مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث / عبد الستار سليم: "مشعلقات" حسين شفيق المصري

2024-08-11 01:21 AM - 
الشاعر والباحث / عبد الستار سليم: "مشعلقات" حسين شفيق المصري
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

 مما قيل عن التأريخ لتتابع بعض الفنون الشعبية الشهيرة  ، ( و عن القوّالين  الشعبيين  :  " الكَـشّاك ، و الأدباتى ،  والزجال ،  و شاعر الحلمنتيشى ، وشاعر العامية ، والذين من أشهرهم  الشاعرالأنبوطى ، و الشاعر عبد الله النديم ، والشاعر  حسين شفيق المصرى " )  قول  بعضهم :  الكَـشّاك  أسلمنا للأدباتى ، والأدباتى ،  أسلمنا للـحلـمنتــيشى ، والحلمنتـيشى أسلمنا  للزجل ، والزجل أسلمنا  لشـعر العامية  ..!

يقول   الشاعـر     حسين شـــفــيـق المــصــــرى  :

ا لــحُــــبُّ  أَ خْــــــــرَ جَ   مُــــقْــــلَــــــــتِــى   بِـــصُــــبَــا عِــــهِ

وَ  أَ ذ ا بَ   قَــــــــلْــــبِــىَ  بِـا لـلـــــهِـــــيـــبِ  بِــــتَــــــا عِــــــهِ

ســـــــا رَ   ا لــــوَ ا بُــــــــو رُ   إلــى  بِــــــلا دِ   أَ حِــــــبّـــتِـــــــى

يــا  لَـــــيْــــــتَـــنِــى  مُــــتَــــــشَـــعْــًــــبِـــــطٌ   بِــــذِ ر ا عِـــــــه 

*

هذا الشعر  - أقول " الشعر " لأنه ليس نثرا ، فهو منظوم على بحر شعرى ، تعتمد  موسيقاه ( فى كل شطر ) على التفعيلة " مُـسْتَـفْعِـلُـنْ ، وهى تفعيلة بحر الرجَز " ، مكرّرة  ثلاث مرات ، (بأشكالها المختلفة والمسموح بها عروضيا ، وهو ما يسمى بالزحافات والعِلل ) - تعانقت فيها الألفاظ الفصحى والعامية . . ! 

و تجب الإشارة إلى أن هذا الفنّ ، هو فنّ له قواعد  و أصول ، وأما  ما يكتبه - حديثا - مجموعة من الهواة ، الذين ليس لهم دراية بقواعد هذا الفن وأصوله  ، وينسبونه -زُورًا -  إلى هذا الفن العريق ، فهو مجرّد "شخبطة " ليس إلا-  وعلى  وسائل الإعلام أن تتـنبّه لذلك ، لتحمى الفنون القولية من آفات التشويه ، فالناشئة تستقى ممّا يطرحه الإعلام ، وتتعلّم  منه . .
و الألفاظ اللهجية  -أى  العامية - استُعمِلت  مُعرَبة - كما لو كان تمّ تفصيحها ، إذا جاز التعبير ، أى  أخذت أواخرها علامات الإعراب المعروفة فى النحو ، مثل الألفاظ الفصحى تماما ، وذلك  فيما يسمّى (بالشعر "الحلمنتيشى" ) الذى ابتدعه الشاعر حسين شفيق المصرى و رفاقه . .  يقول د. محمد رجب البيومى  (نحن نعرف أن الأستاذ " المصرى" لم يكن وحده هو الكوكب الساطع  فى هذا الأفق ، - ويكمل - و هذا اللون من الشعر قد صاغه قائلوه ليرْوِيه المثقف والأمّى معا ،  إذ كان له تغلغُل فى  نفوس البسطاء ممن لا يستطيعون الارتقاء إلى أوج شكرى ومطران و العقاد ، من كبار شعراء التجديد )  

أما  د. مصطفى رجب -وهو واحد من كبار شعراء مبدعى هذا الفن ، وله (ديوان  باسم "الحلمنتيشى" ) و له دراسة موسعة بعنوان ( الشخصية المصرية والشعر الحلمنتيشى ) فى مطبوع  صدّره بمبحث وافٍ  حول هذا الفن - يقول د. مصطفى رجب: "  وفى تصوّرنا  أنّ هناك خصائص تميّز الشعر الحلمنتيشي عن غيره ، منها : أنه يعارض القصائد المشهورة ، فيبدأ بنفس مطلع تلك القصيدة ، ثم التخلص إلي الغرض الجديد في تلقائية وعفوية ، والابتعاد عن الألفاظ المبتذلة والبذيئة ، واستعمال الكلمة العامية معربة ً كما لو كانت فصحي ، وإلزام الكلمة الفصحي السكون لضرورة مجاورتها للكلمة العامية أحياناً ، خلافاً لقواعد النحو ، و التوسع في استخدام الضرورات الشعرية واختلاق ما يشبه القواعد النحوية الفكاهية ، وأخيراً ترشيد أغراض الشعر الفكاهي بحيث يتناول قضايا المجتمع بدلاً من الطابع الشخصي الذي كان سائداً في الشعر الغزلي .. ! "

و نعود  إلى قصائد الشاعر حسين شفيق المصري ، التي أطلق عليها اسم "المُشَعْلقات " ، هي قصائد من " الفن الشعري الحلمنتيشي "والتي كُتِبت علي غرار شكل  القصائد القديمة - في العصر الجاهلي - و التي أ سموْ ها "المعلّقات" ، ( لاحظ أن كلمة المشعلقات هي اللفظ الشعبي أو العامي لكلمة المعلّقات الفصيحة ، كان قد نحَتَ الشاعر هذا اللفظ نحْتا ) وكانت كل "مشعلقة " تُكتَب علي نفس البحر الشعري للمعلقة التي تعارضها ، وبنفس القافية أيضاً ، ولكنها تختلف عنها في الغرض الشعري ، و  " حسين شفيق المصري " لم يقف عند حد معارضة المعلقات الجاهلية، بل عارض قصائد شهيرة أخري ، وأحيانا كان يكتب بعض قصائده على غير مثال موجود ، ومنه البيتان اللذان افتتحنا بهما هذا المقال ..!! 
(واستُعملت  كلمة " معارضة " هنا  مجازًا ، فمدلولها يختلف عن معناها  الذى نعلمه  فى القديم ، فمعارضة  البوصرى  لقصيدة كعب بن زهير ، ومعارضة شوقى  للبوصيرى - فى نهج البر دة - تتوفر لها مدلولات المعارضة  لديهم ، من حيث الالتزام   باللغة ، والبحر الشعرى ، والقافية ، والغرض الشعرى)

وقد لاقت " المشعلقات " إعجاباً كبيراً من عُشّاق هذا الفن الساخر المتميز ، والذي كان  حسين شفيق المصري  - بحقّ- شيخ طريقته ، وفارسه الذي لا يُشَقّ له غبار- كما يقال - ، ففي المشعلقة الثانية التي يعارض بها معلّقة زهير بن أبي سلمي والتي يقول مطلعها :

أ مِن أُم ّ  أوْ فَــي  دمْـــنَـةٌ   لـم تَٓـكَـلَّمِ
بِـحَــــوْ مانةِ   الـــدَرّاج    فالـمُـتــثَـلّم ِ

يقول حسين شفيق المصري

أ مِن ( أُ مّ فتحي ) سِـنّـةٌ   لَـم تَـطَــرّ مِ
بطَرْ طُـوفَةِ الكرباج  تـطـلـــعُ   بالــد مِ
و جُــرْ ح لـها   بالـشّــفَّـتَـــيْـن كأ نّـــه
طُمَـا طـمَـةٌ   في وجْهِـها المـتَـخرْ شِـمِ
و جَرْ جَرْ تُها من بَعد  عشرين  رفْــسَــة
و لولا لحِــقْنِي النا سُ كانت  حا   تِعْدَ مِ
*

وفي معارضته لمعلقة النابغة الذبياني التي يقول مطلعها :

يا دارَ   مَـيّـــة َ بالـعـلْـياءِ فـالـسّـنَـدِ
أ قْوَ ت وطال علـيها  سا لِـفُ   الأمَـدِ

يقول حسين شفيق المصري في مشعلقته التاسعة :

راحُـوا   لِـبَـيْــعِ   نَحاس الـبـيت تَــكْـمِـلـةً
 لأُ جْــرْ ةِ التّـــخْتِ غَــنّي لَـــيـلةَ    الأحــدِ
بَــقَى كِدَا .. وكَـــمـانــي لِـــسَّــة  ٌ  فَــرَ ح ٌ
و   زَ فَّـــة  ٌ بَــعـدَها   لا شَك ّ   في  نَـكـــدِ
إ خْـصٌ  علي الفرَ ح اللـي بـعـد   لَـيْـلـــتِـه
تُصابُ عَـيـنُـك - بـعد اللــطْــمِ - بالـرَّ مَـدِ
ر مَـيْـتَ ألْـــفَ جُـنَـيْه أ مْس عـن  سَـــفَـهٍ
و لو طلـبْتَ الرّ يــال َ - اليومَ - لم تَـــجِـــدِ
*
وعارض قصيدة ابن زيدون - وهي ليست من المعلّقات - التى يقول مطلعها :

أضْحَي التنائي بديلاً من تدانــينا
وناب عن طيبِ لُقْيانا تجا فــــينا

يقول حسين شفيق المصري :

هَـجَـرْ تُـمُـونَـا  لأنّ  المــال خا صَـــمَــنَــا
و غاب  عَـنّـا  فَـغِــبْـتُم  إ نْــتُــو   رُخْرِ يــنا
إنّ الجُـنَـيْـه  هُـوَ  المـحبُــوبُ  لا   كَــحَـل ٌ
في العيْنِ أو حُمْــرَ ةٌ في  الخـدّ .. يا أخِـيـنـا

مساحة إعلانية