مساحة إعلانية
وصلتني رسالة تتساءل عن سر استعمال (ساجدين ) وهي للعاقل مع الكواكب والشمس والقمر في رؤيا يوسف عليه السلام .
معاملة غير العاقل معاملة العاقل:
تجيز اللغة أن يعامل غير العاقل معاملة العاقل ، ونحن هنا لا نتطرق إلى جماليات الأسلوب من حيث الاستخدام البلاغي الاستعاري وإنما نتحدث عن الاستعمال اللغوي من حيث كونه ظاهرة لغوية شاعت في لغة العربي فأكسبتها ثراء ومرونة .
ففي قوله تعالى ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [ يوسف/4] نجد الفرَّاء في كتابه "معاني القرآن" يقول تعقيباً على هذه الآية : " النون والواو تكونان في جمع ذُكْران الجن والإنس ، فإذا عَدَوْتَ هذا صار المذكر والمؤنث إلى التأنيب فيقال : الكباش ذبحتْ ، أو ذُبِحْن ولا يجوز يُذبحون ، وإنما جاز هنا لأنهم وصفوا بأفاعيل الآدميين ( أي السجود ) فما أتاك موافقاً لفعل الآدميين من غيرهم أجريته على هذا " .
وقال مكي بن أبي طالب في " مشكل إعراب القرآن " إعراباً لهذه الآية “ ساجدين : حال من الهاء والميم في " رأيتهم " لأنه من رؤية العين ، وإنما أخبر عن الكواكب بالياء والنون وهما لمن يعقل ( أي الياء والنون ) لأنه لما أخبر عنهما بالطاعة والسجود وهما من فعل من يعقل جرى " ساجدين " على الإخبار عمن لا يعقل إذ قد حكى عنها فِعْلَ مَنْ يعقل ” .
ومن ذلك أيضاً قوله تعالى ( يأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [ النمل/ 18 ] فإن الدخول من فعل الآدميين فلذلك جاز استخدام الأفعال والضمائر مع النمل كما تستخدم مع الآدميين .
وكذلك قوله تعالى ( أفمن يخلق كمن لا يخلق ؟ ) [ النحل /17 ] استخدمت فيه ( من ) التي لغير العاقل مع الأصنام وهي جمادات . وهذا من باب التعميم حيث إن الخالق سبحانه وتعالى لما ميز من لا يخلق وجعله مع الخالق ، استخدم له من اللغة ما يستخدم مع الخالق . ومنه قوله تعالى ( فمنهم من يمشي على بطنه ) [ النور/45 ] والحديث هنا عن الدواب والمخلوقات على اختلاف أنواعها فاستخدام ( من ) معها هو من باب قول العرب الذي أورده اللغويون " اشتبه عليّ الراكب وحمله فما أدري ذا من ذا " حيث جمعوهما وأحدهما إنسان فصلحت ( من ) مع الجميع .
ومنه أيضاً قوله تعالى ( أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ) [ الزخرف/45] ، قال الفَرَّاء " لم يقل تعبد ولا يعبدن لأن الآلهة تكلم ويدعى لها وتعظم فأجريت مجرى الملوك والأمراء وما أشبههم ، ومثله( أروني ماذا خلقوا )[الأحقاف/4 ] والحديث عن الأصنام .