مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث / عبد الستار سليم يكتب:العصر العباسي وتحول شكل القصيدة العربية

2025-01-27 12:24 AM - 
الشاعر والباحث / عبد الستار سليم يكتب:العصر العباسي وتحول شكل القصيدة العربية
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

إذا كان الشعر قد بدأ  - من حيث الشكل - قصيدة عمودية اعتمدت البيت الشعري كوحدة بنائية لها ، هذا البيت الشعري المموسق ، أي المعتمد علي موسيقي (موسيقي البيت الشعري نوعان : موسيقي داخلية تُعني بفنون البديع ، وتسمي موسيقي النظم ، ويشخصها جانبان مهمان ، وهما اختيار الكلمات وترتيبها من جهة ، ثم المشاكلة بين أصوات هذه الكلمات والمعاني التي تدل عليها من جهة أخري .. وموسيقي خارجية تسمي بموسيقي العروض ، وهي تتمثل في تتابع التفعيلات الشعرية المعتمدة علي توالي الحركات والسكنات في نسق بعينه ، والتي هي قوام ما يسمي بالبحور الشعرية) . 
والبيت الشعري ينتهي بما يسمي بقافية القصيدة ، لذا أطلقوا علي هذا الفن القولي لفظ "الشعر الموزون المقفي" ، دام ذلك بدءًا بالعصر الجاهلى ، ثم عصر صدر الإسلام   ، يليه العصر الأموى 
ونستطيع أن نقول إن العصر العباسي كان هو بداية التحول الشكلي في فن القصيدة ، حيث كثر استخدام مجزوءات البحور ،  و مشطوراتها ، و منهوكاتها، (مجزوء البحر الشعري ينتج عن حذف التفعيلة الأخيرة من كل شطر  في البيت ، والمشطور هو ما أخذ فيه شطر  البيت فقط ، ليصبح  ذلك الشطر بمثابة البيت الشعري ، لذا تُكتب الأشطر رأسيا  ، ولها نفس القافية ، و أما  المنهوك فهو ما حُذف ثلثا كل شطر فيه ، فحينما يكون في الشطر الواحد ثلاث تفعيلات ، تتبقّى تفعيلة واحدة فى كل شطر ) ..
 كما حاولوا - أيضا -  قلب نظام الدوائر العروضية الخليلية
وخاض هذا الغمار شعراء كبار ، مثل بشار بن برد ، وأبي العلاء المعري  ، وأبي العتاهية ، وسُـئل أحدهم  - ذات مرة - "لم لا تلتزم العروض ؟ "   فردّ قائلا : "أنا أكبر من العروض"  .
كما ذهب التطور إلي أبعد من ذلك ، حيث بدأت رحلة اختلال نسق البحر الشعري ، وذلك باختلاف عدد التفعيلات في شطري البيت الشعري العمودى ،
وكذلك ظهر شعر المقطعات ( الثلاثيات ، والرباعيات ، والخماسيات ) ،  ونظام المزدوج ( أى اتفاق قافيتى شطرى  البيت الواحد ، وهو ما يسمّى بالتصريع) ، أما  فى قصيدة السطر  ، أو  " قصيدة التفعيلة "، (حيث حلّ "السطر الشعرى " محل "البيت الشعرى"  )، وفي هذا الشكل الشعري  غابت القافية أو  كادت ، واحتفظ الشعر -فقط - بالتفعيلة ، ثم - مؤخّرا - بلغ التغيير مداه ، فظهر ما يسمي بقصيدة النثر، التي تخلت أيضا حتي عن التفعيلة .
نعود إلي الأشكال الشعرية التي اختلف بناؤها الشكلي عن بناء القصيدة العمودية ، وهي الفنون الشعرية السبعة التي اتفق عليها النقاد قديما ، حسبما ذكر صفيّ الدين الحلّي في كتابه المتميز " العاطل الحالى " عن الفنون الشعرية الملحونة - والتي حصرها في الأنواع الأربعة وهي الزجل ، والقوما ، والكان وكان ، والمواليا (والذي نسميه نحن - هنا في مصر - بـ " الموّال ") .
كما ظهر فن الموشح في بلاد الأندلس ، (وقيل إن ظهور الموشحات يعتبر بمثابة أول ثورة حقيقية علي قالب القصيدة العمودية ، واعتبروه تحطيما للشكل العمودي ، الذي ظل راسخا لزمن طويل)
بجانب ذلك ، وفي فترات زمنية لاحقة ، ظهر فن "المواليا " في العراق ، وقيل إن مبتدعيه هم " الأنباط" من أهل مدينة " واسط"  - واسط هي مدينة عراقية ، تقع بين البصرة والكوفة - وقد اقتطعوه من بحر البسيط بيتين بيتين ، حيث  يتكون البيتان من أربعة أشطر ( سمّوْها  أقفالا) بقافية واحدة ، و قالوا  عن هذا اللون من القول إنه " برزخ " بين المفصّح والملحون - إن جاز التعبير -  أى خليط بين الفصحى والعامية ، ومنه :
طرقْـتُ باب الخِـبا قالت مَن  الطارِق
فـــقُلت  مفْـتِـونْ لا ناهِـبْ ولا سارِق
تبسّـمَـتْ  لاح لي  من   ثَـغْـرِها  بارِق
رِجِعْـت حيرانْ في بْحَرْ  أدْمُعِى  غارِق

وقيل أيضا إن مبتدعيه من موالي البرامكة الفارسيين ، بعدما أنزل الخليفة "هارون الرشيد" بالبرامكة ما أنزل من تنكيل وتقتيل ، وأمَر  ألّا  يُرثي  "جعفرُ البرمكي " بشعر  . . !
فــرثَـتْـه جارية له بهذا اللون من النظم الملحون - حتى لا يُعصى " الرشيد " - منه :
يا دار  أين  ملوك    الأرض . . أين  الفُـرْس
أين الذين  حَـمَـوْها  بالقَــنَـا   و  الـتُّــرس
قالت تراهم رِمَـمْ  تحت  الأراضي  الدُّرْس
سُـكوتْ  بعد الفصاحةْ ألسِـنِـتْـهم  خُـرْس

مساحة إعلانية