مساحة إعلانية
–كم كان ودودا حسن العشرة معي، ومنذ زواجنا وقد اعتبرني أمانة من الله مودعة في بيته، يحفظها، يسكن إليها ولا أنسي جميل صنائعه معي لم نرزق بالذرية، وأراه صابرًا كل تلك السنين ،فلكم عرضت عليه الإقتران والزواج بغيري لينجب الولد فكان يقول :
- ياحبة القلب إن البنين رزق من الله ولو أراد الله لي الذرية فلا يعجزه أمر وهو العلي القدير، إنني لا أريد غيرك بديلا وعوضا، فأنتِ عالمي، وأنتِ الابن والابنة، والزوجة، والأم الرؤوم .
كانت كلماته تلك تزيدني إيمانًا وحبًا لقدري الذي أراده الله لي، رغم أنني أعشق الأطفال وعبثهم وفقراتهم غير محسوبة العاقبة، ومن فرط حبي لهم تجدني أهدهد أبناء الجيران وأطفالهم أحملهم فينامون علي كتفي وكأنني أمهم الولود !!!
ألحظ الغيرة من بعضهن على أولادها مني، فأتجاوز ذلك الشعور المُمزق، فأمرر تلك النظرات والدقائق من ذاكرة الحاضر بحديث معهن، يُخجل تلك النظرات لأنثي أبي رحمها أن يحمل نطفة أغلي الرجال، زوجي الذي لم أر منه وجهًا يُخالف وجه أول لقاء.
فكم كان دائمًا مفعم بسيماء الخير والبشر، لا يعرف للنكد طريقًا، لا يُبدي إلا ما يُفرحني، يغبطني بعشرته، وجوده الأمان، وصوته البيان، وجلوسه الوقار، وحديثه الأناة، وهمومه إسعادي، وقُبلته ربيعي، وعناقه أمني .
فأبت الأقدار أن تهديه لي مرة أخرى، فبعد وعكته ومرضه الأخير تم احتجازه في المشفي تحت رعاية الأطباء وتحت أجهزة التنفس.
إن أنفاسه مكدودة وعيناه مغمضتين، أتأمله وقد أصبح هزيلًا شاحب الوجه، أحادثه في تلك اللحظات التي يُسمح بدخولي إليه وأنا قابضة علي كفه آملة أن يستفيق ويشفي .
فما أثقل تلك الليلة، السكون يُحيط بالغرفة مخيما على كل شيء، ولا يخدش الصمت سوى صوت رنين جهاز النبضات القلبية الرتيبة والمنتظمة.
ولكن سرعان ما يُنبئ الجهاز عن صافرة عالية متواصلة، يُهرول لسماعها الأطباء نحو زوجي، وبعد لحظات يصرخ أحدهم ويُنبىء أن قلب زوجي قد توقف ولم يعد يخفق للحياة .