مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

تفاصيل مقلقة في مجموعة تفاصيل مربكة لفاطمة الشريف.. دراسة خالد العجيري

2024-03-23 02:39 PM - 
تفاصيل مقلقة في مجموعة تفاصيل مربكة لفاطمة الشريف.. دراسة خالد العجيري
الباحث :خالد العجيري
منبر

قراءة في تحولات الانثى


صدر مؤخرا عن المجلس الأعلى للثقافة المجموعة القصصية ( تفاصيل مربكة ) للقاصة فاطمة الشريف من محافظة أسيوط، والفائزة بالمركز الأول في مسابقة وزارة الثقافة للمواهب الأدبية دورة .. ا . د / شاكر عبد الحميد، ويعتبر فوز المجموعة وحصولها على حقها في النشر بمثابة خطوة جريئة ومهمة ـ من المجلس الأعلى للثقافة في مسيرة الثقافة العربية ـ لمساندة الكُتاب في التعبير عن حرية الرأي، فلأول مرة يسمح بنشر معالجة لمثل ذلك النوع من القضايا التي وردت في المجموعة، والذي سيجعلها من وجهة نظري مسار جدل واسع في الأوساط الاجتماعية والأدبية بعد طرح المجموعة في الأسواق ووصولها للقراء.  
هل هي دعوة للفجور أم قراءة واعية لواقع اجتماعي مرير؟! إذا كان كاتب النص جريئًا في طرحه للمسكوت عنه من بعض القضايا الاجتماعية الخطيرة التي من خلالها يبدأ سقوط المجتمعات، وعندما يكون السارد أنثى في مجتمع عربي مسلم، مقيدة بالدين والعادات والتقاليد والأعراف، هنا لابد وأن يكون محلل النص أكثر جرأة في تحليل تلك النصوص لكشف وتوضيح حقيقة ما تطمح الكاتبة أن يصل للمجتمع واستطاعت أن تدسه بين السطور.
 إن النظرة القاصرة للنصوص باعتبار أنها دعوة للفجور دليل عدم ثقافة، وقلة وعي ممن ينظر إليها تلك النظرة السطحية، فالرجل صياد والأنثى فريسته، فلا تحتاج الأنثى لكل هذا لصيد الرجل، فالرجل متأهب دائما، فما عليها سوى مراسلته وسوف تستطيع جره كالذبيحة، تلك حقيقة الصياد عندما تستدعيه الفريسة، إن ما يحدث على مستوى السوشيال ميديا أفظع مما تطرقت إليه الكاتبة بكثير، انظر إلى عدد المواقع الإباحية، وأعداد التعليقات على منشوراتها الذي يفوق عدد التعليقات علي أي حدث آخر ـ  مثل صدور كتاب جديد أو حدث اجتماعي أو سياسي مهم ـ بآلاف بل ملايين التعليقات، لكن ما يحدث يحدث،  ولا أحد يتدخل، فلماذا تمنعها العادات والتقاليد من أن تنكأ الجرح حتى نستطيع تنظيفه جيدا حتى يلتئم عن طهارة ولا يعود إلى تعفنه مرة أخرى، لماذا نحن العرب نختار السيئ من كل تطور، إلى متى ذلك السكوت الذي لا نكتفي به، بل نتهم من يحاول كشف المستور عن جسد ذلك المجتمع المليء بالجروح، حتى نجد طريقة لمعالجته قبل أن يتعفن، بأنه يدعو للفجور، والفجور موجود بالفعل على مرأى ومسمع من الجميع، لكن كونه يثير مثل تلك القضايا من المسكوت عنه يسارع إلى اتهامه كل من تنطبق عليهم أحداث تلك النصوص سرا، لأنهم تعروا بينهم وبين أنفسهم فيحاولون ستر أنفسهم باتهام من يكشف حقيقة دواخلهم، هم لا يدافعون عن عرف ولا عن عقيدة بل في حقيقة الأمر يحاولون تكميم أفواه من يتكلمون ويصعدون القضية أمام القضاء كتهديد حتى لا يقترب أحد مما يفعلون في الخفاء، فينفخون في أبواق العادات والتقاليد والأعراف والقيم المجتمعية في وجه من يتخطاها لفضحهم، بينما حقيقة الغالبية العظمى من أفراد مجتمعاتنا أنهم تحت طائلة تلك العادات والتقاليد والأعراف سرا ويدافعون عنها حفاظا على سرية انغماسهم في تلك الملذات لإبعاد الأنظار عن أنفسهم.
تلك الصرخة الشجاعة من فاطمة الشريف تحت عنوان ( تفاصيل مربكة)،  هي بالفعل تفاصيل مقلقة على مستقبل عدة أجيال في وطننا فرأت من وجهة نظرها لابد من الحديث مهما كلف الأمر، ما دام لا أحد يستطيع أن يتكلم خوفا من اتهامه بالفجور، أو وقوعه تحت طائلة القانون، أو ربما هو شريك سري أدمن الفعل فحرم حق المعالجة، فأين الرجل؟ هي تريد أن توضح لنا شخصيته التي تبدأ بها في قصة مكارم، هو شخص ملتزم، موظف يعيش الروتين اليومي، يقدس القواعد ويحترم القوانين، مما أثر على شخصيته في البيت، فكيف تنتظر منه أن يثير قضية أو أن يتكلم، وهو أيضا الشخص الضعيف الذي يحاول أن يحظى ببعض العطف من زوجته التي لا تعيره أي اهتمام ولا تكتفي بذلك بل تسقط كل ما يعانيه أولادها من فشل فتنسبه إلى والدهم، بهذه القصة تمهد للرجل الضعيف طريق البحث عن بدائل يكمل بها شخصيته، ففي قصة رائحة المسك يبيع العطار مسك الطهارة لبنات الصف الإعدادي، والتي تعرفت على ذلك المسك من خلال مواقع التواصل الاجتماعي فتقول الكاتبة ( نظر ليد فتاة تمسك بحجابها الأبيض، كل شيء يبدو أبيضا في البداية، يضحك ويحمد الله أنه لم يرزق بفتيات، فهو ليس فارغا لملاحقتهن، ثم يراجع نفسه ) ثم يراجع نفسه في مجتمع ـ  توضح الكاتبة أنه ـ  متشبع بمشاهدة المواقع الإباحية لما لا وقد وصلت ثقافة تبادل الزوجات لقاع المجتمع حيث يثير تلك القضية العربجي مع العطار، يقول العطار للعربجي:ـ أن زوجته تكره رائحة المسك وعندما يطلب مضاجعتها يغتسل ثلاث مرات حتى تختفي الرائحة وتوافق زوجته، ضحك العربجي
ـ عليك أن تستبدل زوجتي بزوجتك.
ـ لماذا.
ـ زوجتي تحب المسك وأنا لا أضع أي رائحة. فيضحك بخيت ويتعجب، أي أعجبته فكرة تبادل الزوجات، هذا يحدث في قاع المجتمع، أما على مستوى الطبقة المثقفة ففي قصة ( كاميرا معلقة على الجدار ) تتكلم عن رجل تعرف زوجته حقيقة ممارسته الجنس مع نساء متعددات في حجرة داخل المنزل، ذلك المثقف يعرف أوضاع عديدة للممارسة لذلك تنجذب إليه النساء وزوجته رغم ذلك تحبه وتتحين الفرصة لجعله لها وحدها، وهنا تمسك الكاتبة الكاميرا لتتجول بها بين الحمام وحجرة النوم لتصور لنا مشهدا أراه غريبا على مجتمعاتنا، لكنه الإغراق في مشاهدة المواقع الإباحية، وهنا سؤال خطير يطرح نفسه هل بالفعل وصلنا لتلك المرحلة؟ تقول الكاتبة ( جلب سوطاً من الدولاب وكلبش حديدي وأخفاهم ........ حتى تصل إلى سقطت على الكرسي نظرت في عينيه، أقامها وكتف يديها، وضع الكلبش الحديدي وأخذ السوط ضربها على مؤخرتها، صرخت، تلذذت، تأوهت، شدها من شعرها. كل ذلك يدور في حجرتها لأول مرة، لقد حصلت عليه، ذلك المريض السادي الذي يعشق العنف في الممارسة، بالفعل هو في هذه المرة لم يطلب منها أن تكون شخصا آخر.
وفي قصة بعيد المنال تذهب لتعالج شقاً آخر مما تطلبه الأنثى في المساواة بالرجل وهي المساواة في التعدد في العملية الجنسية، فهي تتكلم عن الإناث التي تريد أن تصطاد الرجال فتقول ( عيون الصياد ليس على الفريسة إنما على الطريقة، كل طير له طريقته في الصيد ) هي تريد أن تعيش لحظة المغامرة في الحصول على الصيد حتى يصبح ثمينا، لا تبحث عن الصيد إنما عن لحظة التشويق والاثارة للحصول عليها فكثرة المطاردة تجعل لحظة اللقاء أكثر جمالا ومتعة.
وفي قصة مع قدوم الخريف، تعالج ما يحدث من بعض من يصطادون الأنثى  بالنظرات في الحدائق العامة والمتنزهات، فيصطاد البنات الصغيرة ( القطط ) فيسحبها إلى مكان إقامته في الحارات الضيقة ولا تعنيه نظرات الجيران، فهو يعيش وحيداً لذا لا يعبأ بأحد عندما يجد الأنيس، فهذا المجتمع الذي همشه لماذا يحاول أن يمارس سلطة الرقابة عليه؟ 
وتذهب لمعالجة قضية أخرى في قصة ( معرفة ذاتي ) الشباب الذين تركهم المجتمع بعد انفصال الأبوين مع وفرة من المال، فيصبح الولد كما تقول مزاجي ويترتب على ذلك اختلاف مزاجه في الأنثى فهو يصطاد الفتيات الساذجة في رحلة بحثه عن كل غريب، لديه العديد من الفتيات اللاتي يمارس معهن الجنس على مواقع التواصل الاجتماعي، فهو متحير لكثرتهن يخطئ في أسمائهن، وبعض الأحيان يترك الجميع ليذهب ويغوص وحده في الماء، أي يترك المجتمع ويذهب يبتغي النشوة بشكل مختلف، يسهر مع أصدقائه يسكر و يحشش معهم ويترك ذكره لأحد أصدقائه يداعبه له، فجور وعبثية مطلقة موجودة بالفعل في مجتمعاتنا رصدتها الكاتبة كما نرصدها جميعنا لكنها كانت الأقوى والأشجع والأجرأ في سرد كل ما مر من قصص، كما لا ننسى تعرضها للزواج التقليدي وذكر ما يحيط به من غموض في قصة ( تفاصيل الجسد ) تذكر أن المرأة تشعر بالتقزز عندما يعاشرها الرجل وكأن شيئاً التصق بجسدها تحاول إزالته بكثرة الاستحمام دون جدوى، رغم أن تلك المرأة تستيقظ حواسها ليلا بعيدا عن الرجل لأنها تبحث عن الحب الذي يكون الجنس تتويجا له، والرجل  بدوره يملها ويبحث عن مواقع إباحية ينظر إليها بجوارها ويتلذذ بمنيه يسيل بين يديه دون أن يحرك لها ساكناً، هل بالفعل وصل بعض الأزواج لهذه الدرجة؟ أمر مقلق ومحير وخطير لكنه لا يقل خطورة عن أمر أخر ورد في قصة  (جلباب عطية )  ذلك الترزي الذي أوهمته إحداهن بالحب ونصبت عليه في الكثير من المال ثم هربت مع قريب لها تحبه، فما كان من عطية إلا أنه اعتاد أن يلبس ملابسها فبدأ الإحساس الأنثوي يتسرب إلى داخله، فراح يحلق شعر جسده بماكينة الحلاقة ويستمتع بنعومة جسده، كما كان يراقب الزبائن أثناء عمل بروفه على ملابسهم، فيستمتع بمشاهدة الأعضاء الذكورية للرجال من خلف الملابس الداخلية فيشعر بوخز في جسده، فلا يستطيع أن يتماسك نفسه في المكوس أمامهم فيهرب لكبر سنه فربما يرفضوه.  
في النهاية أستطيع أن أقول إن المجموعة بعيدا عن شكل السرد الذي بدأ وكأنه كتابة يوميات، كما أستطيع أن أقول إن معالجة اليومي نجحت في الشعر لكنها تحتاج إلى الكثير على مستوى السرد خصوصا في لغتنا العربية، والتي تعرف شكلا محددا للقصة بين عقدة وحل وتصاعد أحداث بين الشخوص، فاليومي عندنا يحتاج للكثير حتى يفي بهذا، لكن المجموعة بشكل عام صرخة حقيقية صدرت عن أنثى قلبها على الوطن، أن دور المجموعة لا يقل أهمية عن أي دور وطني فهي تبرز وتجسد دور الكتابة الحقيقي في الكشف عن الأمراض الاجتماعية، فهذا ما وضعت الكتابة لأجله، ولم توضع كنوع من التسلية والنزهة وفرد العضلات اللغوية، كما ارجو أن تتحمل الكاتبة بكل شجاعة وصبر كل التهكمات المجتمعية والصرخات الفارغة ضد المجموعة كما أوضحنا في البداية، سوف يدور الكثير والكثير من الجدل حول ما سوف تثيره المجموعة في نفوس من ذكرناهم من عديمي الثقافة أو ممن يحاولون ستر أنفسهم حتى لا تثار تلك القضايا مرة أخرى حفاظا على طرقه الخلفية في معالجة أمراضه النفسية.      
   

مساحة إعلانية