مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والباحث والناقد عبدالستار سليم:عائلة التربيع في فنون القوالة "2"

2025-01-19 12:34 AM - 
الشاعر والباحث والناقد عبدالستار سليم:عائلة التربيع في فنون القوالة "2"
الشاعر والباحث عبد الستار سليم
منبر

رابعا :    والمربع  فى الرباعية ،( التى  برع  فى إبداعها  صلاح جاهين ) ، فهى تصاغ  على وزن البحر السريع  الذى مفتاحه هو : 
( بحرٌ     سريعٌ   ماله     ساحلُ /  مستفعلن   مستفعلن فاعلُ )
وفيها يكون  شطرها الثالث  حر  القافية ،  أى  لا يتفق مع  أشطرها الأول والثانى والرابع فى التقفية ، 
يقول صلاح جاهين  فى واحدة من رباعياته المتقنة. الصياغة  : 

ليه  يا  حبيبتى  ما بينّا    دايما   سفر  /  دا   البعد    ذنب     كبير   لا      يغتفر 
ليه يا حبيبتى  ما بينّا  دايما     بحور    /   أعدّى    بحر     ألاقى    غيره     اتحفر

خامسا :   والمربع فى  العدّودة  ،  يصاغ من أى بحر شعرى ، ولكن  طريقة التقفية  - فى العدّودة -  تتبع نظام  " المزدوج " ، يقصدون بذلك   نظام تصريع  كل بيت شعرى على حدة  ،  بمعنى أن تكون قافية الشطر الثاني فى البيت  تشابه قافية الشطر الأول ، وهذا  النظام  قد صيغت عليه كل أبيات ألفيّة ابن مالك التى منها
 ( كلامنا لفظ مفيد كاستقم / اسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ  الكَلِم ) ، 

و أرجوزة " ذات الأمثال " للشاعر العباسى أبى العتاهية  ومنها 
( إنّ الشباب والفراغ  والجِدة  / مفسدةٌ  للمرء أىّ  مفسدة )
والعديد أو العدّيد أو التعديد ، هو  يشبه الرثاء   فى الشعر العربى ،  وهو فن  نسائى بحت ، لا يقوله إلا   النسوة ، 
وهو - فى اعتقادى  - امتداد  لشعر الخنساء   وبكائياتها .. تقول العدّودة 

بحرى  البلد  ساعى   معاه   ورقة    /
 يا   واد   سلام   ولّا    خبر     غربة 
بحرى البلد   ساعى   معاهِ  جوَاب   / 
يا   واد  سلام   ولّا    خبر    غِـيّاب

*
ومنها  :

حَـكَــــمْــت  يا   بِـين  خَــنـْـــقِـى    بَــحْــبِـحِ   الــخَـــيّــة
لا   أُ مّ   تِـــبـْـــكِـى   ولا    عَــمّــــة    ولا          خَــــيّــــة

حَــكَـــمْــت  يا   بِــين  رَ بـْــطِـى  بَــحْــــبِـــحِ   الــعُــقْــدَ ة
لا  أُ مّ   تِـــبــْـــكِــى  ولا   عَـــمّــة     ولا   جِــــــــــدّ ة

*

سادسا :  والمربع فى " فن الواو "  هو أشهر  ما  تحت مظلة قالب التربيع على الإطلاق ، لدرجة أننا عندما نسمع 
كلمة " مربع "  يتبادر إلى الذهن  " فن الواو "  ليس غير ..

 و " فن الواو " هو فن تراثى ، ابتدعه أناس أمّيون يجهلون القراءة والكتابة ، وهو فن ذو  " جوّ "  شعبى خالص ،  فالألفاظ من البيئة  ، بسيطة وعميقة المعنى ، وهو فن شديد الخصوصية  ( ومرتبط بالبيئة الصعيدية أكثر من غيرها )  . 
يجب على القوّال أن يأخذ من الناس ويعطيهم ، بمعني أن يتحدث بلغتهم  ، فسبب ابتداع " فن الواو " هو مخاطبة البسطاء من الناس . .  وهو مختلف تماما  عن كل  الفنون التربيعية  ، فى اختيار المفردة المستخدمة في نظمه  ، فاللغة فيه بسيطة لكنها دالّة وموحية ، والمربع  يجب أن يكون  بسيطا منسابا  وخاليًا من المفردات الدخيلة ، وألا تكون القوافى ضعيفة أو مقحمة  ، وفى ذلك تكمن عبقرية هذا الفن  ذى الأسلوب الأخاذ ، و يصاغ على وزن البحر  المجتث   ، الذى لا يأتى إلا مجزوءا ، وتفعيلاته الشعرية  هى 
( مستفعلن فاعلاتن )
لكل شطر من أشطر المربع ، أما طريقة التقفية  ، ففيه : تتشابه قافية الشطر الأول مع قافية الشطر الثالث ، وتتشابه قافية الشطر الثاني مع قافية الشطر الرابع ، وقد تتحلى قوافيه بالجناس الكامل أو الناقص  ، على حسب  الإمكانية  الفنية   " للقوّال " - أى الشاعر -   ومقدار ما لديه من حصيلته اللغوية  ..! 
يقول المربع الذى ينسب لابن عروس :

(لا  بِدّ  من يوم معلوم  /
تتردّ   فيه   المظالم  )         
 (أبيض على كل مظلوم /
أسود  على كل ظالم )
 ……

(  مسكين  من يطبخ الفاس /
 ويريد  مرَق من حديده )  
( مسكين من يصحب الناس /
 ويريد   من لا     يريده )
……

ويقول صاحب هذه السطور :

(دا   الرزق  والعمر  مقدور / 
 بس    الرجَـالة     مواقف )   
  (ما  دُمت  للموت   مندور/
فان مُت موت وانت واقف )
……

(عينى   رأت    سِـرب  غزلان / 
 فيهم     غزالة     شريدة )      
(والقلب  لما  ا تْـنــغز   لان /
 شاور   وقال لى       شاريده)
……

أما .. ( متى لا يكون المربع  من فن الواو ؟  ) فإنه  حين يفتقد شروط " قوالة "  مبتدعى " فن الواو "   ومنها أن يكون على موسيقى ما   سبق أن قالوه ، أى  أن يكون البحر الشعرى للمربع هو مجزوء  بحر المجتثّ  بمفهومنا العلمى ،  وثانيهما أن  تكون قافية الشطر الثالث تتفق  أو تتشابه مع قافية الشطر الأول  ، وقافية الشطر الرابع  تتفق أو تتشابه مع قافية الشطر الثانى  ، فضلًا عن استخدام الجناسات الكاملة أو الناقصة التى تتحلى بها القوافى المتشابهة  ، وكذلك اختيار المفردات التى تكون بسيطة وموحية  وأن يسود  الجو التراثى فى الصياغة .. !!

وقد يكون المربع يشاكل  ويشابه البناء المعماري لـ " فن الواو "، ولكنه ليس من" فن الوا و" ، يقول أمير الشعراء أحمد شوقى  : 

( الفجر شقْشق وفاض /
على. سواد الخميلة )   
( لمَح  كلمح   البياض /
من العيون   الكحيلة )

 فهنا رغم اقتراب الوزن الشعرى من وزن فن الواو ، ورغم أن التقفية  تحقق الشرط المطلوب " لفن الواو" ، لكن  الشاعر لم يكن يقصد كتابة " فن الواو " ، فجوّ المربع ليس هو الجوّ الشعبى المناسب ، ولذلك لم يختر له المفردات المناسبة ، فعلى الرغم من أن النظم بالعامية ، ولكن هذه العامية لم تصدر عن شعور عامى  ، ووجدان شعبى  ، بمقدار ما كانت صدًى   لثقافة الشاعر المتأثرة  بالشعرية الفصحى ، وتَصوّره الشعرى المأثور -كما يرى  جلال العشرى -  فالشعر هنا  لم  يصدر عن تجربة حية  ، أو معايشة حقيقية ، فالمفردات كلها مفردات فصحى ، لا تجرى على لسان الشعراء الشعبيين ،  ولا جمهورهم ، وحتى لو تسنى  لأحد أن يتماشى مع هذا القول ، فسيصدمه تركيب الصورة ، لعدم بساطتها من جهة ، ومن الجهة الأخرى  للخلل البيّن فى رسم الصورة الشعرية ، فيكمل جلال العشرى : 
وإلا فكيف يمكن للفجر  بعد أن شقشق  ثم  فاض  حتى ملأ الدنيا  نورا ، أن يعود " فيلمح ؟ مجرد  " يلمح "  وكلمح  البياض  ، أى كلمح الخيط الأبيض  من الأسود  من الفجر  !!  فالصورة هنا زائفة  ، لأن " اللمحان "  لا يتأتى إلا فى العتمة ، وإنما الرؤية  هى التى تتم فى وضح النهار . .  وإنما الذى جعل  الشاعر يزلّ  فى هذا الوصف  ويخطئ فى رسم هذه الصورة  ، هو أنه  لم يصدر عن رؤية  ذاتية حية  ، ولكنه  صدر عن رنين اللفظ الذى وعته أذنه ، وكما صاغه على نهج القدامى  .  .  
أيضا يقول محمد عثمان جلال  (مخاطبا  رئيس الوزراء   رياض باشا - فى عصره - )معاتبا إياه على تأخر ترقيته :
(الخير  على الناس  عمَّ   وفاض /
وكل إنسان استكفى )
(وبس  انا   يا   عمَّ    رياض / 
 وقعت من  قعر   القُـفّة)

فهنا فى هذا المربع ، يلاحظ نظام التقفية يشابه نظام التقفية فى " فن الواو "  ، ولكن هذا المربع ليس مصاغا  على وزن  مجزوء  البحر المجتث  .  .  
وأيضا  نجد  بيرم التونسي يقول :

(إن   كنت   تطلب  رضا الله  /
يجعل لك الناس عبــيدك ).   
(وان كنت تطلب رضا الناس  /
 أقَـــــلّهم    يبقى  ســيدك) 

هنا البحر الشعرى مطابق  للبحر الشعرى لفن الواو ، ولكن نظام التقفية  غير مطابق ،  إذ أن لفظ " الناس "  غير مشابه للفظ الجلالة " الله "  
    وعلى  ذلك فإن  قالب التربيع  لم يكن  خاصا  "  بفن الواو "  وفقط ، بل هو يشمل عدة  أشكال قولية ، أحدها   هو " فن الواو " ..  
كما نخلص إلى أن  كل " فن واو ".  هو مربع  - أى ضمن قالب التربيع - ولكن ليس كل مربع  
هو " فن واو "  ..!!

مساحة إعلانية