مساحة إعلانية
رابعا : والمربع فى الرباعية ،( التى برع فى إبداعها صلاح جاهين ) ، فهى تصاغ على وزن البحر السريع الذى مفتاحه هو :
( بحرٌ سريعٌ ماله ساحلُ / مستفعلن مستفعلن فاعلُ )
وفيها يكون شطرها الثالث حر القافية ، أى لا يتفق مع أشطرها الأول والثانى والرابع فى التقفية ،
يقول صلاح جاهين فى واحدة من رباعياته المتقنة. الصياغة :
ليه يا حبيبتى ما بينّا دايما سفر / دا البعد ذنب كبير لا يغتفر
ليه يا حبيبتى ما بينّا دايما بحور / أعدّى بحر ألاقى غيره اتحفر
خامسا : والمربع فى العدّودة ، يصاغ من أى بحر شعرى ، ولكن طريقة التقفية - فى العدّودة - تتبع نظام " المزدوج " ، يقصدون بذلك نظام تصريع كل بيت شعرى على حدة ، بمعنى أن تكون قافية الشطر الثاني فى البيت تشابه قافية الشطر الأول ، وهذا النظام قد صيغت عليه كل أبيات ألفيّة ابن مالك التى منها
( كلامنا لفظ مفيد كاستقم / اسمٌ وفعلٌ ثم حرفٌ الكَلِم ) ،
و أرجوزة " ذات الأمثال " للشاعر العباسى أبى العتاهية ومنها
( إنّ الشباب والفراغ والجِدة / مفسدةٌ للمرء أىّ مفسدة )
والعديد أو العدّيد أو التعديد ، هو يشبه الرثاء فى الشعر العربى ، وهو فن نسائى بحت ، لا يقوله إلا النسوة ،
وهو - فى اعتقادى - امتداد لشعر الخنساء وبكائياتها .. تقول العدّودة
بحرى البلد ساعى معاه ورقة /
يا واد سلام ولّا خبر غربة
بحرى البلد ساعى معاهِ جوَاب /
يا واد سلام ولّا خبر غِـيّاب
*
ومنها :
حَـكَــــمْــت يا بِـين خَــنـْـــقِـى بَــحْــبِـحِ الــخَـــيّــة
لا أُ مّ تِـــبـْـــكِـى ولا عَــمّــــة ولا خَــــيّــــة
حَــكَـــمْــت يا بِــين رَ بـْــطِـى بَــحْــــبِـــحِ الــعُــقْــدَ ة
لا أُ مّ تِـــبــْـــكِــى ولا عَـــمّــة ولا جِــــــــــدّ ة
*
سادسا : والمربع فى " فن الواو " هو أشهر ما تحت مظلة قالب التربيع على الإطلاق ، لدرجة أننا عندما نسمع
كلمة " مربع " يتبادر إلى الذهن " فن الواو " ليس غير ..
و " فن الواو " هو فن تراثى ، ابتدعه أناس أمّيون يجهلون القراءة والكتابة ، وهو فن ذو " جوّ " شعبى خالص ، فالألفاظ من البيئة ، بسيطة وعميقة المعنى ، وهو فن شديد الخصوصية ( ومرتبط بالبيئة الصعيدية أكثر من غيرها ) .
يجب على القوّال أن يأخذ من الناس ويعطيهم ، بمعني أن يتحدث بلغتهم ، فسبب ابتداع " فن الواو " هو مخاطبة البسطاء من الناس . . وهو مختلف تماما عن كل الفنون التربيعية ، فى اختيار المفردة المستخدمة في نظمه ، فاللغة فيه بسيطة لكنها دالّة وموحية ، والمربع يجب أن يكون بسيطا منسابا وخاليًا من المفردات الدخيلة ، وألا تكون القوافى ضعيفة أو مقحمة ، وفى ذلك تكمن عبقرية هذا الفن ذى الأسلوب الأخاذ ، و يصاغ على وزن البحر المجتث ، الذى لا يأتى إلا مجزوءا ، وتفعيلاته الشعرية هى
( مستفعلن فاعلاتن )
لكل شطر من أشطر المربع ، أما طريقة التقفية ، ففيه : تتشابه قافية الشطر الأول مع قافية الشطر الثالث ، وتتشابه قافية الشطر الثاني مع قافية الشطر الرابع ، وقد تتحلى قوافيه بالجناس الكامل أو الناقص ، على حسب الإمكانية الفنية " للقوّال " - أى الشاعر - ومقدار ما لديه من حصيلته اللغوية ..!
يقول المربع الذى ينسب لابن عروس :
(لا بِدّ من يوم معلوم /
تتردّ فيه المظالم )
(أبيض على كل مظلوم /
أسود على كل ظالم )
……
( مسكين من يطبخ الفاس /
ويريد مرَق من حديده )
( مسكين من يصحب الناس /
ويريد من لا يريده )
……
ويقول صاحب هذه السطور :
(دا الرزق والعمر مقدور /
بس الرجَـالة مواقف )
(ما دُمت للموت مندور/
فان مُت موت وانت واقف )
……
(عينى رأت سِـرب غزلان /
فيهم غزالة شريدة )
(والقلب لما ا تْـنــغز لان /
شاور وقال لى شاريده)
……
أما .. ( متى لا يكون المربع من فن الواو ؟ ) فإنه حين يفتقد شروط " قوالة " مبتدعى " فن الواو " ومنها أن يكون على موسيقى ما سبق أن قالوه ، أى أن يكون البحر الشعرى للمربع هو مجزوء بحر المجتثّ بمفهومنا العلمى ، وثانيهما أن تكون قافية الشطر الثالث تتفق أو تتشابه مع قافية الشطر الأول ، وقافية الشطر الرابع تتفق أو تتشابه مع قافية الشطر الثانى ، فضلًا عن استخدام الجناسات الكاملة أو الناقصة التى تتحلى بها القوافى المتشابهة ، وكذلك اختيار المفردات التى تكون بسيطة وموحية وأن يسود الجو التراثى فى الصياغة .. !!
وقد يكون المربع يشاكل ويشابه البناء المعماري لـ " فن الواو "، ولكنه ليس من" فن الوا و" ، يقول أمير الشعراء أحمد شوقى :
( الفجر شقْشق وفاض /
على. سواد الخميلة )
( لمَح كلمح البياض /
من العيون الكحيلة )
فهنا رغم اقتراب الوزن الشعرى من وزن فن الواو ، ورغم أن التقفية تحقق الشرط المطلوب " لفن الواو" ، لكن الشاعر لم يكن يقصد كتابة " فن الواو " ، فجوّ المربع ليس هو الجوّ الشعبى المناسب ، ولذلك لم يختر له المفردات المناسبة ، فعلى الرغم من أن النظم بالعامية ، ولكن هذه العامية لم تصدر عن شعور عامى ، ووجدان شعبى ، بمقدار ما كانت صدًى لثقافة الشاعر المتأثرة بالشعرية الفصحى ، وتَصوّره الشعرى المأثور -كما يرى جلال العشرى - فالشعر هنا لم يصدر عن تجربة حية ، أو معايشة حقيقية ، فالمفردات كلها مفردات فصحى ، لا تجرى على لسان الشعراء الشعبيين ، ولا جمهورهم ، وحتى لو تسنى لأحد أن يتماشى مع هذا القول ، فسيصدمه تركيب الصورة ، لعدم بساطتها من جهة ، ومن الجهة الأخرى للخلل البيّن فى رسم الصورة الشعرية ، فيكمل جلال العشرى :
وإلا فكيف يمكن للفجر بعد أن شقشق ثم فاض حتى ملأ الدنيا نورا ، أن يعود " فيلمح ؟ مجرد " يلمح " وكلمح البياض ، أى كلمح الخيط الأبيض من الأسود من الفجر !! فالصورة هنا زائفة ، لأن " اللمحان " لا يتأتى إلا فى العتمة ، وإنما الرؤية هى التى تتم فى وضح النهار . . وإنما الذى جعل الشاعر يزلّ فى هذا الوصف ويخطئ فى رسم هذه الصورة ، هو أنه لم يصدر عن رؤية ذاتية حية ، ولكنه صدر عن رنين اللفظ الذى وعته أذنه ، وكما صاغه على نهج القدامى . .
أيضا يقول محمد عثمان جلال (مخاطبا رئيس الوزراء رياض باشا - فى عصره - )معاتبا إياه على تأخر ترقيته :
(الخير على الناس عمَّ وفاض /
وكل إنسان استكفى )
(وبس انا يا عمَّ رياض /
وقعت من قعر القُـفّة)
فهنا فى هذا المربع ، يلاحظ نظام التقفية يشابه نظام التقفية فى " فن الواو " ، ولكن هذا المربع ليس مصاغا على وزن مجزوء البحر المجتث . .
وأيضا نجد بيرم التونسي يقول :
(إن كنت تطلب رضا الله /
يجعل لك الناس عبــيدك ).
(وان كنت تطلب رضا الناس /
أقَـــــلّهم يبقى ســيدك)
هنا البحر الشعرى مطابق للبحر الشعرى لفن الواو ، ولكن نظام التقفية غير مطابق ، إذ أن لفظ " الناس " غير مشابه للفظ الجلالة " الله "
وعلى ذلك فإن قالب التربيع لم يكن خاصا " بفن الواو " وفقط ، بل هو يشمل عدة أشكال قولية ، أحدها هو " فن الواو " ..
كما نخلص إلى أن كل " فن واو ". هو مربع - أى ضمن قالب التربيع - ولكن ليس كل مربع
هو " فن واو " ..!!
