مساحة إعلانية
كتب / صابر جمعة سكر
في تطور قضائي غير مسبوق، أرست محكمة النقض سابقة تاريخية جديدة حين اعتدت لأول مرة في تاريخها بالأحكام الصادرة عن الجلسات العرفية المعروفة بين المواطنين باسم "المواعيد"، واعتبرتها مندرجة تحت مظلة قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، لتفتح بذلك بابًا جديدًا في التعامل مع هذه الجلسات التي ظلت لسنوات طويلة خارج الاعتراف القضائي.
خلفية النزاع
تعود وقائع القضية إلى صدور حكم من هيئة تحكيم عرفية ألزم أحد المواطنين بسداد أكثر من نصف مليون جنيه مصري، باعتباره نصيبه في تصفية شركة قائمة بين الطرفين. لجأ المستفيد من الحكم إلى قاضي الأمور الوقتية لاستصدار أمر أداء يلزم خصمه بالسداد، غير أن القاضي أحال الطلب إلى المحكمة المختصة، فصدر حكم أول درجة لصالح المدعي، وأيدته محكمة الاستئناف.
إلا أن الطعن بالنقض فتح الباب أمام إعادة النظر، حيث تمسك الطاعن بأن الطريق القانوني لتحصيل المبلغ كان يقتضي سلوك مسلك تنفيذ أحكام التحكيم لا رفع دعوى عادية، وهو ما اقتنعت به محكمة النقض.
حيثيات النقض
أوضحت المحكمة في حيثياتها جملة من المبادئ البارزة، أبرزها:
1. أن أحكام المحكمين – حتى لو كانت صادرة من هيئات تحكيم عرفية – تخضع لقانون التحكيم متى توافرت شروطه.
2. أن تنفيذ هذه الأحكام يقتصر على الجهات المخاطبة بقانون التحكيم (رئيس المحكمة المختصة أو من يندبه) وليس محاكم الموضوع العادية.
3. أن الاختصاص في مثل هذه المنازعات من النظام العام، ويجوز لمحكمة النقض إثارته من تلقاء نفسها.
4. أن أحكام التحكيم العرفية، متى صدرت وفق إجراءات مكتوبة وموقعة من المحكمين، تحوز حجية الأمر المقضي وتصبح واجبة النفاذ.
وانتهت المحكمة إلى نقض الحكم المطعون فيه، وإلغاء حكم محكمة أول درجة لعدم اختصاصها نوعيًا، مؤكدة أن الاختصاص ينعقد حصريًا لرئيس المحكمة المختصة بنظر النزاع أو من يندبه لإصدار الأمر بالتنفيذ.
الأثر العملي للحكم
بهذا الحكم، تكون محكمة النقض قد أرست سابقة قضائية ستغير كثيرًا من ملامح المشهد القانوني للجلسات العرفية، حيث لن تبقى مجرد مجالس اجتماعية متعارف عليها، بل ستعامل – متى استوفت شروط التحكيم – معاملة الأحكام القضائية المحكوم بتنفيذها.
ويرى خبراء القانون أن هذا التطور سيجبر الوسطاء والقائمين على "المواعيد العرفية" على ضبط ممارساتهم والابتعاد عن الممارسات غير المشروعة، باعتبار أن أحكامهم باتت قابلة للعرض على المحاكم المختصة والتنفيذ القضائي.
الخلاصة
للمرة الأولى، النقض تعتد بأحكام الجلسات العرفية ("المواعيد") وتلحقها بأحكام قانون التحكيم، لتحدد أن التعامل معها يقتصر على سلطات التنفيذ القضائية والإدارية ومحاكم الاستئناف المختصة، دون محاكم الموضوع العادية.
سابقة قضائية ستحدث تحولًا في بنية "القضاء العرفي" وتعيد رسم العلاقة بينه وبين القضاء الرسمي.