مساحة إعلانية
و كما نكرّر دوما، أن الشعر له ركيزتان ( الشعور الصادق ، والتعبير الجميل ) وكان الجاحظ يقول : " ليس الشأن فى إيراد المعانى ، وإنما هو جودة اللفظ وصفاؤه ". . ونشير إلى أن الشعر يحسن بجمال قوافيه - سواء فى الشكل العمودى ، أو فى شعر التفعيلة (مثلما تحسُن الجُمَل الموسيقية ، بجمال قفلاتها) ، وكذلك ، استخدام القَصّ الشعرى ، وغلبة روح " الدراما " ، ترفع من قيمة الشعر، والأهم هو وحدة القصيدة ، ومدى ترابط الأفكار، والالتزام بالوزن المنساب.. ولأن الشعر ليس شطحات تأمّلية ، لا نخرج منها بطائل ، فجنوح الشاعر - أحيانا - إلى استعمال تعبيرات لغوية مجازية ، لا توحى بشئ - يسمّيها البعض " تعبيرات مُنزلقة " - تتسبّب فى عجز العبارة عن أن تؤدى المعنى الـمُراد ، وهذه واحدة من الكبوات الخطيرة التى تعترى طريق الإبداع الشعرى ، والذى يستطيع أن يتجنبها الشاعر، عندما يكون مهموما - أولًا - بقضايا مجتمعه.. لا باحثا عن "الشعر" فى رغوة الحياة ..!
وقد أدرك العرب - منذ القِدَم - عمق الارتباط بين الشعر والشعور. . أدركوا ذلك بواعيتهم النقدية البدائية ، فاشتقوا الاسمين (الشعر والشعور ) من فِعْل "شَعَرَ"، ومن المعلوم أن مكوّنات الشاعر ، من ضمنها الإحساس باللغة بشكل جمالى ، فالشعر تشكيل جمالى باللغة ، ومهمّة العمل الفنى ليست إعادة نقل العالم ، بل التعبير عن آمال الناس .. وتُستخدم مفردات البيئة ، لرشاقتها ونداوتها ، لصُنع صورة معبّرة عن مشاعر المحبة لها ، والمعبّرة عن جمالها، واللغة كلمات ، لا يمكن أن تعبّر بمفردها عن بِنْيَة شعرية ، إلا إذا وضعت فى صياغة أسلوبية تُمكّنها من القدرة على التشكيل بالصورة ، والتشكيل بالموروث ، وبالرموز التراثية، فالشعر وسيلة للإيحاء ، وليس أداة لنقل معانٍ محدّدة ، وهنا يكمن المعنى العقلى للكلمات والمعنى التخييلى لها ، فهى إذن رمز للعالم كما يتصوره الشاعر،(ويُفهم الشعر على هذا الأساس)
و عموما، كلما تمكّن الأديب من أدواته ، جاءت عباراته أكثر دلالة ووضوحا، أما الغموض المبهم أو الملغز ، فهو نتيجة للمبالغة فى التداعى ، وجموح الخيال ، وأسوأ الشعراء ، هو الذى يكتب مالا يفهمه أحد سواه ..!
و" الدِّ لالة" (لا بِمعنى مضامين العمل الفنى ) ولكن يُقصد بالدلالة ما يتضمنه العمل من قيم ورؤية ، من خلال التشكيل الفنى ، فالعمل الأدبى ذو الدلالة الإنسانية والقيم الرفيعة ، أكثر ثراءً وخلودًا ، و صدَق من قال ( الشُّعراءُ الشعراء ، هم أولئك الذين كلماتهم إما مُدًى وبنادق ، وإما خُضرة وبنفسج وزنابق ) ..
كما أن بلوغ تعبير الشاعر أبعادا رمزية - بعيدا عن التقوقع فى كهوف تناثر الألفاظ ، و تشظّى الصور - يعيد خلق اللغة والوجود.. !
كما نشير إلى أن الصورة الشعرية لم تصبح مقصورة على التعبير المجازى ، الذى يدور فى فلك التشبيه والاستعارة والكناية، ولكن هناك ما يُسمّى بالصورة النقلية ، الناشئة عن التعبير بالحقيقة ، أى الصورة التى تتكئ على مفردات الواقع ، لتشكّل منظرا أو مشهدا فنّيا، والتى تكمن قيمتها الفنية فى التصوير بالحقيقة
، أما عن الإيقاع الشعرى ، فهو ليس التزاما بموسيقا خارجية - كما يقولون - وإنما هو تلبية، لغريزة أصيلة فى الإنسان ، وخصوصا لدى الشعوب ذات التراث العريق ، فالحِسّ الإيقاعى شرط مهم فى الشعر العربى خاصة ..
فالإيقاع - كما نعلم - يُولد مع الإنسان . . فضربات القلب ، والتنفس ، وخطْو القدم ، كلها ظواهر إيقاعية .. كما أن الكون ملىء بالظواهر الإيقاعية ، كتعاقب الليل والنهار ، وحركة الأجرام السماوية فى أفلاكها .. كما أن التماثلية - أى ( السّيمترية ) - هى شئ أساسى فى المخلوقات السويّة ، وأوضح دليل على هذه التماثلية ، هو جسم الإنسان - بتماثليته الفذّة - و هذا هو ما تـنبّه إليه الأوائل ، فكان الشعر ..!
و نُذكّر بقول " جان بول سارتر " : إن الكاتب الذى يدير ظهره لأسلافه ، ولا يُعيد قراءتهم ، لا يستحق عضوية النادى الأدبى ..
أقرأ أيضا:
الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..!
الشاعر والناقد / عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..! "2"