مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الزوجة التانية

2023-06-18 19:09:05 - 
الزوجة التانية
سعيد رفيع أديب مصري
منبر

منذ عشرين عاما حذرتني أمي من غرورها وسلاطة لسانها ، ولما رأت إصراري على الزواج منها ، نصحتني بأن أذبح لها القطة في ليلة الزفاف ، ولكني ضربت بنصيحتها عرض الحائط . لم يمض على زواجي منها بضعة أشهر حتى ظهرت على حقيقتها ، مغرورة وسليطة اللسان كما ذكرت أمي تماما ، بل جاهلة وضيقة الأفق رغم دراستها الجامعية ، لذا فمنذ تزوجنا وحياتنا تسير على وتيرة واحدة لا تتغير ، خصام .. صلح .. خصام .. صلح ، الأيام التي تمر علينا بلا عراك هي مجرد فترات هدنة قصيرة بين معارك متواصلة . وأسباب العراك تكون في العادة تافهة ، لا تستحق حتى مجرد العتاب ، ولكن محاسن لا تفوت الفرصة أبدا ، فإذا تأخرت ليلة واحدة خارج المنزل فأنا زوج غير مسؤول ، وإذا حصل الولد على درجات ضعيفة في المدرسة فالمسؤولية تقع علي وحدي .. لا على المدرسة .. ولا على حضرتها ، وإذا ضبطتني أتفقد الشعيرات البيضاء ، التي أخذت تتفجر من رأسي ، فتلك جريمة لا تغتفر ، أعاقب عليها بالسخرية والاستهزاء :  "إبنك بقى راجل .. وبنتك على وش جواز .. وحضرتك عاوز تفضل نونو ؟!" .
فقدت أي أمل في إصلاحها ، فهي لا تعترف بأخطائها أبدا ، ولا ترى في تصرفاتها السخيفة ما يستوجب التغيير ، لذا فكرت مرارا في الزواج من أخرى ، ولم يعطلني عن ذلك سوى العيال ، وخوفي من أن تشغلني عنهم إمرأتي الجديدة ، فتستغل أمهم الفرصة لتوغر صدورهم ضدي . زوجة جارنا عبد الرؤوف على العكس من زوجتي تماما ، فهي زوجة بمعنى الكلمة ، فرغم أنها أقل جمالا وتعليما من زوجتي ،  إلا أنها تفوقها رقة وذكاء ، فهي تجيد تدليل زوجها ، فتحايله إذا غضب .. وتسري عنه إذا ضاق صدره .. وبيتها واحة جميلة للإسترخاء .. فهو دائما نظيف .. مرتب .. لا تسمع فيه إلا الهمس ، حتى لا تؤذي الضوضاء الأستاذ عبد الرؤوف ، كما تعودت أن تناديه باحترام بالغ .
ورغم أنني شخصيا أكره عبد الرؤوف ، فلا أشك لحظة في كونه قليل الذوق ، إلا أن زوجته لا تكف عن الحديث عن ذوقه الرفيع ، على النقيض من زوجتي ، التي ترى في كل ما أشتري أو أرتدي دليلا مؤكدا على فساد الذوق وسوء الإختيار .
أسباب كثيرة تجعلني أنفر من جارنا عبد الرؤوف ، ربما لأنه فاز بزوجة مثالية ، وربما لأنه نجح فيما فشلت فيه ، أما غروره وإعجابه بنفسه فهما من أهم أسباب بغضي له ، فهو لا يكف عن التباهي أمامي بأنه رجل "حمش" ، وأنه ذبح القطة في ليلة الزفاف ، وأن زوجته تخشاه ، وتعمل له ألف حساب ، ولكن رغم بغضي له ، فقد أدركت متأخرا جدا أنه على حق ، وأن ما كان يردده عن ذبح القطة هو عين العقل .. فذبح القطة مرة واحدة ليلة الزفاف أفضل من أن يذبح الزوج ألف مرة بعد الزواج . لذلك رأيت أن من الحماقة أن أفوت الفرصة ، فتزوجت من فتاة تخطاها قطار الزواج ، فتاة جميلة ، بدت لي خجولة وغاية في الرقة ، وتم الزواج سرا ، لم أخبر أحدا به سوى بعض أصدقائي المقربين ، الذين أقاموا لي حفلا بهيجا بمناسبة الزفاف . وما أن انتهى الحفل ، وأوصد علينا باب الغرفة ، وتحررت العروس من أسر فستانها الأبيض ، حتى قاومت رغبتي الملحة في احتوائها بين ذراعي ، ولكني عدلت ، وتماديت في تجاهلها ، وأمرتها أن تأتيني بكأس من الماء البارد ، فلما استجابت لأمري ، تناولت الكأس ، وتحسسته بأصابعي .. ثم زعقت .. وتعمدت أن يخرج صوتي قويا وهادرا كزئير الأسد :  " الميه سخنة يا بجم " .. قلتها وأنا أقذف بالماء البارد على وجهها .. ثم ألقيت بالكوب إلى الأرض لتفترش شظاياه السجاده الأرجوانية .
بوغتت العروس ، وتتابعت أنفاسها بسرعة ، فانتابني شعور جارف بالإنتصار ، وانتظرت أن يغشى عليها ، أو أن تنهمر الدموع من عينيها ، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث ، اذ التقطت العروس منفضة السجائر ، وأطلقتها بكل قوة في الهواء ، فلم يعترضها سوى أنفي .. وقبل أن أفيق من ذهولي .. إرتجت الغرفة لصرختها المتوعدة : "بتدبح لي القطة يا ديك البرابـر ؟ .. أحمد ربنا إني اتجوزتك على ضرة" .

مساحة إعلانية