مساحة إعلانية
مما قيل عن التأريخ لتتابع بعض الفنون الشعبية الشهيرة ، ( و عن القوّالين الشعبيين : " الكَـشّاك ، و الأدباتى ، والزجال ، و شاعر الحلمنتيشى ، وشاعر العامية ، والذين من أشهرهم الشاعرالأنبوطى ، و الشاعر عبد الله النديم ، والشاعر حسين شفيق المصرى " ) قول بعضهم : الكَـشّاك أسلمنا للأدباتى ، والأدباتى ، أسلمنا للـحلـمنتــيشى ، والحلمنتـيشى أسلمنا للزجل ، والزجل أسلمنا لشـعر العامية ..!
يقول الشاعـر حسين شـــفــيـق المــصــــرى :
ا لــحُــــبُّ أَ خْــــــــرَ جَ مُــــقْــــلَــــــــتِــى بِـــصُــــبَــا عِــــهِ
وَ أَ ذ ا بَ قَــــــــلْــــبِــىَ بِـا لـلـــــهِـــــيـــبِ بِــــتَــــــا عِــــــهِ
ســـــــا رَ ا لــــوَ ا بُــــــــو رُ إلــى بِــــــلا دِ أَ حِــــــبّـــتِـــــــى
يــا لَـــــيْــــــتَـــنِــى مُــــتَــــــشَـــعْــًــــبِـــــطٌ بِــــذِ ر ا عِـــــــه
*
هذا الشعر - أقول " الشعر " لأنه ليس نثرا ، فهو منظوم على بحر شعرى ، تعتمد موسيقاه ( فى كل شطر ) على التفعيلة " مُـسْتَـفْعِـلُـنْ ، وهى تفعيلة بحر الرجَز " ، مكرّرة ثلاث مرات ، (بأشكالها المختلفة والمسموح بها عروضيا ، وهو ما يسمى بالزحافات والعِلل ) - تعانقت فيها الألفاظ الفصحى والعامية . . !
و تجب الإشارة إلى أن هذا الفنّ ، هو فنّ له قواعد و أصول ، وأما ما يكتبه - حديثا - مجموعة من الهواة ، الذين ليس لهم دراية بقواعد هذا الفن وأصوله ، وينسبونه -زُورًا - إلى هذا الفن العريق ، فهو مجرّد "شخبطة " ليس إلا- وعلى وسائل الإعلام أن تتـنبّه لذلك ، لتحمى الفنون القولية من آفات التشويه ، فالناشئة تستقى ممّا يطرحه الإعلام ، وتتعلّم منه . .
و الألفاظ اللهجية -أى العامية - استُعمِلت مُعرَبة - كما لو كان تمّ تفصيحها ، إذا جاز التعبير ، أى أخذت أواخرها علامات الإعراب المعروفة فى النحو ، مثل الألفاظ الفصحى تماما ، وذلك فيما يسمّى (بالشعر "الحلمنتيشى" ) الذى ابتدعه الشاعر حسين شفيق المصرى و رفاقه . . يقول د. محمد رجب البيومى (نحن نعرف أن الأستاذ " المصرى" لم يكن وحده هو الكوكب الساطع فى هذا الأفق ، - ويكمل - و هذا اللون من الشعر قد صاغه قائلوه ليرْوِيه المثقف والأمّى معا ، إذ كان له تغلغُل فى نفوس البسطاء ممن لا يستطيعون الارتقاء إلى أوج شكرى ومطران و العقاد ، من كبار شعراء التجديد )
أما د. مصطفى رجب -وهو واحد من كبار شعراء مبدعى هذا الفن ، وله (ديوان باسم "الحلمنتيشى" ) و له دراسة موسعة بعنوان ( الشخصية المصرية والشعر الحلمنتيشى ) فى مطبوع صدّره بمبحث وافٍ حول هذا الفن - يقول د. مصطفى رجب: " وفى تصوّرنا أنّ هناك خصائص تميّز الشعر الحلمنتيشي عن غيره ، منها : أنه يعارض القصائد المشهورة ، فيبدأ بنفس مطلع تلك القصيدة ، ثم التخلص إلي الغرض الجديد في تلقائية وعفوية ، والابتعاد عن الألفاظ المبتذلة والبذيئة ، واستعمال الكلمة العامية معربة ً كما لو كانت فصحي ، وإلزام الكلمة الفصحي السكون لضرورة مجاورتها للكلمة العامية أحياناً ، خلافاً لقواعد النحو ، و التوسع في استخدام الضرورات الشعرية واختلاق ما يشبه القواعد النحوية الفكاهية ، وأخيراً ترشيد أغراض الشعر الفكاهي بحيث يتناول قضايا المجتمع بدلاً من الطابع الشخصي الذي كان سائداً في الشعر الغزلي .. ! "
و نعود إلى قصائد الشاعر حسين شفيق المصري ، التي أطلق عليها اسم "المُشَعْلقات " ، هي قصائد من " الفن الشعري الحلمنتيشي "والتي كُتِبت علي غرار شكل القصائد القديمة - في العصر الجاهلي - و التي أ سموْ ها "المعلّقات" ، ( لاحظ أن كلمة المشعلقات هي اللفظ الشعبي أو العامي لكلمة المعلّقات الفصيحة ، كان قد نحَتَ الشاعر هذا اللفظ نحْتا ) وكانت كل "مشعلقة " تُكتَب علي نفس البحر الشعري للمعلقة التي تعارضها ، وبنفس القافية أيضاً ، ولكنها تختلف عنها في الغرض الشعري ، و " حسين شفيق المصري " لم يقف عند حد معارضة المعلقات الجاهلية، بل عارض قصائد شهيرة أخري ، وأحيانا كان يكتب بعض قصائده على غير مثال موجود ، ومنه البيتان اللذان افتتحنا بهما هذا المقال ..!!
(واستُعملت كلمة " معارضة " هنا مجازًا ، فمدلولها يختلف عن معناها الذى نعلمه فى القديم ، فمعارضة البوصرى لقصيدة كعب بن زهير ، ومعارضة شوقى للبوصيرى - فى نهج البر دة - تتوفر لها مدلولات المعارضة لديهم ، من حيث الالتزام باللغة ، والبحر الشعرى ، والقافية ، والغرض الشعرى)
وقد لاقت " المشعلقات " إعجاباً كبيراً من عُشّاق هذا الفن الساخر المتميز ، والذي كان حسين شفيق المصري - بحقّ- شيخ طريقته ، وفارسه الذي لا يُشَقّ له غبار- كما يقال - ، ففي المشعلقة الثانية التي يعارض بها معلّقة زهير بن أبي سلمي والتي يقول مطلعها :
أ مِن أُم ّ أوْ فَــي دمْـــنَـةٌ لـم تَٓـكَـلَّمِ
بِـحَــــوْ مانةِ الـــدَرّاج فالـمُـتــثَـلّم ِ
يقول حسين شفيق المصري
أ مِن ( أُ مّ فتحي ) سِـنّـةٌ لَـم تَـطَــرّ مِ
بطَرْ طُـوفَةِ الكرباج تـطـلـــعُ بالــد مِ
و جُــرْ ح لـها بالـشّــفَّـتَـــيْـن كأ نّـــه
طُمَـا طـمَـةٌ في وجْهِـها المـتَـخرْ شِـمِ
و جَرْ جَرْ تُها من بَعد عشرين رفْــسَــة
و لولا لحِــقْنِي النا سُ كانت حا تِعْدَ مِ
*
وفي معارضته لمعلقة النابغة الذبياني التي يقول مطلعها :
يا دارَ مَـيّـــة َ بالـعـلْـياءِ فـالـسّـنَـدِ
أ قْوَ ت وطال علـيها سا لِـفُ الأمَـدِ
يقول حسين شفيق المصري في مشعلقته التاسعة :
راحُـوا لِـبَـيْــعِ نَحاس الـبـيت تَــكْـمِـلـةً
لأُ جْــرْ ةِ التّـــخْتِ غَــنّي لَـــيـلةَ الأحــدِ
بَــقَى كِدَا .. وكَـــمـانــي لِـــسَّــة ٌ فَــرَ ح ٌ
و زَ فَّـــة ٌ بَــعـدَها لا شَك ّ في نَـكـــدِ
إ خْـصٌ علي الفرَ ح اللـي بـعـد لَـيْـلـــتِـه
تُصابُ عَـيـنُـك - بـعد اللــطْــمِ - بالـرَّ مَـدِ
ر مَـيْـتَ ألْـــفَ جُـنَـيْه أ مْس عـن سَـــفَـهٍ
و لو طلـبْتَ الرّ يــال َ - اليومَ - لم تَـــجِـــدِ
*
وعارض قصيدة ابن زيدون - وهي ليست من المعلّقات - التى يقول مطلعها :
أضْحَي التنائي بديلاً من تدانــينا
وناب عن طيبِ لُقْيانا تجا فــــينا
يقول حسين شفيق المصري :
هَـجَـرْ تُـمُـونَـا لأنّ المــال خا صَـــمَــنَــا
و غاب عَـنّـا فَـغِــبْـتُم إ نْــتُــو رُخْرِ يــنا
إنّ الجُـنَـيْـه هُـوَ المـحبُــوبُ لا كَــحَـل ٌ
في العيْنِ أو حُمْــرَ ةٌ في الخـدّ .. يا أخِـيـنـا
