مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

الشاعر الدكتور مصطفى رجب :الشيخ شبكبك

2025-05-12 02:21:52 - 
الشاعر الدكتور مصطفى رجب :الشيخ شبكبك
الشاعر الدكتور مصطفي رجب
منبر

كان يرتدي بِدَلاً غربية لها جيوب خارجية وداخلية وسحرية ، وتتوزع هذه الجيوب في الجاكتات وتوابعها من الصديريات والبناطيل يمينا ويسارا وظاهرا وباطنا ، ولأننا نعرف في الشيخ حرصه الشديد على المال ، ونتوقع أن يكون استعماله لتلك الجيوب الكثيرة نادرا أو أقل من النادر ، فلم نكن نعبأ كثيرا بسؤاله عما عسى أن تحتويه تلك الجيوب ! فالشيخ في النهاية رجل مسالم غاية المسالمة ، طيب إلى آخر حدود الطيبة ، لا يزعجنا منه إلا صوته الميكروفوني المتدفق ، فحين نكون جالسين في مكاتبنا نتبادل الأراء في مسألة علمية في النحو مثلا أو في السياسة ، يقتحم جلستنا صوته الصاروخي هادرا ببيت من قصيدة يشرحها لطلابه .. وكثيرا ما كانت أبياته تلك تسرقنا مما نحن فيه من خلافات أو جدل ونتابع – متفقين أو مختلفين – شرحه للقصيدة .. فإذا عاد بالسلامة من درسه انكب على كوب شاي يصنعه لنفسه ولم يسأل عما يثور بيننا من خلافات حول شرحه الأبتر .
وحدث ذات مرة أن عزمنا عميد الكلية على طعام في الكلية لم يكن لي به عهد من قبل ، فقد كانت الجلسة كلها أرضية على بُسُط مفروشة ، وتتوسط المجلس أجسام جداء مشوية بحجمها الطبيعي !! 
وما أن بدأ الطعام وقال العميد : تفضلوا حتى انطلقت أكف رفاقنا جميعا تقتطع أكبر قطعة ممكنة من ورك جدي أو من صدره ، وبقيت حائرا ضاحكا مستغربا مما يفعلون .. وكان أكثرهم – مع خبراتهم السابقة – يعانون من تمليخ أجزاء الجداء وسحبها دون أن تصيب قطعها الطائرة آناف أحد من الغارقين !
وفجأة ...انتبهت لصاحبنا الشيخ شبكبك ... فوجدته قد أخرج من أحد تلك الجيووووب الخفية العميقة المنتشرة في بدلته مطواة " قرن غزال والله العظيم !!! " وفتحها بهدوء .. وكان يمر بها وقد خبأها وسط يده فيقتطع من الجداء المحمرة ما لا تصل إليه أيدي الآخرين الطائشة ، ثم وضع يده الأخرى فاستخرج في هدوء وحذر بالغين ، وتربص وحرص شديدين ، من أحد تلك الجيووووب الخفية العميقة المنتشرة في بدلته كيسا من البلاستيك يضع فيه تلك القطع التي اصطفاها من كرائم القطع الحُمْر ، فلما صار ما في ذلك الكيس قريبا من البطيخة في حجمه ، ستره وراء ظهره ، ليأخذه معه إذا انصرفنا من الحفل ، وأقبل بعد تأمين كيسه ذاك ، يأكل مما يأكل الناس لكن باستخدام مطواته التي تسهل له الحصول على ما يريد ...
مر هذا الشهر نحو خمس وأربعين سنة على تلك الواقعة ، لا أستطيع أن أنساها ، ولا أنسى ذكاء شيخنا في اقتناء مطواة لهذا النزال ، ولا أعرف إن كان مولانا مازال حيا " يرزع " أم أدركته رحمة الله ...

مساحة إعلانية