مساحة إعلانية
كتب : نبيل بقطر
في ليلة بهية من ليالي سوهاج الثقافية، دشّنت النقابة الفرعية لاتحاد الكتاب بسوهاج برنامجها الثقافي للعام الجديد، وذلك بحضور جمع كبير من الأدباء والشعراء بمقر الاتحاد في سوهاج، مساء ليلة الثلاثاء الموافق الحادي عشر من فبراير 2025.
وكانت الجلسة الأولى مخصصة لمناقشة المجموعة القصصية (قلب صعيدي) للكاتب الطبيب/ أيمن الداكر، وقدم لها الدراسة النقدية الناقد الدكتور/ محمد عبيد.
بدأ الحفل بكلمة ترحيبية من الأستاذ/ محمد عبد المطلب (رئيس اتحاد الكتاب بسوهاج)، أعرب فيها عن سعادته بالحضور جميعا، وقدم نبذة تعريفية بالكاتب/ أيمن الداكر. وتجربته الأدبية وتطورها المستمر، وقد ناقش له الاتحاد من قبل مجموعتين قصصيتين، وأشاد بتواصله الدائم معهم رغم ظروف عمله خارج البلاد.
ثم تحدث الشاعر/ أوفى الأنور عن خطة البرنامج الثقافي للنقابة الفرعية لاتحاد الكتاب في سوهاج، وكيفية التغلب على المعوقات من أجل استمرار النشاط الثقافي، والدعم المستمر لأدباء وشعراء سوهاج، وتقدم بالشكر للدكتور/ محمد عبيد على تعاونه الدائم مع الاتحاد، وأشاد بمشروعه النقدي لأعمال كتاب وشعراء سوهاج، والذي تجيئ في إطارها دراسته النقدية لمجموعة (قلب صعيدي) محل النقاش في تلك الجلسة.
قدم الدكتور/ محمد عبيد دراسة نقدية مستفيضة ومتميزة للمجموعة، أشاد فيها بمحاولة الكاتب رصد العادات والتقاليد في القرية الصعيدية، وكذلك ألعاب الأطفال مثل (الجغولة، الحجلة، الغميضة، سوق الأطفال)، فذلك دور هام للأدب وهو التوثيق لذلك التراث الذي كاد يندثر في كثير من القرى، وقد أجاد الكاتب في ذلك بلغة سردية بسيطة محببة للقارئ، تجعله في حالة تعايش مع تلك الأجواء وكأنه أحد أبطالها، وقد عبر عن ذلك بقوله: "كنت أرى أن أيمن الداكر يكتبني أثناء قراءتي للمجموعة، فجميعنا ينتابه الشوق إلى تلك الأيام الخوالي".
تناول الدكتور محمد عتبات النصوص التي جاءت متوافقة مع بعضها البعض، بدأ من الغلاف الذي يحمل صورة للفنان (حسين بيكار) وما فيها من تفاصيل ريفية، يرافقها عازف الناي الحزين، ويحيلنا ذلك إلى الإهداء إلى (القلب الصعيدي الطيب)، ثم المفتتح الذي جاء بأبيات شجية للشاعر ابن عروس (فرطت قلعي ماجانيش ريح. وعاودت على البر ناوي. ياما ناس زينا مجاريح. لكين صابرة على البلاوي)، وما يحمله من شجن وأنين وكأنه تمهيد لما تجسد في الكثير من قصص المجموعة، والتي حمل بعضها أسماء لها ذات الدلالة مثل (قمري الحزين، نبوت عمران، قلب صعيدي، على المعاش، لم تعودي قريتي)، ورسمت قصص أخرى صورة البطل المجهول الذي يدافع عن الوطن أو القرية أو المحبوبة دون انتظار مقابل، لكنه يظل رمزًا خالدًا في قلوب الجميع حتى البسطاء منهم في قصة (ليلة ظلماء).
واختتم الدراسة بالثناء على على المجموعة ولغتها السردية، وتنوعها في الأفكار التى طرقت مجالات جديدة، لكنه انتقد عدم إيضاح الكاتب لبعض المفردات التي تخص أبناء القرية، وتكون أعجمية على أبناء المدينة، وربما أبناء القرى الأخرى، وفضّل وجود هامش يترجم تلك الكلمات ويفض غموضها ويوثقها.
ثم قام الأستاذ/ محمد عبد المطلب بإدارة الحوار والمداخلات من الحضور، والتي كانت متعدّدة وثرية، بدأت بالأديب/ مجدي حشمت، والذي قدم قراءة نقدية أخرى للمجموعة، قال فيها:
(نحن نعرف أن التعمق في المحلية هو المفتاح إلى العالمية، أتذكر هذا كلما طالعت إبداعات الدكتور/ أيمن الداكر القصصية قديمها وحديثها، فالدكتور أيمن الداكر هو ابن القرية الأصيل الذي يعتز بقريته بكل ما فيها، حيث تسري في عروقه الدماء القروية الخالصة، حاملة قيم ومبادئ وأخلاق القرية التي تشربت بها كل خلاياه؛ لتفضح إياها في إبداعاته الأدبية والقصصية. يتضح ذلك جليًا في مجموعته القصصية (قلب صعيدي) محل المناقشة والدراسة والتحليل اليوم، فنجد قصصها بطين أرض القرية الخصب، تعجن وتغلف وتفوح عبقًا وعطرًا من روحها، وتتلون بإخضرار زرعها المعطاء، وتصيح بسماحة وطيبة أهلها وصلابتهم الصعيدية في نفس الوقت، وتنطق مشيدة بعاداتها وتقاليدها وقيمها القروية الراسخة. فنجد الحكي عن المعتقدات والعادات التي كانت سائدة منذ القدم عند حدوث الخسوف للقمر كما في قصة (قمري الحزين)، وعرض المنافسة والصراع الشريف القروي الرجولي في التحطيب، أو اللعب بالعصا في قصة (نبوت عمران)، ويرصد عادة الأخذ بالثأر التي كانت منتشرة بالأكثر قديمًا في قصة (شوكة صغيرة)، والشرح بكل استفاضة لألعاب الأطفال القديمة في القرية، مع عرض المظاهر الانسانية في قصة (الشيخ رمضان)، الذي توفي ابنه في الخليج. كما تطرق الأديب في قصص المجموعة إلى بعض الموضوعات الهامة ولكن من منظور قروي حتى النخاع، حيث تناول حال المرء حين يزول عنه الجاه والسلطة وذلك في قصة (لحظات صامتة)، والجمع بين الماضي والحاضر في قصة (ليلة ظلماء)، وموضوع قوة الصداقة وبشاعة الذئاب البشرية في قصة (مروة)، وكذا استخدم النخلة المعمرة كرمز في قصة (على المعاش)، وكانت الذروة في قصة (قلب صعيدي).
ثم تحدث الشاعر/ نبيل الهواري، وتطرق إلى تمازج عتبات النصوص والتي تحيل دائما إلى حالة الاغتراب التي يعيشها أبطال الحكايات، بداية من التقديم بمقطع حزين لابن عروس، حتى الخالة التي أهدى إليها الكتاب والتي يحمل اسمها (حنان) تيمة مفقودة لدى الأبطال، وجاء في قراءته: (وهكذا يرسم لنا الكاتب شخصياته من واقع القرية، وتحيلنا هذه النماذج إلى تقصى الحالة النفسية لهذه الشخصيات، ويبرز لنا مدى حاجتها وتوقها إلى الأمن والطمأنينة النفسية وظهور ذلك جليًا في كلمة (الجدار) التي ردّدها كثيرًا ورسمها لفظًا وفكرًا في قصصه، والتي تحيلنا بدورها إلى أكثر من معنى، فقد تعني الأب والسند بكل عطفه وتحمله للمسؤلية، وقد تعني الوطن بكل دفئه، وإذا أمعنا جيدًا في نظرات معظم الشخصيات نجدها تشي بالحزن والألم، وأيضا هذا الخوف الذي رأيته بأعينهم، الخوف من المجهول، والخوف من الغربة والاغتراب داخل القرية وخارجها، والخوف الذي يظهره التردد أحيانا من الإقدام على اتخاذ خطوة ما، حتى وإن بدأت تخطط لتمنع هذا الخوف وتظهر قوية أمام نفسها والآخرين، وكما يقول (فرويد) "كثرة الكتمان والتظاهر بالقوة يجعل قلوبنا هشة، تبكي لأتفه الأسباب"، ونلمح ذلك في معظم المجموعة القصصية (ليلة ظلماء، شوكة صغيرة، الشيخ رمضان، لم تعودي قريتي، من ظهر رجل،....).
وتحدث الكاتب والباحث الأستاذ/ أشرف أيوب، عن الرصد التراثي داخل المجموعة قائلًا: (استطاع الكاتب في هذه المجموعة أن ينقل لنا تراث القرية، أو فولكلور القرية من عادات وتقاليد وفنون شعبية، ومأثورات وأمال شعبية ومفردات تخص القرية، بل إنه استطاع أن يحمل لنا وجدان الريفين أو وجدان الذين يعيشون هناك، بل إننا نستطيع أن نطلق على ما كتبه الدكتور أيمن الداكر أن نسميه أدب القرية إن جاز التعبير، فهذا الأدب له خصوصيته وأن هذا ما يميز الكاتب. تحمل المجموعة في طياتها مجموعة من القيم والأخلاق والفضيلة وقد جاءت هذه القيم أحيانا بصورة مباشرة كالخطب والمواعظ، والبعض الآخر جاء في صورة فنية غير مباشرة عالية القيمة. وبالرغم من أنه استطاع أن ينقل لنا جو القرية إلا أنه قد أخفق في توضيح بعض المفردات الخاصة بالقرية التي لا يعرفها الكقيرون مثل (النَبْر، الدِمْسَة، التَايَة، الرَبيع).
وجاء في كلمة الكاتب/ إسلام الحادي: (التناقض والتوازن في العنوان، كلمة (قلب) عادة تشير إلى الرقة، الحب، أو المشاعر، بينما (صعيدي) يحمل صورة القوة، الصلابة، والتمسك بالعادات، فهنا يشير القاص على أنه ربما يحمل الصعيدي قلبا مختلفا نوعا، لأنه يجمع بين الرهافة والقوة كل في موضعه، وعلى حسب الموقف والعوامل الضاغطة التي يتعرض لها. ورغم ذلك جاء العنوان بسيط وغير مبتكر كما أنه شديد الإيحاء بأنك سوف تقرأ مجموعة تحمل بيئة المؤلف بجميع تفاصيل تلك البيئة. خلقت القصص حالة وجدانية عند القارئ اكتملت بتكوين مشاهد ذات طابع إنساني، كما أن بعض النهايات كانت مفتوحة لتعطي مساحة للتفكير، والمجموعة فيها بصمة خاصة للكاتب تجعله مختلف عن غيره من حيث المشهد القصصي الذي ربما عاشه بكل تفاصيله، الحبكة والموضوعات تجاوزت الموضوعات المستهلكة وتطرقت لموضوعات من التراث الصعيدي بصبغة اجتماعية وأحيانا سياسية.
وشهدت الجلسة مداخلات أخرى ثرية من كل من: الدكتور/ حارص عمار، الشاعرة/ جيهان شعيب، الأستاذ/ خالد ماضي، الأستاذ/ أيمن عبد السميع، الأديب/ عبد الرحمن الشريف، الشاعر/ فتحي الصومعي، الدكتور/ عاصم المزلاوي، الدكتور/ مصطفى عزام، الأستاذ/ حسين علام، الأستاذ/ ياسر الرشيد، الأستاذ/ أحمد الصغير، الشاعر/ علاء عبد السميع، القاص/ عمرو دنقل.
وختمت الليلة بتعقيب من الكاتب والقاص الكبير الأستاذ/ محمد عبد المطلب، وصورة جماعية للحضور.