مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

الرأي الحر

د. وحيد الكيلاني يكتب : خبائث النفوس... حين يُصبح الإنسان عدواً لنفسه

2025-07-11 17:18:09 - 
د. وحيد الكيلاني يكتب : خبائث النفوس... حين يُصبح الإنسان عدواً لنفسه
د. وحيد الكيلانى

في زحام الحياة اليومية، نتابع أخبار الحروب، والفساد، والانهيارات الأخلاقية، فنظن أن العالم ينهار من حولنا… لكننا نغفل عن الحقيقة الأهم: أن أول انهيار يبدأ من داخل الإنسان. من هناك، من زاوية خفية في أعماق النفس، حيث تسكن أمراض لا يراها أحد، لكنها تفعل في الروح ما لا تفعله القنابل في المدن.

إن خبائث النفوس ليست مجرد انفعالات طارئة، بل هي جراثيم متخفية تنمو بصمت، وتتحول مع الوقت إلى سلوكيات قاتلة. تبدأ كشرارات صغيرة: غيرةٌ صامتة، كلمةٌ حاقدة، نظرةُ استعلاء… ثم تتضخم حتى تُفسد الطبع وتقتل الضمير.

الحسد... أول سهم في قلب الطمأنينة

الحاسد لا ينام قرير العين، فكل نجاح يراه لغيره يُوقظه، وكل نعمة تمر على أحدهم تُزعجه. يعيش في دوامة المقارنة، ولا يدري أن الله قسم الأرزاق لحكمة، لا لهوى. الحسد ليس مجرد "تمني"، بل "احتراق داخلي"، لا يصيب المحسود بقدر ما ينهش قلب الحاسد.

الرياء... مرآة مكسورة

في زمن الصورة، صار البعض يعيش ليُرى، لا ليكون. يصلي أمام الناس، ويكذب خلفهم. يبتسم في المجالس، ويسمم الأحاديث في الغياب. الرياء داء خبيث، يجعل الإنسان نسخة مزيفة من نفسه، ويحول علاقاته إلى عروض مسرحية فارغة من المعنى.

الأنانية... حين يُختصر الكون في ذاتك

الأناني لا يرى من العالم سوى مرآته، ولا يسمع سوى صوته. يختزل القيم في مصلحته، والعلاقات في مكاسبه. لا يفرح إلا إذا ربح وحده، ولا يحزن إلا إن خسر ولو كسب الجميع. وهذا النوع من الناس لا يبني مجتمعات، بل يهدمها من الداخل.

الحقد... نار لا تطفئها دموع الندم

الحاقد لا يشفى، لأنه لا يريد أن يشفى. يحتفظ بالأذى كأنّه كنز، ويعيد اجترار المواقف كمن يشرب السم على جرعات. وما علم أن الحقد لا يؤلم سواه، وأن التسامح ليس ضعفًا، بل إنقاذ للنفس من الغرق في مستنقع الغل.

نحو إنقاذ داخلي

الوقاية من خبائث النفوس لا تأتي من الخارج، بل تبدأ بمصارحة الذات. فلنسأل أنفسنا:

هل نفرح لخير الآخرين؟

هل نحمل قلوبًا بيضاء لا تحتفظ بالأذى؟

هل نُخلص في القول والعمل؟

هل نسامح؟ هل نحمد الله على ما وهبنا دون أن نمد أعيننا لما عند غيرنا؟

الإجابة عن هذه الأسئلة تحدد موقعنا: هل نحن في طريق التطهر، أم في وحل الانحدار؟

خاتمة: أخطر معارك الإنسان... مع نفسه

ليس العدو الحقيقي في الخارج، بل يسكن في دواخلنا. فإن كنا نملك الشجاعة لمواجهة هذا العدو، فسنُشرق من جديد، وستنقشع الغشاوة عن القلب، وسنجد في البساطة، والصدق، والرضا، حياةً لم نكن نراها.

طهر نفسك... قبل أن تبحث عن طهر العالم.

مساحة إعلانية