مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

الشاعر والناقد / عـبد الستار سليم : هندسة الشكل لا تصنع شعرا "3"

2024-12-15 01:50:02 -  تحديث:  2024-12-15 01:52:22 - 
الشاعر والناقد / عـبد الستار سليم : هندسة الشكل لا تصنع شعرا "3"
الشاعر والناقدعبد الستار سليم
منبر

و كما نكرّر دوما، أن الشعر له ركيزتان ( الشعور الصادق ، والتعبير الجميل ) وكان الجاحظ يقول : " ليس الشأن فى إيراد المعانى ، وإنما  هو جودة اللفظ  وصفاؤه ". . ونشير إلى أن الشعر يحسن بجمال قوافيه - سواء فى الشكل العمودى ، أو فى شعر التفعيلة (مثلما تحسُن الجُمَل الموسيقية ، بجمال  قفلاتها) ، وكذلك ، استخدام القَصّ الشعرى ، وغلبة روح " الدراما " ، ترفع من قيمة الشعر، والأهم هو وحدة القصيدة ، ومدى ترابط الأفكار، والالتزام بالوزن المنساب..  ولأن الشعر ليس شطحات  تأمّلية ، لا نخرج منها بطائل ، فجنوح الشاعر - أحيانا - إلى استعمال تعبيرات لغوية مجازية ، لا توحى بشئ - يسمّيها البعض " تعبيرات مُنزلقة " - تتسبّب فى عجز العبارة عن أن  تؤدى المعنى الـمُراد ، وهذه واحدة من الكبوات الخطيرة التى تعترى طريق الإبداع الشعرى ، والذى يستطيع أن يتجنبها الشاعر، عندما يكون مهموما - أولًا - بقضايا مجتمعه.. لا باحثا عن "الشعر" فى رغوة الحياة ..!
وقد أدرك العرب - منذ القِدَم - عمق الارتباط  بين الشعر والشعور. .  أدركوا ذلك بواعيتهم النقدية البدائية ، فاشتقوا الاسمين (الشعر والشعور ) من فِعْل "شَعَرَ"، ومن المعلوم أن مكوّنات الشاعر ، من ضمنها  الإحساس باللغة بشكل جمالى ، فالشعر تشكيل جمالى باللغة ، ومهمّة العمل الفنى ليست إعادة  نقل العالم ، بل التعبير عن آمال الناس .. وتُستخدم مفردات البيئة ، لرشاقتها ونداوتها ، لصُنع صورة  معبّرة  عن مشاعر المحبة لها ، والمعبّرة عن جمالها، واللغة كلمات ، لا يمكن أن تعبّر بمفردها عن بِنْيَة  شعرية ، إلا إذا وضعت فى صياغة أسلوبية تُمكّنها  من القدرة على التشكيل بالصورة ، والتشكيل بالموروث ، وبالرموز التراثية، فالشعر وسيلة للإيحاء ، وليس أداة لنقل معانٍ محدّدة ، وهنا يكمن المعنى العقلى للكلمات والمعنى التخييلى لها ، فهى إذن رمز للعالم  كما يتصوره الشاعر،(ويُفهم الشعر على هذا الأساس)
 و عموما، كلما تمكّن الأديب من أدواته ، جاءت عباراته أكثر دلالة ووضوحا، أما الغموض المبهم  أو الملغز ، فهو نتيجة للمبالغة فى التداعى ، وجموح الخيال ، وأسوأ الشعراء ، هو الذى يكتب مالا يفهمه أحد سواه ..!
 و" الدِّ لالة" (لا بِمعنى مضامين العمل الفنى ) ولكن يُقصد بالدلالة  ما يتضمنه  العمل من قيم  ورؤية ، من خلال التشكيل  الفنى ، فالعمل  الأدبى  ذو الدلالة الإنسانية  والقيم الرفيعة ، أكثر  ثراءً وخلودًا ، و صدَق من قال (  الشُّعراءُ الشعراء ، هم أولئك  الذين كلماتهم  إما  مُدًى  وبنادق ، وإما خُضرة وبنفسج  وزنابق ) ..
كما أن بلوغ تعبير الشاعر أبعادا رمزية - بعيدا عن التقوقع فى كهوف تناثر الألفاظ ، و تشظّى الصور - يعيد خلق اللغة والوجود.. !
كما نشير إلى أن الصورة الشعرية لم تصبح مقصورة على التعبير المجازى ، الذى يدور  فى فلك التشبيه والاستعارة والكناية، ولكن هناك ما يُسمّى بالصورة النقلية ، الناشئة عن التعبير  بالحقيقة ، أى الصورة  التى تتكئ على  مفردات الواقع ، لتشكّل  منظرا أو مشهدا  فنّيا، والتى تكمن قيمتها الفنية فى التصوير بالحقيقة 
، أما عن الإيقاع الشعرى ، فهو ليس التزاما بموسيقا خارجية - كما يقولون - وإنما هو تلبية، لغريزة أصيلة  فى الإنسان ، وخصوصا لدى الشعوب  ذات التراث العريق ، فالحِسّ  الإيقاعى  شرط مهم  فى الشعر العربى خاصة ..
 فالإيقاع - كما نعلم - يُولد مع الإنسان . .  فضربات القلب ، والتنفس ، وخطْو القدم ، كلها ظواهر إيقاعية .. كما أن الكون ملىء بالظواهر الإيقاعية ، كتعاقب الليل والنهار ، وحركة الأجرام السماوية فى أفلاكها .. كما أن التماثلية - أى  ( السّيمترية ) - هى شئ أساسى فى المخلوقات السويّة ، وأوضح دليل على هذه التماثلية ، هو جسم الإنسان - بتماثليته الفذّة - و هذا هو ما تـنبّه إليه  الأوائل ، فكان الشعر ..!
و نُذكّر بقول " جان بول سارتر " : إن الكاتب  الذى يدير ظهره لأسلافه ، ولا يُعيد قراءتهم ، لا يستحق عضوية النادى الأدبى  ..  

أقرأ أيضا:

الشاعر والباحث عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..!

الشاعر والناقد / عبد الستار سليم يكتب: هندسة الشكل لا تصنع شعرا ..! "2"

مساحة إعلانية