مساحة إعلانية
في احدي قري محافظة الفيوم ولد محمد المولود الأول لأسرته وكانت فرحة امه به كبيرة تخاف عليه "من الهوا الطاير" كما يقال ومن شر حاسد اذا حسد.. لدرجة انه هو الآخر تعلق بها يبادلها نفس الحب والمشاعر وكانت تحثه والدته علي الجد والاجتهاد وتتابعه في مذاكرة دروسه رغم أنها سيدة ريفية لم تحصل إلا علي شهادة محو الأمية. محمد كان ينتظر والدته كل اثنين عندما تذهب إلى السوق لإحضار التسويقة وكانت فرحته كبيرة بانتظار والدته على المصطبة حتى عودتها من السوق حيث يقابلها ويساعدها في وضع "القفة "وتعطيه البوظة والسبح كعادتها ويجلس معها لتناول طعام الإفطار العيش والطعمية والطماطم والخيار والجرجير. كان يذهب مع والدته إلى الحقل لمساعدة ابيه في زراعة خمسة قراريط هي ملكهم الوحيد من الدنيا وكانت فرحته كبيرة عندما يركب علي الحمارة ومن خلفه والدته التي تحنو عليه وتقبل رأسه.
حينما كان بالمرحلة الاعدادية مرضت والدته ولم تقدر علي الذهاب الي السوق او العمل بالمنزل مما جعله يقوم بالعمل بدلا منها بالمنزل والتوجه إلى السوق ومعه شنطة صغيرة يحضر فيها العيش والطعمية والبوظة والسبح التي يعشقها ويحضر للمنزل ويطعم والدته والتي كانت مشفقة عليه وكانت توصيه بالجد والاجتهاد ونفسها "تشوفه طبيب " لعلاجها و علاج الناس الغلابة ووعدها محمد بتحقيق حلمها. محمد اثناء نومه استيقظ علي كابوس مرعب بأن والدته ماتت وظل يبكي واسرع الي والدته يقبل يدها ورأسها ويعطيها العلاج ويطعمها بيده وظل علي هذا الحال عاما كاملا حتي حصل علي الشهادة الإعدادية وكان الأول على مدرسته لتفرح به والدته فرحا كبيرا.
في يوم الاثنين توجه محمد إلى سوق القرية لإحضار التسويقة وأثناء دخوله المنزل شاهد والده يبكي فيسأله عن السبب ليرد عليه :
-امك ماتت بركة البيت ماتت
يبكي محمد ويدخل علي والدته الحجرة وينادي عليها ويقبل يدها ورأسها وأرجلها هخاطبا اياها :
- اصحي يا امه انا بحبك هعيش ازاي من غيرك.
ظل يبكي ويكلم في والدته لكنها لم ترد عليه ليقترب منه والده ويحتضنه ويطبطب عليه ويأخذه الى صالة المنزل ويتم تغسيل الجثة وأثناء خروجها من المنزل يبكي محمد وبنزولها القبر يطلب محمد من والده القاء النظرة الأخيرة علي امه داخل القبر ويعود مع ابيه لتلقي العزاء في والدته أمام المنزل والحزن يكسو وجهه لدرجة أنه لم يتناول الطعام إلا في اليوم التالي وكان يحرص على زيارة قبر أمه كل يوم وقراءة القرآن أمام قبرها. بعد عام من رحيل أمه وأثناء تواجده بالمنزل فوجئ بأبيه ومعه سيدة وطلب منه أن يسلم عليها قائلا له :" دي امك التانيه " ليرد عليه بعلو صوته : " انا مليش إلا أم واحدة زينب " خرج من المنزل مسرعا وتوجه الى قبر أمه وجلس يبكي في الوقت الذي خرج خلفه ابيه وعندما شاهده يبكي طبطب عليه وابلغه انه تزوج من أخرى لرعايتهما وانه امه لن يعوضها وقرأ القرآن معه امام قبرها ، ثم عاد به الى المنزل تقبل محمد الوضع خاصة بعد أن جاءت والدته له في المنام فرحه وتطلب منه معاملة أبيه وزوجته بكل الحب.
ظل محمد يذاكر ويسهر الليالي حتى يحقق حلم امه وبالفعل التحق بكلية الطب وأصبح معيدا فيها وتزوج من ابنة عميد الكلية وأنجب منها ثلاثة أطفال وكان يحرص على زيارة قبر أمه و يحكي لزوجته وأولاده اجمل الحكايات عن امه وخاصة عندما كانت تحضر التسويقة من سوق القرية وأنه كان عيدا بالنسبة له.
د. محمد اقام مسجدا بالقرية علي روح والدته وكان يحرص علي اصطحاب زوجته الطبيبة وتوقيع الكشف الطبي علي الأهالي واعطائهم العلاج مجانا.
د. محمد عندما توجه لزيارة أبيه بالقرية جلس معه على المصطبة التي تحمل له الذكريات الجميلة شاهد زوجة أبية عائدة من السوق تحمل القفة ليسرع بمساعدتها في انزالها ويبتسم لها ويقبل يدها ليبتسم والده ويجلس معهما ويزداد فرحا عندما تعطيه زوجه ابيه البوظة والسبح ويتذكر والدته التي كان يحبها من أعماق قلبه ويعطي لوالده وزوجته تذكرتان لأداء فريضة الحج بالأراضي المقدسة بعد ان تكفل بكافة المصاريف ليحتضنه أباه ويدعو له بكل الخير كعادته .