مساحة إعلانية
رحلة فلسفة وإبداع ونضال من أجل المرأة والإنسان
عزيزي القارئ عزيزتي القارئة ، اسمح لي أن أقدم لك واحدة من الأصوات الأدبية التونسية المهمة التي تمتد جذورها في تونس وأغصانها في سويسرا، إنها الكاتبة المتعددة المواهب الأديبة القاصة حياة الرايس. هي أستاذة فلسفة ، شاعرة وقاصة وروائية أيضًا كاتبة مسرح ومقال أدبي، باحثة وإعلامية ، بل كتبت للمسرح والمقال الأدبي، فهي تجمع بين عمق البحث الأكاديمي ورشاقة الإبداع والإعلام.
وعندما نتحدث عن مكانتها على الخريطة الأدبية تكفي الإشارة إلى أنها حصدت تكريمات عديدة، أبرزها الجائزة الدولية "رائدات الأدب والإبداع" من أكاديمية التميّز في الهند عام 2021. كما نالت لقبًا "رائدة كتابة السيرة الذاتية في تونس"، الذي أُطلق على روايتها البارزة "بغداد وقد انتصف الليل فيها".
ولم يكن التكريم محليًا فقط، فقد اختارها تلفزيون الشارقة لتكون إحدى "سفيرات المعاني" في عام 2023، كما حظيت بلقب "سفيرة النور" من المنظمة العالمية للإبداع من أجل السلام في لندن، لتكون حقًا سفيرةً للأدب التونسي وللقيم الإنسانية النبيلة. والأكثر إبهارًا أنها تتقن الحوار بلغة العربية والإنجليزية والفرنسية، مما يجعل إبداعها جسرًا بين الثقافات. أليست سيرة تستحق الاكتشاف هيّا بنا نتعرف على قصة إحدى أبرز النساء الرائدات في الوطن العربي في مجال الأدب، حيث نسلط الضوء على مسيرتها الإبداعية المتميزة وإسهاماتها البارزة في المشهد الثقافي.

- كيف ساهمت مرحلة الطفولة والتعليم الثانوي في تشكيل شخصيتك الأدبية ومسيرتك الكتابية؟
** كانت بغداد بداية علاقتي بالصحافة والنشر لكن الكتابة كهواية كانت تسكنني منذ الصغر ومبكرًا جدًا : وهنا أفتح قوسًا لأقول أن رحلتي مع الحرف بدأت من " الكتّاب" الذي فكّ تلعثم الطفلة فيّ وأطلق لساني بفصيح العبارة وقوّى ملكة الحفظ لديّ . مما ساعدني على حفظ كثير من الشعر فيما بعد والنثر والحكم ...كنت طفلة وكنت أكتب دفتري اليومي قبل أن أنام واخبئه تحت وسادتي. وفي المرحلة الثانوية : صادف أن كان معهد نهج الباشا بمدينة تونس العتيقة قرب المكتبة الوطنية بسوق العطارين فكنت أخرج من المعهد مباشرة على المكتبة متلهفة لالتهام أمهات الكتب : المقدمة والأغاني والعقد الفريد ودواوين المتنبي والمعري وشعراء ما قبل الاسلام والعصر الذهبي للإسلام والأندلس حتى قبل أن يُقرَر علينا بعضها في البرنامج الدراسي الذي كان يبدو لي ضعيفًا وهزيلًا وغير مقنع ولا يرضي طموحاتي. فكنت أعد دائمًا برنامجًا خاصًا لنفسي ثريًا بالقراءات والمطالعات والكتابة عنها أيضًا بما يليق بمشروع الكاتبة التي كنت أريد أن أكونها.
- حدثينا عن بداية مسيرتك العلمية؟
** بدأت رحلتي من ضاحية "باردو" بتونس العاصمة، وتعلمت بالمدارس المحلية ثم تابعت تعليمي العالي في جامعة بغداد حيث كنت أول تونسية تتخرج من قسم الفلسفة سنة 1981م. بعدها حصلت على شهادة في الأدب الفرنسي من جامعة السوربون في باريس 2001.
- ما سبب اختيارك لدراسة الفلسفة؟
**عند التسجيل في الجامعة كنتُ مترددة بين مادتي الأدب العربي والفلسفة، وأخيرًا حسمت أمري لصالح دراسة الفلسفة. ربّما للوصول إلى "الحقيقة"، وطمعًا في أجوبة عن أسئلة البدء، والموت، والقبر، والوجود، والماوراء، وحقيقة الكون... تلك الأسئلة التي كانت أمي تنهاني عنها، ويضربني سيدي المؤدّب على أصابعي الصغيرة ويتوعدني بنار جهنم إذا عدتُ إليها. ويقفز عليها المعلّم؛ لأنها ليست ضمن البرنامج المقرّر علينا. ويزعم الأستاذ إجابات لا تزيد إلا تعميق حيرتي... وينفر منها البعض باعتبارها أسئلة مكروهة، ممنوعة، أو محرّمة، أو هي في أحسن الأحوال ضربٌ من العبث". و"اخترت الفلسفة أيضًا للمصالحة بين لغة الفلسفة ولغة الأدب: بين لغة العقل والتحليل المنطقي، ولغة الوجدان والعاطفة الإنسانية. وربّما لمقاربة "الحقيقة" بلغة السّرد الأدبي من رواية، ومسرح، وقصّ، وشعر... تخفيفاً من صرامة اللغة المنطقية، العقلانية، الجافة، التي لا تسمح حدودها بملامسة نبضات وأشواق وكشوفات الروح، التي تتجاوز العقل. كما يقول نيتشه، الذي قدّم فلسفته بصورة سردٍ روائي في عمله الشهير "هكذا تحدث زرادشت"، وكما فعل غيره من الفلاسفة الذين صاغوا فلسفتهم وأفكارهم بواسطة الرواية والمسرح، كـ جان بول سارتر، وميلان كونديرا، وألبير كامو، وغيرهم... وربّما كتحدٍّ لأفلاطون، الذي طرد الأدباء، والشعراء خاصة، من جمهوريته".
- تحدثتي عن أن بداياتك الأدبية في بغداد، كيف أثر العيش والدراسة في
بغداد على رؤيتك الأدبية ومسيرتك الإبداعية؟
** لقد كانت البداية من بغداد، وبخاصة ضفاف نهر دجلة حيث تمثالي شهرزاد وشهريار، مشهدًا ذا رمزية عميقة في بداياتي الأدبية. هناك، جلستُ أتأمل شهرزاد وأسألها مستفزة عمّا لم تحكِه من أسرار: " ...أم أنك سكت على كثير من الأسرار بفعل المحرّم والمباح لا بفعل قدوم الصباح.".
كانت جدتي بالنسبة لي امتدادًا لذلك الإرث الروائي، حيث اعتبرتها حفيدة شرعية لشهرزاد، ووعيت منذ الطفولة أن قدر النساء هو حفظ الذاكرة الجماعية من الضياع ومواصلة الحكاية لاستمرارية الحياة. في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وبين نسائم الصيف في منطقة الأعظمية، كنا نحن طلبة جامعة بغداد نجتمع للسمر ونسرد أحلامنا وطموحاتنا الأدبية، وأنا كنت أحرر مقالاتي ونصوصي وأتلقى أول تشجيعاتي من صحف ومجلات بغداد مثل "ألف باء" وجريدة "الجمهورية". كانت جامعة بغداد بمثابة فسيفساء عالمية جمعتني بطلبة من شتى أنحاء العالم، ما فتح أمامي آفاقًا ثقافية وإنسانية جديدة وأسهم في إثراء تجربتي الإبداعية، هذا إلى جانب رحلاتي لاكتشاف الشرق والشرق الأقصى التي أضافت بعدًا حقيقيًا وحيويًا لمعرفتي ولأعمالي الأدبية، بعدما كانت ثقافتي محصورة سابقًا في الكتب فقط. كل هذه التجارب شكّلت اللبنات الأولى لمساري الأدبي وأثرت في كتاباتي لاحقًا بشكل عميق ومتعدد الأبعاد.
- كيف كان دور الرجل في مسيرة الأديبة حياة الرايس؟ هل كان يمثل لها السند والدعم، أم كان رمزًا للقهر والاستبداد في مسيرتها الشخصية والمهنية؟
** أنا تزوجت كاتبًا ظنًا مني أنه الأقرب إلى مجالي وأننا سنكون في منتهى الانسجام و التفاهم ؛لأن مجالنا مجال واحد. لكن صدمتي في المثقف كانت كبيرة. ما أن تزوجنا حتى أظهر لي وجهًا لم أكن أعرفه من قبل ..في الأول أظهر غيرة كبيرة علىّ من الوسط الثقافي حتى فهمت أنه يغار مني ومن نجاحاتي ليس غيرة عليّ. كان عندي برنامج تلفزي ناجح جدًا بعنوان : " حوار الحضارات " قبلما أتزوج. عندما تزوجت منعني عنه وحرم علي دخول التلفزة أصلًا. منعني من الكتابة في الجرائد والمجلات إلاّ بموافقته... والظهور في المناسباتّ الثقافية إلاّ بصحبته... كانت بداياتي قوية في أول الثمانينات : كان عندي برنامج تلفزيوني شهري وكان عندي ركن قار بجريدة الشرق الأوسط . وكنت أكتب في جريدة الصباح الجريدة الأولى في تونس . كنت أنشّط " منتدى القصاصين" في إتحاد الكتاب التونسيين أين تعرفت إليه. ليمنعني من مواصلة تنشيط هذا المنتدى بعد زواجنا رغم أنه كان سبب تعارفنا...مع العلم أنه كاتب. لكل هذه الأسباب لم أستطع أن أعيش معه أكثر من ثلاث سنوات... تم الطلاق بعدها. وانفصلنا لاسترجع ذاتي الكاتبة والإنسانة وأحرر نفسي من هذا السجن وهذه العبودية المقنعة باسم الوصاية الزوجية...وأواصل مسيرتي الأدبية ومشروعي الإبداعي الثقافي . وكان الثمن باهضًا جدًا كما ثمن الحرية تمامًا. لكنني ملكت ذاتي ومصيري وتحملت مسؤولياتي...وقد نجحت في ذلك إلى حد كبير والحمد لله.
- كيف استطاعت الأديبة حياة الرايس تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية؟
** كانت النفس التواقة للكمال تتحدى كل شيء. كان أولويتي ابني وكنت أقوم نحوه بدور الأم و الأب في نفس الوقت. ساعدني أبوايا في ذلك ليتربى وسط عائلة كريمة أصيلة محافظة ومقتدرة والحمد لله. كان شغلي في إدارة المركز الثقافي أكثر من عمل إداري هو تنشيط ثقافي وعمل نضالي خدمة للمجتمع المدني ومعه شغل الرابطة والإذاعة والتلفزيون ... كنت أشعر بأزمة أن كل ذلك لا يعطيني الوقت المادي الكافي للكتابة. لكن بعد التقاعد من الوظيف أنا الآن متفرغة للكتابة .حقيقة أن الإنسان لا يشعر بحياته الحقيقية و لا يعيش لنفسه إلا بعد التقاعد. حينها يبدأ العمل لحياة جديدة. كنت طوال حياتي أعمل لفائدة المؤسسات .الآن أعمل لمؤسستي الخاصة الإنتاج الأدبي هو معمل خاص يبدأ من صياغة الأفكار إلى أن ترى النور في شكل أجناس أدبية مختلفة ... أنا الآن أصدر كتابين كل سنة. نجاحي الأكبر كان ابني أوس الذي أصبح دكتورًا برتية بروفيسور في جامعة فريبورغ بسويسرا. وفر لي حياة تليق بكاتبة أعطت الكثير للمؤسسات والمجتمع المدني علما أني أثريت حياتي الأدبية بكل تلك التجارب و الأسفار . الآن أعيش بين تونس صيفا و سويسرا شتاء متفرغة للكتابة والسفر حيث تسبقني كتبي إلى كل مكان. تسعدني التكريمات و الدعوات و التتويجات كاعتراف بمسيرتي الأدبية التي تمسح كثيرًا من التعب .
- كيف كانت بدايتك مع الصحافة والإعلام؟
** كما سبق أن أوضحت أنني بدأت الكتابة والصحافة منذ السنوات الأولى في الجامعة ببغداد، إذ كتبت في مجلة "ألف باء" العراقية، وعملت مراسلة إخبارية لإذاعة عمّان من بغداد لبرنامج مراسلون، كنت أقدم رسالة بغداد لقسم الأخبار. ثم اشتغلت في الكويت في جريدة "القبس" و"الرأي العام" وغيرها، وكانت تجربة غنية سمحت لي بالتعرف على واقع إعلامي متنوع.
- إلى أى مدي يعكس عملك الأدبي، في قصة "إعلان زواج" خاصة، رؤيتك السياسية والاجتماعية لفترة الثمانينات في تونس؟
** قصة "إعلان زواج" توجد ضمن مجموعتي القصصية الأولى "ليت هندًا" التي صدرت سنة 1991. في الواقع، انطلقت فيها من أحداث سياسية عايشناها في الثمانينات، عندما تم ملاحقة ومحاكمة بعض فصائل اليسار وخاصة خلال "ثورة الخبز" عام 1984م. حسب رأيي، يجب على الكاتب أن يكون شاهدًا على عصره وزمانه مثلما في هذه القصة حيث يظهر الهادي الذي تشبث بفكرة المدينة الماركسية "الفاضلة"، يناضل مع رفاقه لبناء هذا الحلم مضحيًا بسعادته الشخصية والعائلية. رغم المعاناة والقهر. لكن في مواجهة الفقر والقمع، يكتشف أن هذا الحلم ينهار والعديد من الرفاق يتخلون عنه، ويختارون الانصراف إلى واقع مادي أكثر ربحية، ويلحون عليه كما كانت تفعل طليقته زهرة أن يتحول من تربية الأجيال إلى تربية الدواجن ولا يخفى ما في ذلك من رمزية تدجين المثقف المتمرد حتى ينسجم.
- حصولك على ليسانس في الفلسفة بلا شك أثر بشكل كبير على رؤيتك الأدبية، هل يمكنكِ أن تحدثيني عن عمل أدبي فلسفي يبرز أثر الفكر الفلسفي على كتاباتك؟
** يظهر الجانب الفلسفي في كتاباتي والتي مزجت بين الأسلوب السريالي والواقعي خاصة في قصة "عزرائيل والكاتب " : حيث يقوم السيد عزرائيل في الصباح يشرب قهوته، يتناول دفتره ويضبط برنامج يومه الذي سيستعد له استعدادًا خاصًا فالضحية اليوم كاتب معروف ومشهور هو "عمر الخالد" ولا يخفى ما في الاسم من رمزية الخلود. فمهمة عزرائيل لن تكون سهلة؛ لأنه في مواجهة كينونة خالدة لا تفنى. ولكنه يجد لذة خاصة في منازلة الكاتب بالذات؛ لأنه يطمح في الخلود ويريد أن يقهر الموت بتخليد آثاره. تقوم محاورة بين عزرائيل والكاتب كلّ يريد أن ينتصر على الآخر ولكن الكاتب يستطيع أن يفوز على عزرائيل بإيهامه أنه يكتب رواية عنه، يريد من خلالها أن يخلده ويدخله التاريخ من بابه الواسع ويغويه بقراءتها. يفاجأ عزرائيل بها وبذاته كشخصية روائية فتأخذه الغواية فعلًا بقرائتها ويهيم بتفاصيلها. مأخوذًا بسراديب القصة والتشويق فيها حتى ينسى أمره وما جاء من أجله .حيث تشابك الواقع بالخيال في سرد حكائي يعكس فلسفة الحياة والخلود.
-أريد التوقف عند محطك العمل الميداني والإعلامي بدءًا من عودتك إلى تونس عام 1982، إلى إعداد برامج تلفزيونية وإذاعية، كيف تري تأثير هذه الأعمال المتنوعة على مسيرتك الأدبية والثقافية؟
** بعد عودتي إلى تونس عام 1982، توليت مسؤولية الصفحات الثقافية في جريدة الأنوار التونسية، وبدأت الكتابة الأسبوعية في مجلة الإذاعة والتلفزة التونسية حيث أعددت برامج إذاعية وتلفزيونية متعددة، منها برنامج "حوار الحضارات" الذي تناول الحضارة العربية الإسلامية وأثرها في بلدان مثل الهند والصين والأندلس. في 1984 بدأت تدريس الفلسفة بالمعهد الصادقي. وأسست منتدى القصاصين باتحاد الكتاب التونسيين مع الكاتبة نافلة ذهب. عام 1988 أصبحت مديرة مكتب تونس لمجلة "شهرزاد الجديدة" التي تصدر من قبرص. ومنذ 1992 كنت مراسلة في وكالة الاتصال الخارجي التونسية لصحف ومجلات عربية وأجنبية. كما شغلت لمدة عشر سنوات إدارة مركز ثقافي "فضاء 13 أوت" التابع للاتحاد الوطني للمرأة، أشرفت على إحياء الأنشطة الثقافية والتوعوية فيه. أسست عام 2002 رابطة الكاتبات التونسيات لتعزيز دور المرأة في الساحة الأدبية. كل هذه التجارب أفادتني كثيرًا في بناء مسيرتي الأدبية والثقافية، وأعطتني منصة للتفاعل مع المجتمع وتطوير قضايا المرأة والفكر الثقافي عبر مختلف الوسائط والمنابر. حاليًا، أنا متفرغة بشكل كامل للكتابة الأدبية وخاصة الرواية. أبقيت فقط على صفحة شهرية في مجلة " كل العرب" الباريسية.
- صدر لك في عام 1995 كتاب بعنوان "جسد المرأة: من سلطة الإنس إلى سلطة الجان" تناولت فيه موضوعًا حساسًا وغير مألوف في الأوساط العربية، هل يمكن أن تحدثينا عن الهدف من هذا البحث وكيف استقبلته الأوساط الثقافية والاجتماعية؟
** بالطبع، كان هذا الكتاب بمثابة محطة بارزة في حياتي؛ لأنه بحث فلسفي تناول ظاهرة النساء المسكونات بالجن، موضوع يعتبر من التابوهات في المجتمعات التقليدية والمحافظة. قدمت في الكتاب مقاربة علمية : سيكولوجية وأنثروبولوجية لهذه الظاهرة، متسائلة :" ما معنى أن يسكن جسد المرأة جان ؟، وانتشار ذلك بين النساء أكثر من الرجال، ومن هو الجان؟ . يعد الكتاب بحث علمي يتكون من 6 فصول وهم كالآتي:
المرأة والحياة السياسية : قراءة في أسطورة أثينا وعلاقتها بالديمقراطية, جسد المرأة من سلطة الأنس إلى سلطة الجن, صورة المرأة في لاوعي المثقف العربي, الحركات الإصلاحية النسائية التونسية في بداية القرن الماضي, المرأة التونسية والوضع السياسي الراهن, المرأة التونسية قبل وبعد مجلة الأحوال الشخصية .
صدر الكتاب عن دار سينا في القاهرة وتم توزيعه على نطاق واسع في الدول العربية والغربية، ووصل إلى بعض المكتبات في كندا وأمريكا ولندن وباريس وغيرها، وهذا ساعده على تحقيق انتشار واسع. رغم احتفاء بعض الأوساط الثقافية والإعلامية به في مصر خاصة، تعرضت لهجوم من فئات سلفية لم يقرؤوه حتّى، ظنًا منهم أنه كتاب إثارة بسبب عنوانه.
كما أقام معرض الكتاب بالقاهرة ندوة خاصة بالكتاب سنة 1995. تحدثت فيها عن أهم القضايا التي يطرحها الكتاب وتعرضت إلى التجربة التونسية الرائدة في مجال حقوق المرأة، ومجلة الأحوال الشخصية ... وكالعادة فقد أثار جدلًا واسعًا وصل إلى حد توتر النقاش وقطع الندوة. رغم ذلك، أعتبر الكتاب خطوة مهمة لكسر الصمت حول قضايا المرأة المسكوت عنها في الخطاب السلفي.

- أريد الوقوف عند محطة هامة في حياتك هي اهتمامك بقضية المرأة كجزء أساسي من كتاباتك وحياتك، حدثيني عن ذلك؟
** بالفعل، كانت قضية المرأة ولاتزال تمثل حيزًا كبيرًا من كتاباتي ومن حياتي ومن اهتماماتي فإلى جانب الكتابات الفكرية والأدبية عشت تجربة دامت قرابة الاثنتي عشر سنة في صفوف الإتحاد الوطني للمرأة التونسية كمديرة لمركز ثقافي تابع للإتحاد هو "فضاء 13 أوت ". و13أوت وهو تاريخ عيد المرأة التونسية. أي تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية. وكنت اكتب عن مجلة " المرأة " لسان حال الإتحاد . ومنذ سنة 1995 أسست رابطة الكاتبات التونسيات الراجعة بالنظر للأتحاد أيضًا . والتي ستصبح رابطة للكاتبات العربيات إن شاء الله.
- هل يمكنك أن تحدثينا عن بعض الجوائز التي حصلتي عليها ، وعن أثر هذه الجائزة عليك؟
** من الجوائز التي تمثل بالنسبة لي اعترافًا مهمًا يثري مسيرتي الأدبية ويحفزني على الاستمرار في الإبداع. بداية من جائزة إتحاد الكتّاب للقصة عام 1992م، التي كانت نقطة انطلاق كبيرة في مجالي الأدبي، مرورًا بجائزة أفضل نص مسرحي لكاتبات المتوسط في 2010م من مكتبة إسكندرية والتي أكدت قدرتي على التألق في مجال المسرح وفوز مسرحيتي "عشتار" بجائزة البحث العلمي سنة 2019 وكذا في كتابة النصوص المسرحية النسائية. أما جائزة ناجي نعمان الأدبية الدولية، فكانت تكريمًا للإبداع الأدبي بصفة عامة على الصعيد الدولي، مما منحني دفعة قوية للاستمرار وغيرها كثير. كل جائزة تمثل مرحلة مهمة في تطوري وتنوع اهتمامي بين الأدب والقصة والمسرح والبحث العلمي.
- حصلتي مؤخرًا في هذه الصائفة و ضمن عيد المرأة التونسية على جائزة زبيدة بشير من وزارة المرأة إذا أمكن أن تعرفينا على هذه الجائزة ، و نريد أن نتعرف أيضًا على كتابك الأخير الذي حصل على جائزة البحث العلمي عن كتابك " الأمهات العازبات وصمة عار أم اختيار؟
** فعلا قد نالني شرف الحصول على جائزة " زبيدة بشير للبحث العلمي "باعتبارها أول شاعرة تونسية في العصر الحديث ) من مركز البحوث والدراسات والإعلام حول المرأة التابع لوزارة المرأة. عن كتابي :" الأمهات العازبات وصمة عار أم اختيار" هذا الكتاب هو محاولة لرفع الغطاء عن موضوع مسكوت عنه. لا يذكر إلا همسًا وسرّا كفضيحة يجب التستر عليها خوفا من العار. أو خوفًا من العنف والعقاب الذي يمكن أن يطال" الأم العزباء". الذي يصل أحيانا إلى حد القتل وارتكاب الجرائم التي لا يعاقب عليها القانون في بعض البلدان العربية. فيما يعرف بجرائم الشرف. لذلك وجدت صعوبة كبيرة في الاستقصاء عن الموضوع. ومع ذلك توصلت إلى الكشف عن هذه الحالات الحرجة وعن هذه الظاهرة، في بعض البلدان العربية. التي لا تعترف أصلا بها، ولا تريد الخوض فيها. وتعتبرها من المواضيع المحرّمة والممنوعة. معتّمة على الموضوع. متحفظة في طرحه على العلن. تتجاهله وتتعامل معه سرّا في أحسن الأحوال. وليس كظاهرة اجتماعية وجب طرحها وكشفها ومناقشتها لمعالجتها. والهدف من هذا البحث هو الخروج من دائرة التستر والإدانة والتأثيم والتجريم والتعتيم ... إلى المعالجة الموضوعية. فقضيّة المرأة ليست قضيّة فردية، وإنما هي قضيّة مجتمع بأكمله. وقد توجهت إلى بعض المؤسسات ومراكز الاحتواء الرسمية في تونس وفي بلدان أخرى...وإلى حالات حقيقيّة مباشرة. لأخذ شهادات من أفواههن دون وساطة ولا وصاية. أعطيتهن الكلمة كتشجيع على البوح لموضوع مسكوت عنه، ممنوع ومحرم الخوض فيه. في محاولة لمواجهة فعلية مع هذا السائد الثقافي والاجتماعي والسياسي والتاريخي في مجتمع عربي تقليدي محافظ. مازال يعتبر نفسه وصيّا عن المرأة. متكلّما باسمها. متكتّما على أسرارها. متنكرًا لحقوقها واختياراتها. مجتمع ذكوري يدين المرأة ويتسامح مع الرجل. وكأنها أنجبت بمفردها؟
- ما رأيك بوصفك بالأديبة بالنسوية ؟
** أنني أتبنى قضية المرأة في كل أعمالي باعتبارها قضية مجتمع ولا يزعجني أن أوصف بالكاتبة النسوية، بل أفتخر أن لي قضية أدافع عنها تتعلق بالمستضعفين في الأرض. والكاتب الذي ليست له قضية يدافع عنها ليس بكاتب بل مجرد شخص يلهو بلعبة الكلمات.
- بالفعل تشكل قضية المرأة والظلم الواقع عليها هاجسًا مركزيًا في تجربتكِ الأدبية. كيف تُفسّرين استمرار هذا الهاجس على الرغم من انتمائكِ لتونس، البلد الذي تُعتبر قوانينه الأكثر تقدمًا في العالم العربي فيما يخص حقوق المرأة، وهو ما قد يخلق انطباعًا لدى الكثيرات بأن المشكلة قد حُلت هناك؟
** أنا امرأة عربية، وانتمائي وأدبي يتجاوزان الحدود الجغرافية. صحيح أن تونس تمتلك مدونةً قانونيةً رائدةً على المستوى العربي في مجال ضمان الحريات وتحقيق المساواة، لكنّ تغيير القوانين هو الخطوة الأسهل. التحدي الحقيقي والأصعب يكمن في تغيير الذهنية الذكورية المتأصلة في المجتمع. جميعًا، بمن فينا التونسيات والتونسيون، نعيش في كنف مجتمعات أبوية ذات خلفية عربية واحدة، طالما أنكرت على المرأة حقها واعتبرتها كائنًا من الدرجة الثانية، وسنت قوانينَ تمييزيةً تُكرّس تبعيتها. لا شك أن المرأة التونسية قد قطعت شوطًا كبيرًا في مجال الوعي بذاتها وبحقوقها وكرامتها. إلا أن نظرة الرجل إليها غالبًا ما تتخلف عن هذا التقدم، حيث لا يزال الكثيرون منهم أسرى رواسب التربية التقليدية التي تكبلهم وتمنع تحرر وعيهم. هذه الهوة تمنع تحقيق التوازن والانسجام الاجتماعي المنشود. لذا، فمعركتي الأدبية والفكرية ليست ضد القانون، بل هي معركة مع التراث الثقافي والاجتماعي الذي ينتج اللامساواة في العلاقات اليومية، حتى في أكثر المجتمعات العربية "تقدمية" من الناحية التشريعية.
- أخيراً، ما النصيحة التي تود أن تقديمها للباحثين الشباب في ميادين الفكر والأدب والإعلام؟
** أنصح بقراءة واسعة وصبر ومثابرة ووعي بالرسالة التي يحملها الكاتب والفيلسوف. الكتابة مسؤولية تتطلب صدقًا مع الذات وتسليطًا للضوء على القضايا الحقيقية، وليست مجرّد مهنة أو وسيلة شهرة.
من سلسلة نساء رائدات للدكتورة آمال طرزان