مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منبر

المبدعون

قراءة في ديوان على جناحين يمشي للشاعرة جيهان لطفي ..بقلم جابر الزهيري

2025-02-17 11:09 PM - 
قراءة في ديوان على جناحين يمشي للشاعرة جيهان لطفي  ..بقلم جابر الزهيري
غلاف الديوان
منبر

الإبداع ودلالات التناص

الشعر ما هو إلا تنسيق جميل لمشاعر فوضوية تسيطر على وجدان الشاعر فيمنحها من روحه وثقافته ما يجعل لكل شاعر لغته الخاصة التي تميزه عن غيره، وكذلك مفردات قاموسه اللغوي الذي يحدد مصادر ثقافته، سواء كانت مفردات معجمية أو فصيحة دارجة بسيطة أو ذات مرجعيات تراثية أو دينية، كل حسب ثقافته، ليخرج للمتلقي عملا أدبيا يحقق الهدف الأول من رسالة الشاعر وهي الإمتاع، ثم يليها هدف رسالة النص.

وكثيرا ما لجأ الشعراء على مر العصور الأديبة إلى الاقتباس من النصوص الدينية أو التراثية سواء كان هذا الاقتباس لفظيا أو معنويا، أو كان تضمينا لدلالة رمز معين بصورة مشابهة أو مغايرة لما ورد بالنص المقتبس منه.

وعرّف البلاغيون الاقتباس بأنه (تضمين النثر أو الشعر شيئاً من القرآن الكريم…

وفي قصيدة (إشفاق) تختتمها بقولها: أنا الكذاب الأشر / أقول وقولي إفك

وكل هذه الاقتباسات سواء بدلالاتها الرمزية المتعددة، وبتوافقها اللفظي مع نص الآيات لا تبتعد عن الحالة العامة الديوان وهي (الفقد).

 نجد أيضا من توظيف التراث في قصيدة (منطق)، ما ورد من رد النبي صلى الله عليه وسلم على العرض الذي قد قدم من قريش إذ تقول: القمر في يساره / والشمس بقى في يمينه / وما ترك عقيدة الشوق.

 وفي قصيدة (ما أخلده) نجد: عبست وتوليت

 ثم في قصيدة (طرقت أبواب الكرى) نجد: ولم أقل تبا

 وفي قصيدة (مراوغة) وأسقط في أيديهم

 وفي قصيدة (أغنية): في عباب موجك  كالطود

 وفي قصيدة (عزلة): طائركم معكم

 وفي قصيدة (آية أخرى) العنوان نفسه اقتباس ونجد: تسع وتسعون تمرة

 كذلك الأمر في قصيدة (ريب المنون) وقصيدة (وقد جئناك) العنوان مقتبس أيضا وكذلك في قصيدة (من كل زوجين إثنين).

وفي قصيدة (في حضرة الراحلين) وإن كانت تتلمس فيها طريق الصوفية في الشعر.

 وفي قصيدة (عاصم) تستقي ذلك الاقتباس الضمني من قصة نوح مع ابنه فنجد البداية: لا سفينة ولا جبل /  وحدة الطوفان يعصم

 وفي قصيدة (البدوي):  يهش على أغنام الليل

ثم تفاجئنا بتضمين من اسم فيلم كعنوان لقصيدة، في (خلي بالك من..) وإن كان من الفصحى الدارجة التي يظنها البعض أنها عامية اللهجة.

 قصيدة (ياء المتكلم) جيدة جدا وبها بعض الإسقاطات التي خدعتني عندما كشفت للناس ماهية الأندلس. المذكورة وهي مجرد اسم لحديقة، ولو تركت ذلك دون تعريف لكان أفضل في اتساع الرؤى، وبها أيضا تضمينات مقوسة من بعض الكلمات لأغنية شهيرة (وابتدا المشوار)، وكأنها تشير قاصدة إلى أننا نفتقد الأندلس تماما كرمز حتى أنها أصبحت مجرد اسم يطلق على مكان ما.

 في قصيدة (ثورة الماء)، تقتبس من القول الشهير، كل يغني على ليلاه فتحوله لكل يبكي على ليلاه، فاستبدلت الغناء بالبكاء، متحسرة على ما بدلته الأزمنة من حال البشر. وتأخذ أيضا من قصة موسى: أربعون حلما في تيه اليقظة وتأخذ من قصة يوسف: والرؤية مؤجلة قبيل فجر الانفراط. أخذوا دهاق الأمنيات.

والرمز في الإشارة إلى موسى ويوسف عليهما السلام، ما هي إلا إحدى الدلالات التي تحيل عقل المتلقي إلى مصر، وهذا ما يتضح في لعبها على فلسفة اللون فلم تذكر أسماء ألوان صراحة إلا الأحمر والأبيض والأسود وهي ألوان العلم، وإن أضافت اللون البني كلون لبشرة الغالبية من سكانها. رغم عدم ذكر ألوان كالأصفر مثلا عند وصف الرمال، أو الأخضر عند تصوير مشاهد الطبيعة من أشجار.

 وفي قصيدة (نعش) تصور ما يدور في حساب القبر من أسئلة: فإذا قال السؤال الأول من رب الجمال / خلق المسكين ضعيفا، مستبدلة الإنسان بصفة المسكنة. ويريد رب الشعرى أن يستبدل / الآن وقد حصحص الحق.

لكني وجدت رغم كل جماليات التصوير الشعري وتناسق الأفكار أن الديوان كان يحتاج إلى بعض من  التدقيق اللغوي فكثيرا ما صادفني همزات في غير موضعها أو غير موجودة نهائيا

لكني أشد على يد الشاعرة التي اتخذت من مرجعياتها الثقافية سبيلا جيدا لتزيد بما ألقته من تناص واقتباس بين ثنايا القصائد صورا بلاغية رائعة.

مساحة إعلانية