حل وسط وصيغة ترضى أكبر عدد من الأطراف.